أَنَا لَسْتُ أَنَا/ خْوَانْ رَامُونْ خِمِينِثْ

 

خاص- ثقافات

ترجمة: الدكتور لحسن الكيري**      

 

أَنَا لَسْتُ أَنَا.

أَنَا هَذَا الَّذِي

يَمُرُّ بِمُحَاذَاتِي دُونَ أَنْ أَرَاهُ،

وَ الَّذِي، أَحْيَانًا، سَأَرَاهُ،

وَ أَحْيَانًا، أَنْسَاهُ.

ذَاكَ الَّذِي يَصْمُتُ، هَادِئًا، عِنْدَمَا أَتَكَلَّمُ،

ذاك الَّذِي يَعْفُو، لِينًا، عِنْدَمَا أَكْرَهُ،

ذَاكَ الَّذِي يَتَجَوَّلُ حَيْثُ لَا أَتَوَاجَدُ،

ذَاكَ الَّذِي سَيَبْقَى حَيًّا عِنْدَمَا أَمُوتُ.

*القصيدة في الأصل الإسباني:

Yo no soy yo

 

Yo no soy yo.
Soy este
que va a mi lado sin yo verlo,
que, a veces, voy a ver,
y que, a veces olvido.
El que calla, sereno, cuando hablo,
el que perdona, dulce, cuando odio,
el que pasea por donde no estoy,
el que quedará en pie cuando yo muera.

*شاعر إسباني غزير الإنتاج، حاصل على جائزة نوبل في الأدب سنة .1956 ولد خوان رامون في بلدة موغير  Moguerبويلبا. درس أول أعوامه فيها، ثم انتقل بعدها  إلى قاديس ليدرس في المدرسة اليسوعية، وهناك تعرف على أسماء أدبية ناشئة مثله. وفي هذه الفترة كتب أولى قصائده وإن لم ينشر منها شيئاً. خلال تلك الفترة قرأ وتأثر بأعمال الإسبانيين أدولفو بيكر و غونغورا، والذي سيضيف لهما في فترات لاحقة من حياته، اسم شاعر نيكاراغوا المعروف روبن داريو، رائد مدرسة “المودرنيزم أو الحداثة في الشعر المكتوب باللغة الإسبانية، حيث سيتحول إلى معجب ودارس لمسيرته الشعرية. وهذا الإعجاب سيكون متبادلاً بين القمتين الشعريتين إلى درجة الصداقة. في تلك الفترة ونتيجة لهذا التشجيع، انتقل خمينث إلى مدينة مدريد وتواصل مع شعراء العاصمة وهناك نشر أول كتبه الشعرية التي تحمل تأثرا واضحا بملامح الحركة التحديثية. وفي تلك الفترة أصيب بعوارض مرضية نفسية، أجبرته على العودة لقريته “مُوغير”. في العام نفسه توفي والده مما ضاعف من مرضه وحزنه وإحساسه بالتوحد في هذا العالم.

سافر بعدها إلى فرنسا للعلاج والنقاهة، وهناك قرأ لشعراء الحركة الرمزية الفرنسية أمثال بودلير و مالارمي مما سيترك أثراً واضحاً في كتبه الشعرية التي أنجزها في تلك الفترة. سافر فيما بعد إلى إيطاليا وشرع بكتابة ديوانه الثالث ” قصائد” لينشره بعد عودته لمدريد. أصبحت الكتابة والمرض منذ هذه اللحظة أكثر التصاقا بحياة خمينث، إلى درجة أن أغلب الدراسات النقدية عنه لا بد لها من الدخول في تحليلات عميقة لأثر المرض في كتابات وحياة خمينث. خلال تلك الفترة خضع لعلاج طبي مستمر في مصحة نفسية حتى شعر بالاستقرار الجزئي وعاد سنة 1905 لمسقط رأسه في قريته موغير. أثناء تلك الفترة نضج فكره بشكل كبير، وعندها كتب مطولته النثرية المعروفة “بلاتيرو وأنا“.

و سنة 1911 عاد خمينث مجدداً لمدريد، واستقر في نزل للطلبة، وهو نفس النزل الذي مر فيه سنوات لاحقة العديد من أهم أدباء وفناني إسبانيا في القرن العشرين مثل فيديريكو غارثيا لوركا، سلبادور دالي أو لويس بونييل. التقى خوان رامون خمينث بثنوبيا كامبروني. لقاؤه بهذه الشابة المهتمة بالأدب، وهي ابنة لأم من بورتو ريكو وأب إسباني، تحول إلى الأمل الوحيد في حياة خوان رامون خمينث. لم يكن طريق التقائهما سهلاً، فبالإضافة إلى الفارق العمري ومعارضة عائلة الفتاة، لم تكن الفتاة متحمسة للزواج من رجل انعزالي وشاعر مصاب بالجنون والوهم. ولكن لقاءاتهما المتكررة ونقاط ثقافية مشتركة عديدة قد أزاحت العديد من عراقيل ارتباطهما الرسمي الذي سيتم في عام 1916.

سافر مع خطيبته إلى الولايات المتحدة للزواج و قضاء شهر العسل. لخص وقائع رحلته إلى نيويورك في ديوان “يوميات شاعر حديث الزواج ” (1917) ومثلما يدل عنوان الكتاب فقد ألفه بما يشبه اليوميات بمزيج من النثر والشعرية وأدخل فيها موضوعاً سيعود إليه لاحقا شعراء من أمثال فيدريكو غارثيا لوريكا ألا وهو نيويورك رمزا للعصر الصناعي الجديد. ثم واصل سيره نحو “الشعر الخالص” الذي سيكون بمثابة ابتكار وعلامة مميزة لأغلب نتاجه الشعري اللاحق كما هو الحال عليه في ديوانه “أبديات” الصادر سنة 1918. ويحتوي هذا الديوان على بيت شعري شهير يلخص رؤيته ومفهومه الشعري:

“أيها الذكاء/ امنحني الاسم الحقيقي للأشياء! /… أن تخلق الكلمة نفسها مجدداً من روحي”

بعد استقرار حالته الصحية نوعاً ما، عاد للكتابة الشعرية ليصدر حتى سنة 1936 عشرات الكتب من بينها: “حجارة وسماء”،” أشعار”، “جمال” و “المحطة الشاملة“. و أثناء ذلك كان الشاعر قد دأب على جمع نتاجه الشعري في منتخبات كاملة، وهي نتاج مرحلته الإبداعية الأولى، وطبعت في 1922 بعنوان “المجموعة الشعرية الثانية”. ولم تلبث أن اكتسبت هذه المجموعة أهمية فريدة من نوعها في الشعر الإسباني فتعد، أسوة بـ “الرومانث الغجري لفيديريكو غارثيا لوركا و “عشرون قصيدة حب وأغنية يائسةلبابلو نيرودا، إحدى الأعمال الشعرية المكتوبة باللغة الإسبانية الأكثر تأثيرا في القرن العشرين.

مع نشوب الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936، فضل خمينث مصاحبة زوجته والهروب حتى الأراضي الأمريكية، بعد أن سهل لهم مانويل أثانيا السفر بجوازات ديبلوماسية. في البدء أقاما في نيويورك، ثم توجها إلى بورتو ريكو، ليسافرا للاستقرار في كوبا لأكثر من ثلاث سنوات. وكان خمينث من المتحمسين للجمهورية الإسبانية، ولهذه الأسباب لم يرجع لبلده خلال فترة الديكتاتورية. يظهر موقفه السياسي جليا في إعداده كتاب متعاطف مع الجمهورية الإسبانية، عنوانه “الحرب في إسبانيا”، والذي لم يتمكن من نشره. و قد تحدث فيه عن معتقداته السياسية المؤيدة لنظام الجمهورية واستعرض شخصية الأدباء الإسبان معبرا صراحة عن رأيه في عدد منهم.

خلال هذه الفترة عمل في أكثر من جامعة وكتب العديد من المقالات النقدية في الشعر الإسباني والأميركي اللاتيني، والتي تم جمعها بعد وفاته وصدرت في كتابين. كما عمل كأستاذ زائر في الولايات المتحدة والأرجنتين حتى عودته النهائية عام 1951 إلى بورتو ريكو، ليستقر فيها بسبب تردي وضعه الصحي. في بورتو ريكو، انضما لهيئة التدريس في الجامعة الوطنية، حيث أحتفي بهما بشكل لا مثيل له، حتى أن الجامعة قد أطلقت اسميهما على قاعة دراسية.

خلال تلك الفترة حتى عام 1958 اشتدت وطأة مرضه وبدأ يمر بحالات مرضية عصبية متكررة. أثناء ذلك أصيبت زوجته زنوبيا بالسرطان، وعلى الرغم من علاجها المتكرر، إلا أن المرض قضى عليها لتموت بعد ثلاث أيام من تلقيهما خبر منح خمينث جائزة نوبل للآداب عام 1956، وهي التي عملت كل جهودها خلال سنين طوال من أجل التعريف بخمينث في الأوساط الأكاديمية لجائزة نوبل.

بعد رحيل زوجته، لم تستقر حالة خمينث المرضية، ليرحل عن العالم في 29 من شهر ماي عام 1958، ليدفن في منفاه الأخير في بورتو ريكو.

هذا و قد كتب العديد من المتأسبنين العرب، وبعض النقاد الإسبان، عن علاقة خمينث بالشعر العربي، وشعر المتصوفة خاصة. وتعتبر دراسة محمود عباس العقاد لخوان رامون خمينث هي الأولى من نوعها في العالم العربي، مع منتخبات متفرقة من شعره (بالأخص من كتابه “بلاتيرو وأنا”)، على الرغم من أن محاولة الأديب العقاد كانت منصبة حول جائزة نوبل بدرجة أولى، والكتابة عن شاعر أندلسي ثانياً، وكأنه أراد به إرجاعه لزمرة الشعراء العرب حتى لو لم يكتب باللغة العربية، لكن ترجمة العقاد ودراسته لم تأت مكتملة نتيجة عدم معرفته بلغة وآداب إسبانيا، إذ نقلها عن الإنكليزية.

و نشير أخيرا إلى أن إصداراته الشعرية تزيد على الأربعين ديوانا شعريا، ناهيك عن كتبه النقدية والنصوص النثرية الأخرى. من أعماله “حدائق بعيدة”، “مظهر الحزن”، “الأغنية التائهة”  وبلاتيرو و أنا”. (نقلا عن ويكيبيديا بتصرف).
________________
ob_dec2bb_13100790-10209153137130154-84022660611-1-1-1

**كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية – الدار البيضاء – المغرب.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *