حنين العصر

خاص- ثقافات

*ميساء البشيتي

لأنك وحدك من تهطل في سماء أيامي فتنعشها، وتدب الروح بأرضها فتحييها؛ فتسافر إليك دونما تأشيرات أو حواجز على أبواب الفصول، ولأنك تطيل المكوث على شرفات أحلامي، تحرسها من عيون الضباب وقراصنة المطر، لأنك أيلول، ولأجلك، سأكتب كل أغنياتي.

أذكر أنك في أيلول مضى عليه أكثر من ألف دهر، وقتها كان الزمان عصرًا، والمكان عصرًا، والكلام كان كلام عصر، أخذنا الحديث في وقت العصر، فكانت اللغة والأمل والفرح والحب وحتى الخوف كانوا واحدًا في وقت العصر.
كانت حروفي تفرُّ مني إليك عبر أوردة  الشهيق والزفير، وتسري منك مع رذاذ الندى وعبير الياسمين، لنضع الأكاليل على رؤوس العاشقين، ونرسم حديقة ينام في أفيائها عابروا الطريق.

لكنك أيلول، لا تستقر على حال، لا تبقى في مكانك مراوغًا  كبقية الأيام، تبقيني  وحيدة على شرفات الانتظار وتتقلب أنت بين الأرض والسماء، ثم تقفز فجأة إن زمجرت ريح من حولي، وتنتشر كحبات المطر على نوافذ الفقراء، تغسلني من براثن الريح وكل الأوجاع، وتقترب أنفاسك من كل الأبواب؛ فأسمع ترقرق الدمع وهو يسيل على وجنتيك، أحاول عبثًا  ملامسة دمعك، محاورته، التحدث إليه حديث العقلاء ؛ كي يبتعد عنك إلى غير رجعة، لكنه كان يصرٌّ على أن يفاجئنا كطرف ثالث، خفي، يرافق أنفاسنا المتهالكة تحت وطأة الانتظار!

أنا يا أيلول بعد أن ضاقت بيَّ دروب الانتظار، وأغلقت في وجهي مدن وممالك، وسُحبت من تحت أقدامي طرقات وشوارع، رفعت عينيِّ إلى السماء ورجوتها أن ترسلك إليَّ في الصباح أو المساء أو العصر!
أريد أن أبثك موجة من موجات حنيني وهي تخرج من قلبي تغلي من فرط الشوق؛ قبل أن تبرد نيرانها لتجفف ما علق  بين جفنيك من دمع الشوق والقهر.

إنه القدر، لا مفرَّ منه ولا مهرب ، لكن الآن فقط كن معي يا أيلول حتى أعبر باقي الفصول بسلام، فأنا من دونك لا أقوى على التحليق كفراشة، ولا الطيران كيمامة، ولا الغناء كبلبل، ولا الامتلاء كسنبلة.
أنا لا أقوى إلا بأيلول، فابعثيه يا سماء وفي وقت العصر.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *