ثلاث قصائد

*عدنان الزيادي

الصعود إلى المكتبة

وأنت تبحثُ عمّا يُعبَّرُ عنه بكلِّ قوةٍ
خارجاً مِن مَعْقلك ببقيةٍ مِن حواس
لم تعطِّلها واجباتُ اليوم
وما ينبغي تسديدهُ لذلك المخلوق
الذي يصرخُ بك
ويطلق مَسبّاتهِ
في صفحاتٍ أُريد لها أن تكونَ مِن أمجادِ طاغيةٍ
يجيئُ مِنَ العَماء
برَهَازِه
وينتصب.

سَيُرِينا مُمْتلكاته
هنا
على خِوانهِ
وقد تجمَّع حشدٌ جِيئَ به مُنقاداً بهبوبِ الريح
وكنتُ بينهم
أنا المُزوّدُ بفكرةٍ مُطوَّقةٍ بحبلٍ
ومسحوبةٍ في الطريق
ولأجلها مِنَ السطوحِ تنبحُ بامتنانٍ
تِلكَ الكلاب .
ابنُ زانيةٍ مَن يتنكَّرُ لبنتِ زانٍ
في منهجٍ يطيلُ لحيته
يا سَلَفيَّ متاهتي.
ولا تُهِمّني ممتلكاته
الأهمُّ هو ذلك الحظُّ
بأن تخرجَ مِن حانةِ ليلٍ
غيرَ مُصابٍ بسلاحه
رغم أنهم سمعوا الإطلاقة
وجَرتِ الدماء
يارواةَ الحادثة.

فكنْ ميتاً لتعرفَ أنك عِشتها كلّها
بلا مِنْقَصةٍ
سوى أنها لم تكنْ مِلْكك
فقد تصادفُ موتى في الطريق
لهم كتبٌ على رفوفك
كتبوها وذهبوا
ومِن موتهم سيزودونك بمؤلفاتٍ
عن شؤونهم في المقبرة.

وردةُ إيكــو

لم يكنْ لإيكو غير التمتمات
في ذلك الوقت من حبٍ
لهُ شكلُ البطولةِ قبلَ حربِ الأساطير
ولم يكن للمرايا ذلك الحظ لأن
تدلّها على غمّازتيها
عندما ابتسمت له
ثم قالت هَيْتَ لك يا خيال
يا خصلةُ شَعرٍ حرَّكتها الريح
فألقتْ روحها
على عينينِ غافيتين
في إصبوحةٍ من مياهٍ
لم يرها في طريقهِ الى صيدهِ نرسيس
فأصابتهُ بوردتها
فتأجّلَ يومهُ وغده
وما تبقّى مِن مستقبلٍ مُتعثِّرٍ بين نهدينِ في متناولهِ
لو أنه ينظر.
صِرْ لها نرجسةً كي تُخلِّدك
صِيري له كلماته المُلقاة فوقَ الماء
كي تتحطمَ الموجة
وما مِن أحدٍ يَلمُّ شظايا وجههِ العاشق

ما عشتَهُ لن يعودَ لك
ستأخذه ذاكرةٌ سعيده
تجرّهُ مِن يده
وتلقيه في بئر نسيانه

ما طعمُ هذا الليل ما نكهته
أيّها النادل
هاتِ لي طبقَ غسقٍ ببهارٍ حاذقٍ
هاتِ جفنة شفقٍ برّيٍّ بصيّاديه المسلّحينَ بملاعقهم،
هاتِ كأسَ سَحَرٍ أطالهُ الخيّامُ ساهراً في مناجاتهِ
غيبَهُ
فلربما في سكرتي سأردِّدُ أواخرَ الكلمات
مما قالته إيكو للعاشقاتِ الحذراتِ مِن غدٍ لا غدَ بعده

تعال وانظر أيةَ أوراقٍ مُمزَّقةٍ على أرضي
كلّما أكتب
كجنودٍ في ساحةِ حربٍ تلكم الأوراق
بعضها لن أجدها
لمّا أراها أنْسبَ هذا اليوم
مِن أمسٍ لا تناسبه
أين جنود معركتي يا أوراق
أين أوراق معركتي يا جنود
….
لعذوبتهِ
كادَ يقتلني
فقتلتهُ في ملهاته
وجاءَ ليقتلني في ملهاتي
يتساقطُ منهُ البِلَّورُ
كضحكٍ يتهشّم
وينبتُ في سريري القُرّاصُ
كي أتألمَ في النوم
يا حارسني
ضاقتْ بي فساتينُ سهرتْ بي
وتهاوى نجمٌ مِن خاصرتي الى النهرِ
لَعلَّهُ سيراني في الماء
أنا أُختكِ يا أوفيليا
في نعشٍ محفوفٍ برعاةٍ
جاؤوا مِنَ الفجرِ بنباتٍ ينعى أزهاره
لأجلهِ كنتُ أتباطأُ
أُغْرقُ عينيَّ بدموعه
كي يسبحَ بانتظاري
أنا المُغْرورقة.
يا ما وجدتهُ في موتي
ووجدني في موته
كاثنينِ تصاعدَ بينهما عرشٌ
الى أعلى عليّين
ليراقبنا ونحنُ نتماوتُ
من أجلِ بقائه
ومِن فمهِ نتثاءبُ
نتهادى قبل النوم بزعانفنا على مقربةٍ من
قاربِ حُلمٍ في الدمعِ
ويتأهبُ مَن يتأهبُ للإبحار
الى الأينِ
يا أينك.

في يومِ حُرِّيَّه

يا ما هزَّ رأسهُ لقصيدةِ النثر
وتَغنّى بمُشرَّدِيها الذين يسكن معهم
في الهواءِ الذي لا يطلبُ أجراً مِن صاعديه
الى أسرّة النوم المُغيِّمه
والشراشفِ الشبيهة بالسُّحب
والأغطيةُ الوفيرةُ يتبرعُ بها الصقيع
أمّا مظلاتُ الهبوطِ الى الارض
تبدأ صباحاً
لتنظيم الحملاتِ مِن أجل الحرية
وتحطيم القافية على رؤوس الجالسينَ الى الخُوان
بانتظارِ المائده
وكسرِ وزن هذه السلاسلِ التي يجرُّها مَن يقعُ في الأسْر
ولا يريدها المُحرَّر مِن حبلهِ السرِّي
بمقصٍّ يحمله
مذ نستهُ القابله
وانشغلتْ أُمهُ بالسعادة
التي أسّاقطتْ مِنَ السقف
مكانسَ يُحتفى بها لطردِ الشرور
وجعلِ الفضاء سالكاً للعائدين
بلا مشقةٍ الى أعشاشهم
أو الذاهبين وقد تأبطوا وجبةَ الغداء لرحلةٍ سياحيه
بين دفتي سِجلِّ النفوس
إذْ سيعرفُ كلُّ واحدٍ الآخر
ولا يقول مِن أين هذا
وذاك من أين
لا صدرَ ولا عجزَ
أيتها الدولة
ولا عمودَ
كي ننصبَ كل مرةٍ خيمة للمعزينَ بمصابٍ
يحدثُ عندما نريده
نتذكره عندما ننسى الكثير

يهزُّ رأسه ولا يريد بيتاً في الجنان
فهاهنا بيته
ومَشّائيهُ الذين مِنَ الدرايةٍ حيث يحفظونَ عن ظهر قلبٍ
آيةً آيةً ,
سورةً في رَقِيمِ وطنٍ لم يزنه ميزان الذهب
ولا يمكن نسخه
يبدأ ولا ينتهي
بين الذئاب يعثرُ على إنسانهِ الآخر
ويدعوهُ الى التَّسلية
بأعوادِ الثقاب
الى أن تحترق الغابة
ومِن تلقائها تأتي إلينا الصرخات

لم يفاجئني بصخبه
ساحباً معه رَتَلاً مِن غيومٍ
ويحطُّ عندي
بمظلته
لم يطرقِ البابَ، هل كان ثمّةَ بابٌ لهذا البيت
إن كان ثمةَ بيتٌ، في الأصلِ، لحكايتِه

تطفو وسائدُ النوم فوق المطر
تطفو ثيابي قبلَ أن أُلبِّيَ دعوته
سأخرج معهُ عارياً
هكذا يقول
ويقول أننا مِنَ البياضِ
بحيث لا نُرى
لكنَّ كلماتِنا تُسمع
كالشهداءِ
في يومِ حرّية.
* شاعر عراقي

كلماتالعدد ٢٩٦٠

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *