“الفردوس المحرّم”: غموض عالم الماورائيات وأسراره

*فايز علام

يغوص الروائي الأردني “يحيى القيسي” في روايته الجديدة “الفردوس المحرّم” في عالم الماورائيات والغيبيات، محاولاً إثارة أسئلة جدلية تتعلق بكل ما نعتقده ونؤمن به، ضمن أجواء عجائبية تتداخل فيها الأساطير مع العلم، والواقع مع الخيال، والدين مع التراث الصوفي.

بطل الرواية وساردها، هو الكاتب نفسه، الذي يفاجأ بصدور رواية تحت عنوان “الفردوس المحرّم”، وهي تحمل اسمه كمؤلف لها، لكنه ينفي أي علاقة له بها، “في خريف العام 2015 فوجئت برواية منشورة في بيروت تحت عنوان “الفردوس المحرّم”، ولا تحمل مني غير اسمي كما يبدو، فلا علاقة لي بها في حقيقة الأمر، إذ كانت هذياناً وتقاطعات واستحضارات من بعض ما قرأته في كتاب الأسرار والأنوار، وأمور شتى لا أدري كيف كتبت ومتى، ولا أعرف حقاً من زجّ باسمي فيها وورطني بتحمل وزرها”.

بهذه اللعبة الروائية يدخلنا الكاتب إلى عملية كتابته للرواية، حيث تضيع الحدود بين أحداث الرواية وشخصياتها وبينه ككاتب لهذه الأحداث، خاصةً أنه يشرك في الأحداث شخصيات رواية سابقة له هي “أبناء السماء” التي صدرت عام 2012، إذ يكتشف أن هذه الشخصيات التي كان يظنها شخصيات من ورق، هي شخصيات من لحم ودم، تبدأ بالظهور في حياته ومطاردته، محاولةً التأكيد على حقيقة بعض الأحداث التي وردت في الرواية السابقة، ومنهم من يبدأ بإرسال الإيميلات له، كي يطلعه على بعض الحقائق المتعلقة بالحكايات التي ألّفها، “سأتركك الآن ولكن أودّ منك أن تتأكد من شيء، وهو أن كل ما قلته لقرائك في روايتك عن الروس الذين اختفوا قرب الأهرامات، وكاثلين معلمة الريكي التي تعالج الناس، والأب حنا صاحب الخوارق، والشيخ المحبّ صافي القلب، والذين يطاردون الكنوز في جبال عجلون، قد يكون حقائق صافية لا تشوبها شائبة، وليست مجرد أحداث وشخصيات من نسج خيالك، وتذكر دائماً أن الواقع هو بالتأكيد أشد غرابة من كل خيال”.

تأخذنا الرواية إلى عالم الماورائيات من خلال قصص الشخصيات، إذ لكل شخصية حكاية مع هذه العوالم، والكاتب يندفع وراء هذه القصص لمعرفة أسرار هذا العالم وكشف خباياه، فنقرأ عن أن الكرة الأرضية لا تحوي النيران في داخلها، بل حيوات أخرى، ونقرأ عن العين الثالثة التي كانت لأجدادنا، وكانت هي الحاسة السادسة، لكنها ضمرت مع الوقت، حتى اختفت في أجيالنا الحالية، كما نقرأ عن القدرات الخارقة للبشر، وعن مدينة “شامبالا”، مدينة الحكمة والسلام، وهي مدينة ذات حضارة متقدمة، هي الفردوس المحرّم على الإنسان، والذي تم إخراجه منه بعد أن صار غير صالح للعيش فيه، بسبب فساد عناصره وضعف طاقته الروحية وانهيار أخلاقه.

هكذا، تقودنا الرواية إلى عوالم شديدة العجائبية والغرائبية، وهي في هذا لا تريد أن تقنعنا أن ما يروى أو يسرد موجود حقاً، هي تقدمه كسلسلة من الأحداث والحكايات، لكي تصل إلى الفكرة الأساسية التي تطمح إلى قولها، وتتلخص في أننا نعيش ضمن معتقدات صنعناها بأنفسنا وصدقناها، وصارت هي ما نفسّر به كل ما حولنا، وفي أننا تعوّدنا أن ننكر كل ما يخالف هذه المعتقدات، وهذا “الإنكار يجعل المرء يقف عند حد معيّن من المعرفة، وهو حجاب مانع، وإنما يجب على الإنسان أن يفتح نفسه للتفكير والتأمل فكل شيء يبدو صحيحاً، وقد يكون غير ذلك، أما مسألة إغلاق النقاش والسخرية، والقول بأن هذا الكلام خرافات فإنه سيضع أمامه عوائق ليعرف أكثر”.

إذاً، لا تريد هذه الرواية إقناع القارئ بالماورائيات، وليس هذا هدفها، بل تريد زلزلة طمأنينته، وهزّ معارفه، وإثارة الأسئلة في داخله حول كل ما يعرفه ويعتقده صحيحاً بالمطلق، لذلك فالأحداث التي تحتويها تشتبك مع العلم والدين والأساطير وحتى مع التراث الصوفي الذي لدينا، لطرح إشكاليات يجب علينا إعادة التفكير فيها من جديد.

يحيى القيسي كاتب أردني من مواليد 1963. عمل في الإعلام الثقافي صحفياً ومحرراً ومديراً منذ 1990 حتى الآن. مؤسس ورئيس تحرير موقع “ثقافات” العربي. أنجز 20 فيلماً وثائقياً تلفزيونياً. نشر مجموعتين قصصيتين، وكتاباً في الحوارات الأدبية، وثلاث روايات: “باب الحيرة”، “أبناء السماء”، و”الفردوس المحرّم”.

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات/ بيروت

عدد الصفحات: 202

الطبعة الأولى: 2016

يمكن شراء الرواية على موقع “نيل وفرات” أو على موقع متجر الكتب العربية “جملون”.
________
*رصيف 22

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *