خاص- ثقافات
اتسمت الثقافة العربية المعاصرة بانفتاحها على الغرب كثيراً، قد يكون ذلك بسبب الجوار الجغرافي، أو بسبب الصراع العسكري والسياسي والحضاري والثقافي على مدى التاريخ، وما كان يحدثه من تفاعلات ثقافية كبيرة، لم نشهد مثلها مع الشرق الأقصى.
إلا أن عالم اليوم أوجد وسائل للتفاعل الثقافي بين كافة شعوب الأرض، ولم تعد ثقافة أي شعب معزولة، فاغتنى المشهد الثقافي على المستوى العالمي، فها هو فن الشعر الياباني المسمى بالهايكو الذي يعود إلى القرن السادس عشر، يلفت انتباه الشعراء العرب، فيكتبونه.
رأفت خليل محام وكاتب وشاعر أردني مقيم في سلطنة عُمان، أصدر مجموعة قصصية بعنوان رجل يخطئ كثيراً سنة 2015، وها هو يصدر مجموعته الأولى بأسلوب الهايكو الياباني، ليقرب هذا الفن الجميل للقارئ العربي، تقع المجموعة في (112) صفحة من القطع المتوسط وهي من إصدارات ” الآن ناشرون وموزعون” سنة 2016.
عرف الشاعر شخصياً هذا الفن الياباني الجميل من خلال القراءة المتفرقة هنا وهناك. كانت في البداية قراءات لشعراء عرب كتبوا بهذا الفنّ. لكن الدهشة كانت بتعرّفه على هايكو الشاعر الياباني المعروف «إيسا», فقد أدهشته القصائد التي كتبها, والتي أعاد قراءتها مرات عدّة. ولم يكتفِ بذلك, فَراح يبحث عن فكّ مغاليق بعض القصائد المبهمة, حتى صار لديه إلمام كبير بأسس ومفاهيم وطرق هذا الفن الياباني.
رأفت خليل لم يتعامل مع هذا الفن بوصفه صرعة أدبية، بل تراه قد استوعب فلسفته، وتذوَقه، فكتبه. يقول في مقدمة ديوانه:
“شعر الهايكو ينقل الدهشة, إنه أشبه بـ«ناشيونال جيوغرافيك» القرن السادس عشـر(ويقصد بذلك المجلة الشهيرة المختصة بتصوير الطبيعة بأدق الصور), إلا أن هناك شيئاً تخلّف في حضور التقنية الحديثة, واحتفظ به شعر الهايكو؛ إنّه الفلسفة المتمثلة بالسعي إلى الحقيقة الكامنة في بواطن الأشياء والخروج بالمشاهدات الطبيعية من معناها الظاهري إلى معناها الخفي من خلال فلسفة «الزن» القائمة على التفكّر والتأمل, تلك الفلسفة التي انعكست بلا شك على فن كتابة الهايكو. إنه فن التصوير بالكلمة المنطوقة, وبالصوت الخارج من قاع النفس, قبل أن يستقر مكتوباً على الورق, لينقل مشهداً قد يبدو طبيعياً وعادياً, الآن وقديماً, لكنه فنّ يغوص ليستخرج حكماً وحقائق كامنة لا تنجلي إلا لمن هو مؤهّلٌ لاستيعابها”
القصائد القصيرة المقتضبة في هذا الديوان, تحتضن دفقات شعورية وحكمة مركّزة ومضغوطة بإحكام ككبسولة.
والشاعر يحاول هنا استشـراف الروح اليابانية في هذا الفن بأدوات واستلهامات محلية, وربما تخرج بمحلّيتها عن التركيز على ثيمة الطبيعة من حيث أنها الطبيعة المحضة.فكتب عن مشاهداته المتعددة: هايكو عمّان وسط البلد، وهايكو اللاجئين(عن مخيّم اللاجئين السوريين في المفرق)، وهايكو دير علا (موطن الشاعر)، وهايكو متنوع. من مقطوعاته:
ما زلتِ جميلة
عيناكِ تلمعان بين القضبان,
أيتها الحرّية
***
حين قرأتُ «إيسا»
ثم نمت
كتبتُ هايكو
***
حشائش المرعى
شاهقةٌ على السطح,
البيت طيني
***
يرفعُ أكتافَ المدينة
كتفُكِ المكشوفُ
أيتها الرومانية
***
أيّها العمود الحجري
ضع حملك الثقيل
واسترح قليلاً
***
في الجامع الحسيني سكينة,
أيتها الحمامة
هل رأيتِ حذائي؟
***
يهدمون الحدود
يبنون القوارب
يموت الناس
***
العظامُ رميم
المدينة حيّة
أيها الدّمار
***
تنتفض الحياة
تصل النار إلى الروح,
يصحو الفينيق
***
هادئاً بين بساتين
كسنامِ جمل,
تَلّ ديرعلّا
***
عند الغروب
التلّ ينحني,
رجلٌ يصلّي
***
تلمع من أعلى,
كبحيرات
بيوتُ الخضار المحميّة