عَزِيزِي دُونْكِيشُوط


*سيومي خليل


خاص ( ثقافات )
أُحس بالبَرد دُونكيشوط ، لِذا أَطلب منك أَنْ ترمي إحْدى المَلاَءَات الوَهمية كي أُدثر نفسي بها .
لمْ أكن يَوما مُوقنا أَنك مَوجود ، لكنكَ هَذه اللحظة تبدو لي في كُل مَكان ؛فِي أَرصفة الشوارع المبلطة بأَقدام المَّارة ، في الخَرائب التي يسْكُنها أشباح مُعذبون ،في الجَبانات التي تَبدو كَمزابل لعظَام البشر ،وفِي البيوت الآهلة بالنَّفس البشري المَخنوق.
هذه المَّرة دونكيشوط سأطلب مِنك أَن تَمر على أَراضينا السبخة .
هذه المرة سأَترجاك دونكيشوط أن تَلتفت جِهتنا نحنُ النَّائمون فِي صحونا .
ليس عليك عزيزِي أنْ تَقوم بِشيء ، فَقط انظر في وجوهنا .
ابتسم فَقَط في تَعاستنا ، ولاَ تفعل شيئا.
ثم استمر في سَيرك اللانِهائي.
دونكيشوط ،تَحَمل قليلا كلامي ، فأنَا لي رغبة ملحة كَي أحَدثك عن طواحِين الهواء في بَلدي .
لا تحرمْني أَرجوك من لذة الحَكي ، فَكَما تعرف ،للحَكي لذة لا تُضاهيها اللذات الجَسدية ، فالحَكَواتي إنسانٌ يُلخص مُتعته في لسانه ، أو فِي قَلمه ، أَو في نظرة جَافة من عينيه .
سأَمنحك لسَاني لبعض الوقْت دونكيشوط ، فَلاَ تُوقفه عن السَّرد ، ولا تُصحح أخطاءه ، ولا تُقم قوانينا له ليحترمَهَا ،فهذا الوقت الذي لم تَحضره كَثرتْ القَوانين التي لا يَعمل بَها النّاس ، وسُلط سيف الحلال والحَرام ،حَتى بدت كل مقاومة لِهذه القُيود عبارة عن مُحاربة العَاصفة ، وأنت أَدرى بمُحاربة العَوَاصف دونكيشوط .
البلد عَالق في أَحد دَرجات الناعورة دونكيشوط ، والدِّلاء تَقُوم بنَفس الدور دائما ؛ تحمل الماء وتُفرغه … لاشيء آخر تقُوم به ، والنَّاعورة كما تعرف يَسُوقها حمار مَعصوب العين ، إنَّها لا تتحرك بالريح ، ولا يُستعَاض عَنها بمضخات كَهربائية لاسْتِخْرَاج المَاء ، بل هناك إصرارٌ عجيب كَي تَظل الناعورة قائمة ، ويَظل الحمار هو من يُحركها ، وتَظَل ،كما دائما ، عَيناهُ معصوبتين .
الحِمار هو شعْبٌ ما دُونكشوط ، شَعب كالشعب الذي عِشتَ فيه ، إلاَّ أنَّه أسوأ قليلا ، فعلى الأَقل من كنت بينهم كَانوا يفهمون محاربتك لما لاَيُرى ، أما هَؤلاء فهم لا يعرفُون كَيف يحاربون مايُرى ، ومايُرى دونكشوط ، هو فساد يَرتدي مَريلة بيضاء ، ويَضع قبعة نسائِية ، ومَساحيقَ جِد مُثيرة عَلى الوجه ، ويَمْشِي فِي حَركات مثيرة ، تَجعل الجَميع لا يُفكرون في محَاربته ، بِقدر مَا يُفكرون في إظهار إعجابهم له .
سأحتاج لك دُونكشوط كَي تزيل الَوهم من سَقْف دماغي ، فَحَرَبَتُك يُمكنني أَن أُحولها إلى مِكنسة ، سَنُزيل معَا ما عَلق في ذهْني من أَمَاني ، وأَحلام ،فَسدت حتى بات من الواجب إزالتها كَي لا تَفْسُد كل الدِّماغ .
أو دُوننشكوط أَزِل الدِّماغ كله ، فَهُو من غير طَائْل في وقت باتت تُطبخ الأَدْمغة فِيه مع بهاراتْ الجَهل المقدس ، سيكوُن عَليَّ دُونكشوط إمَّا أن أَطبخه مَع هذه البهارات ، أَو أَتخلى عنه ، أُفَضلْ أنْ أَتخلى عنه ،كَأني خُلقت من غيره ، أَما أن أَطبخه مَع بهارات الجهل المُقدس فَهذا سَيجعلني أحد أَعضاء القَطيع ، ولنْ يكُون هُنَاك ما يميزني عن الوُعول في الجِبال ، أَو عَنْ الحُمر المرَقَّطة بالأبيض والأسود .
لماذا كنت تحارب دونكشوط ؟؟؟
لماذا يُحارب كُل هؤلاء النَّاس الذين يحملون نَظرات قَاسية بفعل انْكسار أحلام جميلة ؟؟؟
لا لِشيء يُحَارِبُون تحديدا …
كُل مَا في الامر أنَّهم حلموا يَوما بِواقع أفضل ، فَشحذوا عَقَائرهم ، وأَقْلاَمهم ، ورغباتهم ، وأَمَانيهم ، وطرحوها أَمام الله والملائكة والعباد والجن والجماد ، لَكن الغَريب أنْ لا أَحد سمع شيئا من الصياح الحضاري ،ما سمع دُونكشوط هو صوت الرَّصاص الذي يُطلقه مسوخٌ ،سميت خَطأ بشرا ، وسُمع فَقط صوت السكِين وهُو يَئن من مهمته التي سَيشْرع فيها بَعد قليل ،وهي النَّحر ، وسُمعَ فَقط صَوت النَّار وهُي تطلب بصوت خفَي أنْ لا يقحمها البشر في جرمإِأحراق البشر .
دُونكشوط ذَكرني باسم بغلك أُو حِمارك أو حصانك الذي كُنت تُرغمه على السعي وراءَك في مهماتك الحمْقَاء تلك ؟؟؟.
لا يَهم الإسم …
المهم أَنَّ لكل مِنَّا حمار نرغمه قصرا على الإستماع لنا ، ومَلْء وَحدتنا بالنهيق ، وتَرجَمة النَّهيق بِما يُخفف عنا خيبات ضياع الأحلام .
حماري أنَا حَرن دُونكشوط ،بِدارجتنا المغربية نقول :
*بعت حماري *
بِعتهُ لأول حَالم جَديد ،تخلصت منه ،فالأحلام مُرهقة ، وحماري لم ْيعد يَقو على حملها ، لَذا تَخلصت منهُما معا ، الحمار أَعطيته للحالم الأَول ، والأحلام وضَعتها في كتاب ذكرَيات مُمَزق الحواشي .
أصارِحُك أني ماكر دونكشوط ، فأنَا لمْ أَرغب في التخلص من الأَحلام نهائيا ، فقد وَضعتها لا غَير في كِتَاب الذكريات ممزق الحَواشي ، فهناك حُلم مازال يصر على البَقاء داخلي وهو التالي :
من المُمكن أن تَتحقق الأخلام التي تحارب من المسوخ .

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *