تحقيق: عزيزة علي
عمان – تتوقد شعلة مهرجان جرش في دورته الحادية والثلاثين على مدار 10 أيام، تبدأ من الحادي والعشرين حتى ثلاثين الشهر الحالي، لكنها تبقى بلا توهج، فالمهرجان الذي يحتفي اسمه أولا بالثقافة تليها الفنون، يواصل كعادته انحيازه للفنون وتهميشه للثقافة، وفق متابعين.
وبذلك، يصبح تقديم الثقافي على الفني في المهرجان اسما وفعاليات، مخالفة صريحة لتقاليد المهرجانات الكبرى، وهو ما تكشفه أولويات واهتمامات القائمين على مهرجان جرش، فقد رسخ منذ انطلاقته كمهرجان فني، تحت ذريعة ما تحمله الفنون من جاذبية كبيرة، لترويج السياحة وجذب الزوار من خارج الأردن للمهرجان، بالاضافة – طبعا – للأردنيين.
القائمون على المهرجان منذ تأسيسه والى اليوم، زرعوا في عقل الجمهور، أن المدرج الجنوبي للمدينة الأثرية، والذي يحتضن حفلات لمغنين مشهورين، هو المهرجان، نائين بانفسهم عن تسليط جزء من ضوئه على الثقافة.
ومنذ إعلان فعاليات المهرجان، بخاصة الشعرية، والتي تحتل جزءا من عناية المهرجان الحية بالثقافة، والانتقادات تتوالى على ضعف البرنامج والخيارات التي تقدم ضمنه، فهو يمثل بعد سنوات طويلة، تراجعا كبيرا، في انتظار وداعية هجائية من الشعراء أنفسهم له، على حد تعبير بعض الشعراء.
ويقول هؤلاء الشعراء، كان بإمكان مهرجان جرش على المستوى الثقافي، أن يحقق حضورا رائعا، وأن يحفر اسمه إلى جوار مهرجانات راسخة كـ”عكاظ” السعودي و”قرطاج” التونسي.
وفي هذا السياق، وجه شعراء وكتاب أردنيون وعرب، دعوات للقائمين على البرنامج الثقافي في المهرجان، يطالبون فيها بإيلاء أصحاب التجارب الشعرية الغنية، الاهمية والاحترام وتحفيزهم على المشاركة في المهرجان.
واقتصرت مهمة رابطة الكتاب الأردنيين منذ قبلت كعضو في لجنة المهرجان العليا، على ترشيح شعراء للمهرجان، قيدتها إدارته بعدد محدود منهم، وفق ما يتردد في الاوساط الثقافية، لكن مدير المهرجان محمد ابو سماقه نفاه في حديثة لـ”الغد”.
وتفيد تسريبات لشعراء عرب اعتذروا عن المشاركة بالمهرجان، بأنهم سواء حضروا أو لم يحضروا، فإن الاحتفاء سيكون للفنون، وسيتغلب احتفاء الادارة بالمطربين والمطربات على كل شيء.
وأشار رئيس الرابطة ورئيس لجنة الشعر في مهرجان جرش الثقافي د. زياد أبو لبن الى أنه وجهت دعوات لعدد كبير من الشعراء، لكنهم اعتذروا لارتباط بعضهم بمشاركات عربية، ومن بين المعتذرين الأردنيين والعرب: إبراهيم نصر الله، عز الدين مناصرة، حيدر محمود، جريس سماوي، غسان زقطان، ومحمد البريكي.
واعتبر ابو لبن ان الاعتذارات تعود لاسباب تتعلق بالشعراء انفسهم، ولم تخل دوره سابقا للمهرجان من اعتذارات لشعراء أردنيين وعرب، وهي غير مرتبطة بمواقف من المهرجان.
وينفي حيدر محمود أن يكون اعتذاره عن المشاركة في البرنامج الشعري مرتبطا بأي اسباب تتعلق بطبيعة المشهد الثقافي الحالي.
وأكد انه سيشارك بندوة ثقافية فكرية ضمن المهرجان، تتحدث عن الثورة العربية الكبرى ولها صلة بالشعر، وستقام في المركز الثقافي الملكي.
وارتبطت بعض الاعتذارات بالترتيبات اللوجستية المتعلقة بتوقيت توجيه الدعوة للمهرجان، ففي هذه الفترة من العام تقام مهرجانات شعرية في العالم العربي، وتوجه دعوات للشعراء قبل فترة طويلة، كما حصل مع مدير بيت الشعر في الإمارات الشاعر محمد البريكي.
وقال البريكي في اتصال هاتفي لـ”الغد” ان دعوة مهرجان جرش جاءت متأخرة، وتقاطعت مع مشاركتي في مهرجان (عكاظ الثقافي) الذي يقام في السعودية في الفترة ذاتها، فاعتذرت عن جرش”.
ويعتبر البريكي ان مهرجان جرش من المهرجانات الشعرية العريقة التي تجذب كبار الشعراء، وأصحاب التجارب الكبيرة في الشعر، وبرغم ذلك اقترح على القائمين إعطاء الشعر اهتمام وترويج للامسيات الثقافية، جنبا الى جنب مع الأمسيات الفنية والغنائية التي تقام في هذا المهرجان، وتكثيف الحملة الإعلامية والدعائية للإعلان عن المكان والزمان الذي ستقام فيه هذه الأنشطة والفعاليات حتى تستقطب جمهورها بفاعلية.
متابعون يلفتون الى أن ذلك الضعف بالجانب الثقافي والشعري للمهرجان، يتضمن طبيعة المشاركة والحضور، فمعظم المشاركين في الامسيات الشعرية، هم من أصحاب التجارب الجديدة، وأغلبها بحاجة إلى صقل ومراس كبيرين، لتتمكن من الوقوف في مهرجان جرش.
لذلك؛ يرون أن غالبية المشاركين في هذه الأمسيات، أصحاب تجارب غير ناضجة، في المقابل يرى بعض المشاركين في البرنامج الشعري، أن المهرجان فرصة ثمينة لهم لمواجهة الجمهور.
ويدعو شعراء معروفون لاختيار بضع تجارب جديدة مميزة، لإقامة مختبر شعري لها على هامش المهرجان، بدل زجها في برنامج، يراد له أن يشتمل على أصحاب تجارب لافتة محليا وعربيا.
وفي نطاق ضعف الدعاية التي تبثها إدارة المهرجان حول البرنامج الثقافي، بينما يطغى الاهتمام بالجانب الفني، يتوقع شعراء، أن يكون الإقبال على الأمسيات الشعرية في هذه الدورة، ضعيفا وربما أقل من السابق.
يقول الشاعر يوسف عبد العزيز إن “الأمسيات الشعرية في هذا المهرجان ستكون ضعيفة الحضور عموما، لانها تكاد تخلو من التنوع الذي كان قائما في دورات سابقة، لمهرجانات جرش، منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي”.
ورأى عبدالعزيز أن هناك عدم اهتمام من إدارة المهرجان بالأمسيات الشعرية، فأغلب الشعراء المدعوين لهذه الدورة “لا يمثلون خريطة الشعر في الأردن والعالم العربي، بالرغم من اننا قد نقع على أسماء لشعراء جيدين”.
وأضاف لـ”الغد” “قد تكون الشللية المتفشية في رابطة الكتاب، والتي تشرف على برنامج المهرجان الثقافي، أحد أسباب ضعف الأمسيات”، ملمحا الى “أن مشاركين في البرنامج الشعري لم يسبق لهم وان نشروا قصيدة من قبل، ولم يسمع باصحابها”.
وأوضح عبد العزيز أن “الهيئة الإدارية للرابطة وإدارة المهرجان “لا تدعوان الشعراء أصحاب التجارب المميزة والكبيرة، لاعتقادهما أن التكاليف المالية لاستقطابهم، كبيرة تفوق امكانيات المهرجان” مشيرا إلى أن “مكافآت الشعراء المادية جميعهم، لا تعادل عشر تكاليف دعوة فنانة أو فرقة مسرحية للمهرجان”.
ويرى شعراء أن برنامج الشعر على ضعفه منذ تأسيس المهرجان، الا ان افتتاحيات المهرجان بأمسيات شعرية لأسماء بارزة من الشعراء، كانت تمنح المهرجان رونقا وتثريه.
ويلفتون إلى أن افتتاحيات المهرجان التي أصغينا فيها لليمني عبدالله البردوني، والفلسطينيين الراحلين محمود درويش وسميح القاسم، والسوريين ممدوح عدوان وأدونيس، واللبنانيين بول شاؤول، محمد شمس الدين، وشوقي بزيغ، والمغربي حسن نجمي، والعماني سيف الرحبي، والبحريني قاسم حداد.
ويقول ابو لبن “شكلنا لجنة من أعضاء الهيئتين الإدارية والعامة في الرابطة، واستعرضت أسماء الشعراء أعضاء الرابطة واخترنا المشاركين، وخاطبنا فروع الرابطة جميعا لترشيح شعراء من مناطقهم، ولكن لم يستجب لهذه الدعوة سوى فرعي “الزرقاء” و”السلط”، ما اضطر اللجنة لاختيار شعراء من المحافظات على أساس إعطاء فرصة المشاركة لمن لم يسبق لهم قراءة شعرهم في جرش.
على الجانب الآخر، حاولت معدة التقرير، التحدث مع شعراء، رفضوا ان يكونوا طرفا في خلافات تتعلق بالمشهد الثقافي، لكنهم اكتفوا بالحديث خارج اطار النشر، بينما سيطرت “الأنا” على شعراء فضلوا مشاركات عربية على المشاركات المحلية.
وقال أبو لبن أن الرابطة وجهت دعوات إلى 42 شاعرا و9 رؤساء جلسات، مبينا أن إدارة المهرجان، حددت عدد المشاركات من خارج الأردن بـ6، على أن تختار الرابطة المشاركين.
ويقول أبو سماقة إن إدارة المهرجان منحت البرنامج الثقافي والشعري “أولوية واهتماما كبيرين، خاصين بالمشهد الشعري، بدليل التوسع العمودي والأفقي في البرنامج الثقافي، وإتاحة مشاركات واسعة وكبيرة للمؤسسات المعنية بالشأن الثقافي في الأردن، ومنها “رابطة الكتاب التي شاركت بـ 60 شاعرا من الأردن والعالم العربي”.
واضاف إن “إدارة المهرجان منحت الرابطة الحرية المطلقة والكاملة في اختيار من تشاء من الشعراء الأردنيين والعرب في هذا البرنامج””.
وينفي ابوسماقة ما تردد في الأوساط الثقافية بأن تكون إدارة المهرجان “قيدت الرابطة بعدد المشاركين من الشعراء العرب”، لافتا الى أن الادارة تتكفل بالنفقات المالية لسبعة شعراء من خارج الأردن.
وأوضح أبو سماقة أن الرابطة أخبرت إدارة المهرجان بوجود عدد كبير من الشعراء العرب المقيمين في الأردن، ورشحت بعضهم للمشاركة، وهم من: العراق، وفلسطين، وليبيا، وسورية.
ويرى الشاعرالأردني هشام عودة المشارك دائما في مهرجان جرش أن المشهد الشعري “امتداد لدورات سابقة، كان للرابطة فيها دور أساسي من حيث التنظيم والمشاركة”.
ويعتقد عودة بأن المشاركة لهذا العام، لن تختلف كثيرا في “جوهرها وشكلها عن طبيعة المشاركات السابقة”، وقد ذهبت اللجنة المشرفة على اقتراح أسماء لشعراء، باعطاء أولوية وحصة اكبر للأردنيين، اعتمادا على الاهتمام بالمشهد الثقافي المحلي وفي مقدمته المشهد الشعري.
وحول مطالبة مثقفين بان يكون من بين المشاركين العرب، أسماء كبيرة وصاحبة تجارب شعرية مميزة، تجذب الجمهور قال عودة “إن الشعر هو الشاعر، بصرف النظر عن قصر او طول التجربة”.
وأوضح أنه “إذا كان المقصود بهذه الأمسيات الشعرية هو البحث عن النجوم كما هو الحال مع الفنانين والفرق الفنية، فهذا شأن آخر، أما إذا أردنا التعامل مع الشاعر والقصيدة معا، فليس بالضرورة أن يكون كل شاعر حقيقي هو “نجم بمصطلحات الإعلام أو الشارع الفني”.
ورأى عودة أن برنامج مشاركات عديدة سابقة في المهرجان خلت من النجوم الذين يمكن تصنيفهم على هذا النحو، مقترحا تجاوز الاحكام المسبقة على المهرجان، بل وتطويره أكان عبر مشاركات محلية أو عربية لإعطاء المشهد الشعري في جرش، قيمة مضافة واهتماما خاصا، سواء من المؤسسة الرسمية أو الجمهور معا”.
الشاعر علاء أبو عواد اعتبر إن الأسماء المشاركة في هذه الدورة لا تجذبه بسبب عدم إلمامه بتجاربهم الشعرية قائلا “لم اقرأ لهم قصائد منشورة او مطبوعة، كما أن اغلبهم في هذه الدورة من الأردنيين والعرب، أسماء مكررة”.
واتفق الكاتب رمزي الغزوي مع أبو عواد حول أهمية الاطلاع على التجربة الشعرية للشاعر، فهو من وسائل الجذب للمتلقي لحضور الأمسيات.
وقال الغزوي “أنا انتقائي في حضوري للشعر، وأفضل أن احضر أمسية شعرية لشاعر قرأت قصائده وتذوقت جماليات وفنيات قصيدته”.
ومن شعراء الأردن الذين سيشاركون في المهرجان: نايف ابوعبيد، حكمت النوايسة، زليخة ابوريشة، سعدالدين شاهين، مها العتوم، صفوان قديسات، محمد ضمرة، هشام عودة، غدير حدادين، علي البتيري، يوسف الديك، محمد العامري.
أما قائمة الشعراء العرب فستشارك السودانية روضة الحاج والفلسطيني عبدالسلام العطاري، والمصري علاء عبدالهادي، والتونسي صلاح حمادي، والبحريني إبراهيم بوهندي.
وقد أعلن عن مشاركاتهم في مؤتمر صحفي عقده رئيس اللجنة العليا للمهرجان أمين عمان عقل بلتاجي، وأبو سماقة في مستهل حزيران (يونيو) الماضي.
___
*الغد