*ترجمة: لطفية الدليمي
بوتشي إيميشيتا Buchi Emecheta : كاتبة و روائية نيجيرية تهتم في رواياتها بموضوعة الأحوال الصعبة و غير المتكافئة التي تعاني منها النساء في المجتمعات الافريقية و في المجتمعات التي يهاجرن إليها ، وتتسع اهتماماتها لتشمل : المتاجرة بأجساد النساء و الأطفال ، و الأمومة ، و استقلالية النساء و حريتهنّ من خلال الارتقاء بتعليمهن ، و قد وصفت إيميشيتا رواياتها مرّة بأنها ” روايات جميع النساء في العالم و حيثما تعرضن إلى المشكلات العالمية التي تتقدّمها الحروب والفقر و القمع ” .
ولدت بوتشي إيميشيتا في العاصمة النيجيرية لاغوس عام 1944 لأبوين من جماعة الإكبو Igbo التي تستوطن الأجزاء الجنوبية الشرقية من نايجيريا و قد ظلّت جليسة البيت في الوقت الذي كان فيه شقيقها الأصغر يواظب على حضور المدرسة طبقاً للتقاليد السائدة آنذاك لكنها نجحت في إقناع والديها بأهمية تعليمها و قضت معظم سني حياتها المبكرة في مدرسة تبشيرية تعود لطائفة الميثودست البروتستانتية حتى تزوجت و هي بعمر السادسة عشرة و انتقلت مع زوجها إلى بريطانيا عام 1962 و أصبحت أماً لخمسة أطفال بعد خمس سنوات من زواجها ، و قد تعرّضت خلال زواجها إلى الكثير من العنف الناجم عن المشاجرات لكنها كانت تجد في الكتابة الوسيلة و العلاج المناسبين في بعث الأمل و مجالدة المشقّات . حصلت إيميشيتا على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة لندن عام 1972 ثم واصلت دراستها العليا في ذات الجامعة لتحصل على الدكتوراه عام 1991 ، و قد كان للمشكلات التي واجهتها أثناء إقامتها في لندن أكبر الأثر في توفير الخلفية الثقافية و الحضارية التي اعتمدتها في كتابة معظم أعمالها و بخاصة روايتها التي تنتمي إلى نوع أدبي صار يعرف عالمياً بـ ( رواية المهجر Immigrant Novel ) . يحتوي العملان الأولان اللذان نشرتهما إيميشيتا و هما : ( في الخندق ) عام 1972 ، و ( مواطنة من الدرجة الثانية ) عام 1974 على الثيمات الأساسية التي صارت سمة لجميع أعمال إيميشيتا اللاحقة : السعي نحو المعاملة العادلة ، و الثقة بالنفس و كرامة المرأة ، تضمّنت أعمالها المتأخرة موضوعة الهجرة و المشكلات المرتبطة بها في بريطانيا . نشرت إيميشيتا أكثر من عشرين عملاً تتوزّع بين الرواية و المجاميع القصصية و البحوث نذكر منها : رواية ( ثمن العروس ) عام 1976 ، رواية ( الفتاة المستعبدة ) عام 1979 و التي نالت عنها جائزة كامبل التي تمنحها مجلة ( The New Statesman ) ، رواية ( مسرّات الأمومة) عام 1979 ، رواية ( اغتصاب شافي The Rape of Shavi ) عام 1984 . نشرت إيميشيتا سيرتها الذاتية تحت عنوان ( رأس فوق المياه ) عام 1986 كما منحت وسام الإمبراطورية البريطانية من رتبة فارس OBE عام 2005 .
هنا حوار مع الكاتبة أجراه موقع ( African Survival and Creativity ) الإلكتروني عام 2006 ، و نلمح في الحوار انغماس الكاتبة في مشكلات النساء الافريقيات و تماهيها معهن إلى حد يصلح فيه الحوار أن يعدّ مبحثاً اجتماعياً و أنثروبولوجياً فريداً في نوعه و هو الأمر الذي تتشارك فيه معظم الكاتبات الافريقيات و كاتبات العالم النامي ، ولابد من الاشارة إلى الدور المركزي للتعليم الراقي الذي أكّدت عليه الكاتبة في أكثر من فقرة في سياق حوارها ..
لطفية الدليمي
الحوار
* كيف و لماذا بدأت الكتابة ؟
– عندما سافرت إلى لندن للمرة الأولى ، وجدتني بعد وقت قليل من وصولي أماً لعدد من الأطفال الصغار ، و حين كنت أعجز عن التعامل معهم كان عليّ أن أشتكي أمري إلى أحد ما و لكن لم يكن لديّ آنذاك أيّ من الأصدقاء الأفارقة كما لم يكن متوقّعاً أن يهتم شخص بريطاني بأمري و كان الجميع على العموم يلقون باللائمة عليّ ربّما لأنني كنت امرأة و من هنا بدأت عندي فكرة الالتجاء إلى الكتابة التي أرى فيها قدرة علاجية فعّالة للكثير من المشكلات التي نعاني منها و اعتدت أن أسجّل أي شيء يكدّرني على الورق لأنني أدركت منذ البدء أن ما من أحد سيستمع لي لذا كان من الأفضل لي دوماً أن أدوّن معاناتي على الورق ،، و مع الوقت صرت أقرأ ما أدوّن على مسامع بعض الناس واقترح بعضهم عليّ أن أرسل ما دوّنته للنشر في الصحف . أذكر كيف أحرق زوجي مسوّداتي عندما أريتها له أول مرة و كان عليّ أن أعيد كتابتها ، و هكذا لم يكن متاحاً لي الكتابة بحرية إلّا بعد أن انفصلت عن زوجي ، و أذكر أنني بعد أن كتبت مسوّدة روايتي ( مواطنة من الدرجة الثانية ) أخبرتني والدتي الكثير من الحكايات عن الرق و كانت حكاياتها المادة الأساسية التي استقيت منها تفاصيل روايتي ( ثمن العروس ) ، و مع أن الرق كان قد انتهى عهده في العالم منذ وقت بعيد لكنه كان لايزال راسخا في نيجيريا و لم تكن والدتي و هي تحكي لي حكاياتها تدرك أنها كانت تحيا حياة الرقيق طيلة حياتها و أن أباها باعها إلى امرأة تعمل في تجارة الرقيق .
* في روايتك ( الفتاة المستعبدة) هناك فقرة تقولين فيها ” بعض الزيجات أسوأ بكثير من العبودية ” . هل يمكنك أن تعلّقي أكثر على هذه المسألة ؟
– كنت أعني بالتأكيد زواج والدتي ، فقد اعتاد والدي ضرب والدتي بقسوة و لم أكن احب ان أرى تلك المشاهد اليومية كما لم أكن أحب والدي رغم أنه لم يضربني أبداً باستثناء مرة واحدة فقط صفعني فيها و عندها أدركت كم أن الضرب مؤلم و مدمّر للروح . عاشت والدتي حياتها كما يفعل المستعبدون و اعتادت أن تقبل الضرب كشيء مسلّم به و لكنني على العكس منها عندما كبرت عرفت مدى سوء المعاملة التي كانت تتلقّاها النساء . أذكر كيف كانت النساء يذهبن إلى الكنيسة و يتظاهرن بأن كل شيء جيد و لم يكنّ يبدين أي تذمّر أو شكوى من القسوة التي كنّ يعاملن بها ، و أعرف أن معظم النيجيريين لن يستسيغوا هذا الكلام و لكنني أعلم ان الكثير من هذه الممارسات لا زالت تجري في نيجيريا حتى اليوم و لا زلت أرى النساء هناك واجمات و متكتّمات و عندما يغيب أزواجهن يبدأن بالبوح المؤلم عن مكنونات قلوبهن الموجوعة و لم أفهم أبداً السبب الذي يدعو بعضاً من هؤلاء النسوة إلى القبول بهذه المعاملة المهينة رغم أنهن قادرات على إعالة أنفسهن و أطفالهن من مجهوداتهن الخاصة .
* كيف وجدت في نفسك الجرأة الكافية للانفصال عن زوجك و الانغماس في عملك الكتابي ؟
– تركته ببساطة و لم يكن عليّ القبول بالعيش المهين معه فقد عثرت على عمل و كنت على درجة مقبولة من التعليم – كانت لديّ شهادة المستوى A حسب النظام التعليمي البريطاني – و كان يؤهلني للحصول على دخل مناسب يكفي للإيفاء بمتطلّبات إيجار شقّة ، فلم كان عليّ إذن البقاء معه ؟ أذكر صباح يوم أحد عندما قرّرنا الانفصال تماماً و كيف لم يسمح لي زوجي بأخذ أي شيء من محتويات شقّتنا باستثناء ملابسي التي كنت أرتديها ، و قد أجبته حينها : لن أهتم لأي شيء من هذا . منحتني الكنيسة الميثودية منحة دراسية كاملة إذ لم أكن قادرة حينها على إتمام تعليمي الجامعي بلا معونة مالية و هكذا صرت قادرة على كسر القيد الذي كبّلني به زوجي السابق ، و هنا أريد ان أقول لكل فتاة : ينبغي عليك ان تحصلي على تعليم يليق بمواهبك و إمكاناتك لأن التعليم هو طريقك إلى الحرية و ينطبق الأمر على كلّ فتاة في العالم. التعليم وحده هو ما يستطيع إخراجك من أي شكل من أشكال العبودية و منحك الحرية الكاملة . واظبت على الكتابة إلى مجلة ( نيو ستيتسمان ) و واصلت دراستي الجامعية في ذات الوقت ، و لم أدرس الكتابة في أية مؤسسة جامعية او مدرسة و أرى ان الكتّاب اليوم محظوظون لان الكثير يقرأون أعمالهم ، ففي بداية انتقالي للعيش في بريطانيا كان صعبا على المرء تصديق امكانية ان تكون المرأة كاتبة !!! لكنني تعلّمت الكثير من الإصغاء إلى الاخرين و حضور المؤتمرات و الحلقات الدراسية و النقاشية و ورشات العمل ، تعلمت من القراءة و لا زلت أقرأ الكثير حتى اليوم و غرفة نومي تعجّ بأنواع الكتب ، كما أحرص على قراءة صحيفة ( الصنداي ) اللندنية بأكملها . ثمة مسألة أريد التأكيد عليها هنا : لا أحب الطريقة الناشزة التي تعامل بها الناشرون معي فقد كانت لا تستقيم مع أدنى معايير الإنصاف و المساواة و أرى في دور النشر الحديثة ما يمكن ان يكون شكلاً من الاستعباد المعاصر للكاتب .
* تقولين في فقرة من روايتك ( مواطنة من الدرجة الثانية ) أن النيجيريين دأبوا على سؤالك “ألا تشعرين انك مواطنة من الدرجة الثانية في بريطانيا ؟ ” . كيف تعلّقين على هذه الفقرة ؟
– نعم ، كل النيجيريين وأولهم زوجي السابق واظبوا بدأب عجيب على القول بأنني مواطنة من الدرجة الثانية في بريطانيا و أن أقصى ما أرجوه من مستقبلي هو أن أمضي بقية حياتي في طيّ القمصان و رزمها في معمل القمصان بمدينة كامدن – الواقعة في ضواحي لندن – كما اعتاد ان يفعل كل أفريقي مهاجر إلى بريطانيا ، لكنني كنت أجيبهم :
” لن أقضي حياتي في توضيب القمصان بل سأحصل أولاً على شهادة المستوى الدراسي الثانوي A ” فكانوا يعقّبون : ” و حتّى لو حصلت على شهادة الدراسة الثانوية فستبقين امرأة سوداء ولن يكون متاحاً أمامك سوى العمل في توضيب القمصان و رزمها ” . استغرق الأمر منّي شهرين كاملين لإيجاد عمل بعد حصولي على الشهادة الثانوية و عندما حصلت على العمل كان معارفي النيجيريون يتطلّعون إليّ بدهشة !! و كان هذا كافيا ليوضح إلى أية درجة من الاستعباد العقلي يمكن ان يصل البشر عندما يفقدون إرادتهم و رؤيتهم .
* أية نصيحة تودّين تقديمها إلى الواعدين من الكتّاب – الأفارقة بخاصة -؟
– ثقوا بأنفسكم و احصلوا على تعليم مناسب ، و إذا ما أردتم ان تكتبوا عن فكرة ما أو منطقة ما أو حالة ما فاقرأوا الكثير عن تلك الفكرة أو المنطقة أو الحالة ، و لا تكتبوا عن شيء لا تعرفونه أو لم تقرأوا عنه باستفاضة ، فانا مثلاً كاتبة في الحقلين الاجتماعي و التاريخي و تهمّني قضايا النساء لذا لا اقحم نفسي في الكتابة عن موضوعات مثل المخدرات أو البغاء أو السحر الأسود.
____
*المدى