ماركو دينيبي*/ ترجمة: عبد الخالق مفكير
خاص ( ثقافات )
انتابت السيد إبديموس، الميلياردير وأحد أغنى الرجال في العالم رغبة جامحة في زيارة الحي الذي نشأ فيه عندما كان طفلا صغيرا، حيث كان يعمل مستخدما في مخزن.
أمر سائقه بأن يقود به السيارة إلى ذلك الحي المتواضع و النائي؛ لكن الحي تغير كثيرا حتى لم يسع السيد إبديدموس التعرف إليه. فقد غدت الأزقة الترابية شوارع مسفلتة، وعوضت المنازل الصغيرة البائسة بأبراج المباني.
وعندما لفّت السيارة زاوية الشارع رأى ذلك المخرن، المخزن القديم والمظلم حيث كان يعمل مستخدما حين كان يبلغ من العمر اثني عشر عاما فقط.
– توقّف هنا – قال لسائقه. ترجل من السيارة ودخل المخزن. كل شيء بقي على حاله كما كان في زمن طفولته: الرفوف، وعلبة تحصيل النقود العتيقة، والميزان، والحصار الأصم المفروض على البضائع.
اشتمّ السيد إبديدموس الرائحة عينها التي كان يشمّها قبل ستين سنة: تلك الرائحة الحادة، الحلوة والمرة في ذات الآن، مثل رائحة الصابون الأصفر، والنشارة الرطبة، والخل والزيتون ومحلول الفينول. لقد جعلته ذكرى الطفولة يشعر بالحنين. فاغرورقت عيناه. بدا له أن الزمن يعود به إلى الوراء.
وانبعث من العمق المعتم صوت ربّ العمل الخشن:
– هل هذا موعد القدوم إلى العمل؟ بقيت نائما، كعادتك.
حمل السيد إبديدموس سلة حطب الصفصاف، وطفق يملأها بعلب السكر، والأعشاب والشعرية، وقارورات المربّى وقنينات مسحوق القصر، وخرج ليقوم بالتوزيع.
لقد تهاطلت أمطار غزيرة ليلة أمس وغدت الأزقة الترابية موحلة.
*كاتب أرجنتيني (1922- 1998). أشهر أعماله الرواية البوليسية “روساورا في العاشرة”، التي حازت على جائزة كرافت.