فهارس بدون كمبيوتر



*د . يسري عبد الغني عبد الله


خاص ( ثقافات )
قبل اختراع الحاسبات الآلية ، وقبلها بطاقات الفهرسة التقليدية ، لم تخل مكتبة ذات شأن ، سواء كانت عامة أو خاصة أو بين العامة والخاصة ، من فهرس يرجع إليه القارئ لسهولة استعمال مجموعة الكتب الموجودة داخل المكتبة .
والفهارس في المكتبات العربية الإسلامية كانت منظمة غاية التنظيم ، فهي تشمل الكتب التي بالمكتبة مرتبة على حسب موضوعاتها ، وبجانب هذه الفهارس العامة كانت هناك ورقة خاصة ملتصقة بكل دولاب من دواليب الكتب ، وقد كتب على هذه الورقة عناوين الكتب التي يحويها ذلك الدولاب وأرقامها فيه ، بالإضافة إلى عنوان الكتاب ، ورقمه كانت الفهارس تشمل ملاحظات عن الكتب التي فقدت بعض أوراقها أو لم توجد جميع أجزائها . 1
وسوف نحاول أن نقوم معًا بجولة سريعة في بعض مكتبات العالم الإسلامي لنعرض لك ما عثرنا عليه من ذكر لهذه الفهارس التي عرفتها الحضارة العربية الإسلامية ، ونظمتها وأتقنتها منذ العهد المبكر ، ومن الواضح لنا أن الفهارس ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمكتبات الكبيرة ، ومن أجل هذا فسيشمل حديثنا عن الفهارس إيضاحًا لنقطة مهمة ألا وهي غنى المكتبات العربية الإسلامية وما حوته من ذخائر .
وأول ما نسوق من ذلك قول الشيخ الرئيس الفيلسوف / ابن سينا الذي يؤكد لنا أنه اطلع على فهارس مكتبة السامانيين في بخارا ، وقام باختيار بضعة كتب طلب أن يطلع عليها ، فأحضرت إليه في الحال .
ويحكي ابن سينا أنه رأى من الكتب ما لم يقع اسمه قط إلى كثير من الناس ، وما كان رآه من قبل ، ولا رآه أيضًا من بعد . 2
ويقول الرحالة الجغرافي / المقدسي ، في كتابه (أحسن التقاسيم) ، الذي ألفه في سنة 375 هـ = 985 ـ 986 م ، يقول وهو يواصل وصفه لمكتبة عضد الدولة في شيراز : لكل نوع من الكتب فهارس فيها عناوين الكتب . 3
والمقدسي رجل تجول في أكثر بلاد العالم على أيامه ، وشاهد الكثير من المكتبات ، وبالتالي فإنه يعرف جيدًا الفهارس وأهميتها ، ولا ننس أن المقدسي ولد في بيت المقدس المشرف عام 335 هـ = 946 ـ 947 م ، وهو حفيد بناء أشتهر ببنائه لميناء عكة الفلسطينية في عهد أحمد بن طولون ، وساح المقدسي في أكثر بلاد الإسلام شرقًا إلى السند والهند ، وغربًا إلى الأندلس ، وعول في كثير مما كتبه على مشاهداته الشخصية واستفاد أيضًا من سابقيه .
ويسجل أبو الحسن البيهقي أنه رأى بنفسه فهارس كتب الوزير الأديب / الصاحب بن عباد ، وأن تلك الفهارس كانت تقع في عشرة مجلدات كاملة . 4
وقد كانت الفهارس معروفة في بلاد العراق منذ عهد خزانة (بيت الحكمة) تلك المؤسسة العلمية الثقافية التي نهضت بالفكر والترجمة والتأليف في العصر العباسي ، وكان لها أكبر الأثر في الحضارة العربية الإسلامية ، (بيت الحكمة)الذي أسسه الخليفة العباسي / هارون الرشيد (تولى 170 هـ ـ توفي 193 هـ ) ، ونماه وطوره ابنه الخليفة العباسي / المأمون أو الفتى الذهبي للحضارة العربية الإسلامية (تولى 198 هـ ـ توفي 218 هـ ) .
يقول الحسن بن سهل : قال لي المأمون العباسي يومًا : أي كتب العجم أشرف ؟ فذكرت كثيرًا منها ، ثم قلت : جاويذان خرد (يتيمة السلطان) يا أمير المؤمنين ، فدعا المأمون بفهرست كتبه وجعل يقلبه ، فلم ير لهذا الكتاب ذكرًا ، فقال : كيف يسقط ذكر هذا الكتاب من الفهرست ؟! . 5
وكان لمكتبة المدرسة النظامية ببغداد فهرس شامل دقيق ، رآه العلامة / ابن الجوزي ، المتوفى سنة 597 هـ ، وهو يقول عنه : ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية ، فإذ به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد . 6
ولما فرغ الخليفة العباسي / المستنصر بالله المنصور أبو جعفر (تولى الحكم 623 هـ ـ توفي 640 هـ ، وهو الخليفة رقم 36 ـ أي قبل الأخير ـ في سلسلة الخلفاء العباسيين في بغداد ) من بناء مدرسته نقل إليها من الربعات الشريفة والكتب النفيسة المحتوية على العلوم الدينية والأدبية ما حمله مائة وستون حمالاً ، وجعلت في خزانة الكتب .
ويروى أن الخليفة / المنتصر تقدم إلى الشيخ / عبد العزيز شيخ رباط الحريم بالحضور إلى المدرسة ، وطلب منه إثبات الكتب واعتبارها .
وإثبات الكتب يقصد بها هنا كتابة عناوينها في ثبت أو سجل ، واعتبارها أي فحصها للتأكد من صحة عددها ، ومن سلامة أوراقها ، أو لإثبات حالها ، ومثل الاعتبار لفظ (الجرد) وهو لفظ مولد يكثر استخدامه في الوقت الحاضر . 
ويقال أن الخليفة / المستنصر بالله طلب من ابن الشيخ / عبد العزيز ، ويدعى / العدل ضياء الدين أحمد ، الذي كان يعمل خازنًا بخزانة كتب الخليفة في داره أيضًا (أي في مكتبة الخليفة الخاصة) ، فحضر واعتبرها ، ورتبها أحسن ترتيب ، مفصلاً لفنونها كي يسهل تناولها ، ولا يتعب مناولها . 7
وأما في مصر فيبدو أنه لم يكن هناك في بادئ الأمر فهرس عام لمكتبة الفاطميين العظيمة التي كانت تشغل أكثر من أربعين حجرة ، بل كان يكتفى بقائمة خاصة لكل حجرة ، وتشمل القائمة عناوين الكتب الموجودة بالحجرة ، وأرقامها ، وتلصق قائمة لكل حجرة على بابها . 8
ولكن الوزير / أبا القاسم الجرجاني وجد أن مكتبة كهذه لابد لها من فهرست عام ، فأصدر في سنة 425 هـ أمره بذلك ، وعين لهذه المهمة القاضي / أبا عبد الله القضاعي ، وأبا خلف الوراق . 9
وفي أسبانيا أو الأندلس العربية كان لمكتبة الخليفة الأندلسي / الحاكم المستنصر فهارس غاية في الدقة والنظام ، وهي تدل على أن المكتبة تزخر لمجموعة عظيمة من الكتب ، فقد روى المقري : أن الفهرست الخاص بدواوين الشعراء وحدها كان يقع في أربعة وأربعين جزءًا . 10 
والفهارس في المكتبات الأندلسية لها حديث وحديث نأمل في مواصلته إن كان في العمر بقية .
الأسانيد والهوامش 

– 1Islamic Culture 111 1929 . p . 229 
2 – Barthold .W:Turkestan Down to The Mongol Invasion pp . 9-10
وكذلك : ابن أبي أصيبعة ، عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، نشرة أوجست موللر ، 1884 م ، 2 / 4 
3 – المقدسي ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، مطبعة برايل ، ليدن الهولندية ، 1906 م ، ص 449 
4 – ياقوت الحموي ، معجم الأدباء ، نشرة مرجليوث ، لندن ، بدون تاريخ ، 2 / 315 
5 – محمد كرد علي ، رسائل البلغاء ، القاهرة ، 1946 م ، ص ص 479 ـ 480 
6 – عبد الرحمن بن الجوزي ، صيد الخاطر ، ضبط وتحقيق الشيخ / محمد الغزالي ، دار الكتب الإسلامية ، القاهرة ، 1988 م ، ص ص 366 ـ 367 
7 – ابن القوطي ، الحوادث الجامعة ، بغداد ، 1351 هـ ، ص 54 .
8 – المقريزي ، الخطط ، القاهرة ، 1170 هـ ، 1 / 409 
9 – القفطي ، إخبار العلماء بأخبار الحكماء ، ليبسك ، 1320 هـ ، ص 410 
10 – المقري ، نفح الطيب ، القاهرة ، 1289 هـ ، 1 / 186 
_______
*باحث وخبير في التراث الثقافي

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *