سينما «الدجاج».. غلبة السذاجة في السينما العربية


*عبدالله الساورة


الكتابة عن بعض الأفلام العربية كالكتابة بالسكاكين، وسكاكين الكتابة تكون حادة مع أفلام تصنع التفاهة وتساهم في الابتذال والفهم المبسط للأشياء مشفوعة بسخرية فجة.
ورغم ما قيل وكتب عن الجنرال أوغستو بينوشيه فإنه كان يردد دائما «أنا كاثوليكي، رسولي، روماني ولست ساذجا»، يتعلق الأمر بالسذاجة والغباء في السينما.
أشكال من العناوين تطالعنا في السينما العربية مؤخرا آخرها الفيلم المغربي «الفروج « (الديك) 2016، فيلم بسيط في حكايته ومغزاه، عن ديك موضوع في قفص فوق السطح، تعمل جارة مجاورة للمنزل على خروجه والقبض عليه من طرف عون سلطة يجعل منه عشاء شهيا. من هنا تنطلق الحكاية مع الجار الفرنسي المجاور الذي يزعجه صياح الديك ويدخل صاحب الديك والمقيم الفرنسي إلى ردهات المحاكم، وما يتخلل تلك المحاكمة من سخرية وكلمات تتطاير. سخرية بالقضاء العربي الذي يقدم الجناة كأبطال في نهاية المطاف.
هذه الحكاية، حكاية صياح وزعيق مزدوج: صياح فيلم يصدح بعدم تماسك قصته وبالأجواء التي يرسمها منذ اللقطة الأولى في الفيلم حتى النهاية التي يحمل فيها المقيم الفرنسي ديكا آخر عنوانا عن التسامح. ومن جانب آخر صياح الكاميرا وخلفها المخرج الذي لم يأت بجديد أو بإبداع أو نظرة مغايرة.. ما الرسالة الأساسية لفيلم «الفروج»؟
لا يشك اثنان في موجة الأفلام العربية ذات الأبعاد الكوميدية التي تتحفنا بها الشاشات العربية بسخريتها من المواطن عوض سخريتها من السلطة. الفيلم الكوميدي هو جنس سينمائي متأصل في السينما العالمية، يراد به مناقشة موضوع شائك والتحلل من سلطة الرقابة وتقديم عمل ساخر ينتقد الأوضاع بطريقة تجعل المشاهد يساير الفيلم ليخلص بالمغزى الحقيقي من حكاية الفيلم وطريقة الإخراج والإبداع فيها. هذا الجنس السينمائي الذي انتشر مؤخرا في العالم العربي وأصبح نموذجا يتحدث عنه الكثيرون في صناعة فرجة جماهيرية عنوانها الرئيسي، فك الغمة عن الأمة المكلومة بوابل الحروب وشظايا التسلط والتجبر والاستبداد، وغياب فكر الاختلاف والديمقراطية. ولكن الغاية الكبرى تحقيق مزيد من الأرباح وخلق سينما تجارية تافهة لا تراعي الحس الفكاهي ومضمونه وتنغمس في دوي من الضحكات التي لا تنتهي لتمسى في نهاية المطاف فيلما مدفوعا من ضرائب المواطنين. 
فيلم «الفروج» فيلم يستعمل الدارجة المغربية، حيث تكثر التأويلات والمفردات والتهكم ولكنه فيلم بلا روح، بلا خلفيات سياسية أو ثقافية، جسد معلق في كليشيات ومتواليات مونوتونية بحكاية مفككة لاتجد أبعادا لها أو مستويات متعددة للفرجة. 
تناول الديك كشخصية فيلمية ومحورية في السينما العالمية يحضر بقوة، خصوصا في إنتاجات دول أمريكا اللاتينية المشهورة بصراع الديكة وبخلفيات سياسية ونفسية وثقافية، وما يجلب هذا الصراع من فرجة ومن متابعات مالية يتحصل عليها الديك الفائز وصاحبه في نهاية المطاف. كذلك يحضر «خم الديكة» في السينما المصرية فوق سطوح المباني كناية عن الحالة المزرية للمواطن المصري وكنوع من الاقتصاد التي تعمد عليه العائلات الفقيرة. كما لا ننسى أن ريش الديك رمز لحضارة الهنود الحمر ووضعها الرجل الهندي الأحمر فوق رأسه كناية عن اعتزازه بهذه الحضارة… ومن أشهر الأفلام التي تناولت شخصية الديك كشخصية محورية الفيلم المكسيكي الشهير «الديك الذهبي» (1969) وهو دراما قروية عمن يستطيع أن يحوز هذا الديك الذهبي. نجد كذلك فيلم «الديك الملون» من إخراج غوميز مورييل، ثم فيلم «الديك» من إخراج خوان فرندييز، ثم فيلم «دورة الديك» للمخرج لويس أغويار… ومن الإنتاجات السينمائية الجديدة فيلم «الديك الفانتاستيكي» (2015/ 125 دقيقة) من إخراج البرتغالي ميغيل غوميز المستوحى من قصة ألف ليلة وليلة.
هذه الإنتاجات السينمائية التي أخذت فيها المكسيك النصيب الأعظم لارتباط الديك بالحياة الاجتماعية والشعبية وبالفرجة الجماهيرية بشكل لعبة جماهيرية لها عشاقها ومتابعوها في هذه البلاد وكذلك كتب عنها العديد من القصص والروايات، لها علاقة بحياة الفرد في علاقته بالجماعة وبالديك كموروث تاريخي. هذه الإنتاجات السينمائية لم تتعامل مع الديك كمجرد حيوان أليف يربى من أجل الذبح والأكل، ولكنه أداة للمنافسة والصداقة تنتهي بحزن صاحب الديك كلما ألمت به الهزيمة، أو تم قتله من الطرف المنافس.
بالعودة لفيلم «الفروج» لعبدالله فركوس فإن الديك يحضر إما محمولا من السوق، أو مذبوحا كوجبة شهية لرجل السلطة أو محبوسا عليه في قفص وترديد كلمة «الديك» لأكثر من مئة مرة، سواء داخل بيت بطل الفيلم أو داخل أروقة المحكمة. أي سينما نريد أن نقدمها للمشاهد العربي؟ سينما الديوك المنفوشة والمتطاير ريشها بوابل من الضحك المزعوم، من دون أي رسالة ومن دون أي أفق أو هدف سوى ملء سللوييد بياض الشاشة بهذا الزعيق الذي لا ينتهي.
الاحتفاء بهذا الفيلم وعرضه في القناة الثانية المغربية هو احتفاء بالمغلوب على أمرهم وتقديم وجبة مشتهاة لديك سينمائي لا يشبه إلا صاحبه وأبطاله. في إطار صناعة التفاهة والبهرجة في العالم العربي وتقديمها للمواطن العربي كصناعة قابلة للهضم والنسيان بسرعة نجد أنفسنا أمام هذه التفاهات المسماة سينما التي لا تتساءل ولا تقدم إجابات ولكنها سطحية تعري سذاجة القائمين عليها ومن يقدمها لهذا المواطن المغلوب على أمره. في كل القهقهات التي صاحبت الفيلم هناك سؤال جوهري من يستفيد من هذا الركام من الإنتاجات السينمائية والدرامية الغبية التي تزيد من مؤشرات الغباوة في عالمنا العربي؟ 
السلطة تنظر بعين الرضى إلى هذه الأفلام وتدعمها وتقدمها في ترسانتها الأيديولوجية على أنها «السينما البديلة « و»الدراما البديلة» التي ينتظرها المتلقي العربي بمزيد من الشوق مصبوغة بطعم النكتة التي لا تتضمن أي معنى وتقدم أفكارا نمطية مسطحة عن مجموعة من ظواهر الفقر والعوز، بدل تقديم سينما تنتقد الأوضاع المعيشية المزرية والسياسات الثقافية التي تستغل سذاجة المواطن لتعمق درجات الغباء. كم من سينما في العالم العربي شبيهة بسينما الفروج في المغرب والسبكي في مصر… غاياتها الأولى والأخيرة أن تقدم أطباقا من السذاجة والغباء بتعبير المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي.
________
*القدس العربي

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *