الواقعية الساحرة في الأدب الغربي (1)



*معتز محسن عزت


خاص ( ثقافات )



إن مصطلح الواقعية الساحرة المتداول في الأدب الغربي بألسنته المختلفة يعود جذوره إلى (حكايات ألف ليلة و ليلة) و (كليلة و دمنة) حيث مزج الواقع بالخيال من أجل خلق مبتكر جديد يشعر عبر البيان بديمومة الحياة حتى يكون للأدب نصيب من الخلق والإبداع كسائر المجالات.
إذا نظرنا إلى البدايات لتلك الواقعية المبهرة فتختلف الأزمنة التاريخية في بداياتها ما بين القرنين التاسع عشر و العشرين فإذا ذهبنا إلى الدانمارك سنجد أن أندرسون الكاتب الكبير صاحب عالم الطفل المبهر بحكاياته الشيقة (عقلة الإصبع – البطة الحزينة – الحذاء الأحمر – عروسة البحر – جندي الصفيح – ملكة الثلج – قصة أم – الراعي) وغيرها من الحكايات الساحرة أرادت أن تمزج بين الواقع والخيال حتى نرى جيلاً يتسم بالتجدد والابتكار حول الاستعداد لمستجدات الأمور من مصطلحات جديدة و دخائل متنوعة في الحياة.
في أوائل القرن العشرين كلفت مملكة السويد الكاتبة الكبيرة سلمى لاجرلوف التي فازت بنوبل في العام 1909 كأول امرأة تفوز بها في الآداب و ثالث امرأة بوجه عام على مستوى جوائز نوبل بكتابة قصص مبهرة للأطفال تعلمهم عبر الحكي البديع و الخيال المستنير تاريخ و معالم السويد من خلال رواية (حكايات نيلز العجيب) هذا الفتى الشقي المشاكس الذي يخالف تعاليم أبيه و أمه ويهرب من حضور قداسات الكنيسة و يؤذي حيوانات حظيرتهم ليجد العقاب يلهث وراءه ليصغر حجمه تمامًا ومن خلال هذه المأساة يقوم نيلز بالطواف عبر الحيوانات والطيور المختلفة حول السويد و الدول التابعة لها كالنرويج التي كانت تتبعها قبل الاستقلال سنة 1905 و يقوم بحكي كل قطعة من الوطن مع ربطها بالأحداث التاريخية لخلق جيلاً ملم بأركان بلاده وحوادثه المختلفة.
من خلال تلك الحكايات الجميلة أصبحت سلمى لاجرلوف أيقونة الأدب السويدي بوجه خاص والإسكندنافي بوجه عام لنرى شخوص تلك الحكايات تؤخذ كأيقونات على القطارات والطائرات كنوع من الترويج للسويد بمعالمها المختلفة حتى و لو من وحي الخيال كما حدث في إنجلترا عبر حكايات هاري بوتر الخيالية التي تنتمي لنفس العالم و إذ بالمملكة المتحدة تجعله أيقونة الدورة الأولمبية في العام 2012 علاوة على حوار فيلم (إنه الحب) لعام 2003 على لسان النجم (هيوج جرانت) في دور رئيس وزراء بريطانيا وهو في حوار صحفي مع الرئيس الأمريكي عن تبعية المملكة لأمريكا فقال:
إن بريطانيا لها جذور ثقافية وحضارية قبل أن توجد أمريكا فيكفينا فخرًا امتلاكنا لشكسبير ، شين كونري و هاري بوتر.
ظل عالم الواقعية السحرية مغريًا للجميع لكن عُرف أكثر بشكل عالمي عبر كتاب أمريكا اللاتينية من خلال (جابرييل جارسيا ماركيز – باولو كويلهو – إيزابيل ألليندي – بابلو نيرودا – جابرييلا ميسترال – أوكتافيو باز – دي يوسا) و ذلك لتأثر كتاب أمريكا اللاتينية بألف ليلة وليلة كما صرح العديد من كتابهم ووضح هذا التأثر لجابرييل جارسيا ماركيز في روايته الشهيرة التي كتبها سنة 1989 بعنوان (الجنرال في متاهة) عن مأساة محرر أمريكا اللاتينية و جورج واشنطون أمريكا الجنوبية (سيمون بوليفار) أيقونة التحرر اللاتيني بدءا من فنزوييلا و انتهاءً بجواتيمالا و تبدأ الرواية بنظام زمن الاسترجاع و هو على متن السفينة التي أقلته لمنفاه الاختياري بأسبانيا بعد فشل مشروعه التحرري رغم النجاح الأولي له و شعوره بالغدر و الخيانة و هو ينظر للأمواج المتلاطمة التي تهدأ و تزأر عبر تتبعات سيرته الذاتية بين ثنايا الرواية حيث ترجمة الأمواج لتلاطم حياته ما بين الصعود و الهبوط في صورة رائعة تعبر عن سحر الواقع المحلق في عنان السماء.

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *