*محيي الدين كانون *
خاص ( ثقافات )
قُبيل أن تصفّر الريح ، قبل إطلالة الربيع بيوم أو يومين ، رفرف العصفور في الصّباح الباكر حول حقل السنابل المترامي الأطراف ، حلّق وطاف في دوائر فوق لون السنابل البهيج ، وإثناء دورته الأخيرة ، لاحظ بعينيه الصغيرتين سنبلة صغيرة ناشبة في الرٌكن القصي ، لاحظ بتمعن ثم بتمعن أكثر ، وهى تتمايل فرحة بالحياة على أوتار النسمات القادمة من البحر ، سألها مستنكرا :
– أراك فرحة ؟!
تمايلت السٌنبلة طربا ، واتّجهت إلى مصدر الصوت قائلة باستبشار :
– أحب الحياة .
حرّك العصفور رأسه باتّجاه السنبلة فيما اهتزّ لسانه الصغير في جوف منقاره وهو يقول :
– أخشى عليك من شدّة الطرب أن تقلعك الريح الشمالية .
ابتسمت السنبلة ، ولم تهتم لقوله المليء بالسخرية ، وقالت بحب وثقة :
– استخدم الريح لأرقص لا لأنكسر .
تعجب العصفور قائلا :
– وكيْف ؟!
لدىّ نقطة ارتكاز أستند عليها ، كلما ولّولّت الريح ، وهجمت العواصف .
– إنك حكيمة .
– لا … أنا أحب الحياة فقط .
اندهش العصفور أكثر ، وأطرف جفنيه الصغيرين ، كأنه يريد أن يستدرك شيئا فاته ، فقال بسخرية لاذعة :
– وهل حب الحياة يحميك من منْجل الحصاد ؟!
ابتسمت السنبلة قائلة :
– وكيف تحمي نفسك من بطش حجارة مصوبة إليك أو بندقية صياد ماهر التصويب ؟
– أحمي نفسي بقوة جناحي .
ضحكت السنبلة من غروره الفاضح ، وقالت في هدوء :
– وإذا لم يقوى جناحاك على الطيران ضد هذه المخاطر .
التفت العصفور يمينا يسارا ، يستجلي مرمى قولها الأخير ، وتذكّر أنه مجرد حوار عابر مع سنبلة كسول متكئة على حافة قصيّة من حقل السنابل ، ثم طرأ له أن يباغتها برد حاسم :
– أفضل الموت في حالة لا تقو جناحاي على الطيران .
فردت السنبلة بأسى :
– خسارة ….إنك لا تحب الحياة .
___________
* كاتب وأديب من ليبيا .