كتابة بلا ذاكرة


*شريفة بدري


خاص ( ثقافات )
أيها الليل ماذا لقرطاج كنت سأكتب
قبل ازدحامك بالغائبين 
والرؤى الشائكات؟
أكنت سأنكأ ما قاله آمر الجند في قرطبه
قبل أن يخرج الموت من تحته:
“رب..إنيَ لا سقف للبيت غيري
ولي إخوة
كبروا في صقيع الرصيف.”؟
أكنت سأحصي حضاراتنا البائدات
وجحافلهم تسرق الشمس والياسمين؟
أكنت سأقنع هذي الخطى المتعبات 
وقد حفظتها دروب الرمال 
بأن الفراديس يسكنها الفقراء؟
..مثقل بالبكاء المساء
وباللاجئين
يسحق البحر فرصتهم في النجاة
أيها اللاجئون
أكنت سأكتب عن أمتي
قبل أن تصبح الأرض مختصرا للجحيم
ومتكئا للفناء..؟
أم سأجمع ما ستوشوشه
للقرى الدارسات الخطاطيف
بعد انتهاء الحروب؟
تعبت..
ولا نجمة في السماء
لأسألها عن أبي
واقفا عند بوابة المفردات
يمجد كل الذين 
كتبوا بالنزيف
وبالدمع والشهقات..
أيها الليل ماذا لقرطاج كنت سأكتب
قبل انتصافك في قريتي الصامته
وأنا في شرود قديم
أطوَف في السقف بالنظرات
وأعبر نحو الثلاثين قبرة واجفه
دونما رغبة في العبور
وبلا تهنئات؟
مشرع للمشانق قلبي وللذكريات..
هذه الطفلة الآن ماذا تريد
بعينين دامعتين
ووجه معذب؟؟
وماذا يريدون مني
بقايا الرفاق
صائدو الزقزقات
حاملوا شفرة الغدر
والراقصون على ظمأ في الوريد؟
..جف الكلام
كفكفي الدمع
ليس يليق بنا الحزن
يا زهرة العطرشاء
قريبا ستلقي المجرات أشياءها عند بابي
سيأتي أبي بعد حين
ستمسح طلعته 
دمعة الطفلة الخائفه
سأحدثه عن قطيع الذئاب
وعن صولة العاصفه
وسريعا..سريعا 
سأهدأ في حضنه وأنام.
إنها تمطر الآن
هل يسمع الله شكوى الذين
بلا ضفة للوصول
في سعير البروق؟
نازحون إلى بقعة الضوء إنا
وحيدون جدا..
لنفتح إذن أيها الغرباء 
نوافذنا النائيات
على الافتراض..
لنقل مثلا للذين
يموتون في زهرة العمر
أو للجنوب السقيم
للعويل المثابر في بردى:
“هجرتنا السماء
ولا شيء في الأفق 
غير التوعد والادعاء”
يخاتلني الوقت يا إخوتي 
وأبي لم يعد بعد
ناموا..
فلا ليل يكفي لأكتب ما أرتئيه
وماذا سأصنع بالشعر؟
هل يطفئ الشعر جمر الخيانات
هل يبرئ الجرحَ
يتمَ العبارات؟
ماذا لقرطاج كنت سأكتب
والمدائن نامت 
على طلقات الرصاص
وعلى الكفر بالأنبياء
وبالشعراء؟؟
_______
*شاعرة من تونس

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *