*ناهد خزام
لعل الجلوس أمام التلفزيون لمشاهدة مسلسل واحد من المسلسلات التي تعرضها القنوات العربية من المحيط إلى الخليج في شهر ذروة المتابعة الدرامية قد يتجاوز الساعة، إذا ما أضفنا الإعلانات التجارية لوقت المسلسل، فيصبح لدينا عدد من الساعات يمثل أضعاف ساعات اليوم.
ومن هناك يصبح المشاهد في حاجة إلى ساعات إضافية تتجاوز ساعات اليوم كي يستطيع متابعة كل هذا الكم من الدراما التلفزيونية، ليس هذا ما يحدث بالطبع، فلا يستطيع أي منّا متابعة كل هذا الكم من المسلسلات خلال شهر واحد، غير أن الأمر يبدو مربكا ومشتتا للانتباه، في ظل أجواء اللهاث خلف الدراما التلفزيونية والذي أصبح سمة رئيسية لشهر رمضان.
وقد يمثل هذا الكم الهائل من المسلسلات المعروضة هذا العام رقما قياسيا لم تصل إليه الدراما العربية من قبل. فهل هناك رابحون من وراء هذا السباق؟ ومن هم هؤلاء الرابحون؟ وهل يعد المشاهد الذي تتوجه إليه هذه الدراما من بين هؤلاء الرابحين؟
الرابح الأكبر من هذا السباق هو الحكومات العربية، فبما أن المواطن العربي يقضي يومه بين المعاناة نهارا نتيجة الامتناع عن الطعام والشراب، وبين الجلوس متخما أمام التلفزيون ليلا لمشاهدة المسلسلات، فلن تشغله الأحداث الجارية كثيرا، لن يتمرد أو يخرج في تظاهرات، لن ينشغل بالحديث سوى عن فلان الذي قتل جاره في المسلسل الفلاني، أو عن ملابس النجمة التي لا تظهر علامات الزمن على ملامحها.
ستُختلق الحوارات والسجالات عن العلاقات المشينة التي يناقشها ذلك المسلسل والتي لا تليق أبدا بالشهر الكريم، أمام كل هذا يبدو هذا التوقيت فرصة سانحة أحيانا أمام الحكومات لتمرير القرارات الصعبة، فلن يشغل المواطن باله بالأسعار التي ترتفع إلى الضعف، أو يلتفت إلى القوانين التي تمرر للحد من حريته.
الأنظمة والممثلون
ستريح الحكومات نفسها وتحصل على قسط من الراحة يستطيع خلاله الوزراء والمسؤولون قضاء وقت مع أسرهم دون منغصات، وقد يقضون وقتهم هذا في متابعة ما يعرض من مسلسلات وبرامج التسلية، أو حتى يستمتعون ببرامج “التوك شو” وهي خالية من السياسة ووجع الدماغ.
شهر رمضان يمثل فرصة ذهبية للمعلنين لتجديد الارتباط بعين وقلب وحافظة نقود المشاهد أيضا، فالمشاهد في هذا الشهر يتحول إلى فريسة سهلة وجاهزة لهؤلاء المعلنين، لذا ستجد نفسك عزيزي المشاهد وسط مباراة حامية وشرسة من أجل لفت انتباهك. فهناك العشرات من الإعلانات التي تتكلف الملايين والتي يتفنن أصحابها في نوعيات الإبهار البصرية والسمعية بهدف الترويج لسلع ومنتجات، أغلبها يمثل رفاهية لشريحة واسعة من المواطنين.
تبدو هذه الإعلانات التجارية في بعض الأحيان جزءا من الدراما التلفزيونية التي تعرض في شهر رمضان، فبعد أن كان انقطاع المسلسل بسبب الفواصل الإعلانية لا يزيد عن مرتين أو ثلاثة، أصبحنا اليوم أمام حالة نادرة ومستفزة، ربما تتفرد بها القنوات التلفزيونية العربية وحدها، فالفواصل الإعلانية قد تزيد عن ست أو سبع مرات، بمساحة زمنية تفوق وقت المسلسل أحيانا.
وتمثل التغطية الإعلامية الاستثنائية والنسبة العالية للمشاهدة في شهر رمضان فرصة ذهبية أمام العديد من المواهب الشابة والصاعدة لإظهار قدراتهم، وعادة ما يحمل كل موسم بزوغ عدد من المواهب الشابة والتي تشق طريقها في ما بعد فتصبح عنصرا رئيسيا في الدراما التلفزيونية أو السينما.
أما عن النجوم فتمثل الدراما الرمضانية فرصة لهم من أجل “تلميع” أنفسهم من جديد، ليس هذا فقط، بل والحصول على نصيب من كعكة الأجور النارية التي تصيب المشاهد بالذهول عند سماعها.
ولا يقتصر الأمر على الدراما وحدها، فالكثير من المعلنين يستعينون بهؤلاء النجوم أنفسهم في إعلاناتهم، فنجم الدراما مستفيد في كلا الحالتين.. ويمكن أن تقول إنها أرزاق يوزعها المولى.
الحديث عن الدراما التلفزيونية يوفر على مذيعي “التوك شو” جهد البحث عن مواد مثيرة للجدل يستطيع من خلالها اختلاق المعارك والنقاشات الساخنة على الهواء، وعادة ما يرتدي هذا المذيع أو غيره مسوح الوعاظ والمتطهرين، فيجهد نفسه في البحث -متقمصا دور الرقيب الأخلاقي- عن السقطات اللفظية أو السلوكية في المسلسلات مادة للنقاش هنا، والتي ستكون بالضرورة أكثر سخونة وجذبا للمشاهدة هناك.
فهي لن تخرج في الغالب عن ملابس الممثلات أو زينتهن التي تتسم بالمبالغة، كما أن الأكتاف العارية و”التنانير” المرفوعة غالبا ما تثير شهوة الأحاديث الاستعراضية عن الأخلاق والقيم والعادات عند الضيف، حتى لو كان هذا الضيف معروفا بلسانه الزالف وألفاظه المقذعة وأخلاقياته غير السوية.
المقاهي والصحف
غالبا ما تزدهر المقاهي في مدننا العربية في شهر رمضان، فساعات الإغلاق خلال فترة الصوم تعوضها هذه المقاهي ليلا، فتفتح معظم المقاهي أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل.
خلال هذه الساعات تكون الدراما التلفزيونية هي القاسم المشترك بين أغلب هذه المقاهي، فعادة ما تتوزع داخل المقهى عدة شاشات لعرض المسلسلات الرمضانية وبرامج المقالب، حتى لا يفوت المشاهد الذي يقضي وقته خارج البيت في تلك اللحظة فرصة متابعة الأحداث أو التندر على مواقع التواصل حول المقلب الذي وقعت فيه النجمة أو النجم الفلاني بسهولة في أحد برامج المقالب.
وتفرد معظم الصحف والمجلات العربية مساحة إضافية من صفحاتها لتغطية الدراما التلفزيونية في شهر رمضان، وهي فرصة من الاستفادة المزدوجة بين الصحافي والنجم على كل حال، فالنجم لا يتوقف عن إجراء الحوارات وإصدار التصريحات طوال هذا الشهر، ويتردد اسمه وتُتداول صوره بين العشرات من الصحف العربية من المحيط إلى الخليج.
وقد تتفاوت هذه الحوارات أحيانا بين التفاهة والرصانة، لكنها تصب في النهاية في صالح النجم المتألق والمحبوب دائما من قبل جمهوره، وتسعى أغلب الصحف والمجلات إلى زيادة توزيعها اعتمادا على هذه الحوارات والتصريحات الساخنة لهؤلاء النجوم، والتي تتصدر عادة واجهة الصحيفة أو غلاف المجلة.
وفي مقابل كل هؤلاء المستفيدين، هل هناك خاسرون من هذه الدراما؟ ربما يبدو المشاهد هنا هو أكثر الخاسرين من هذه الدراما التلفزيونية.
___
*العرب