محيي الدين كانون *
خاص ( ثقافات )
كان  منهكا من مطالب البيت ، لا يرجو أن  تسير حياته مثل السنوات  الهاربة ، حاول أن ينبه زوجته  بعصبية ألاّ تحدثه عن هموم المطالب في وقت القيلولة أو في الصباح الباكر ، لكن المطالب  أحيانا حادّة لا تعرف الوقت المناسب ، خاصة عندما يكون حليب وعد كالعسل الوحيد الذي يرضي حيويتها  ويستدرجها إلى نوم هانئ  ، كان يحس بقلقها كأنه كابوس  تزيده كلمات الزوجة تبكيت وشعور بالذنب ، فما أقسى أن تشعر بذنب نحو آخرين وهم يلاطفونك بصفاء وردي ، لأنهم يحبونك فقط ، لكن عندما  تسلط نظراتهم المسربة بالانتظار ونفاذ الصبر ، فإنك تترك لهم المكان، وليدحرجوا أعينهم على الحائط . لذلك قرر أن يخرج ويتمشى مرتجلا على الأرصفة اليومية المزعجة ، وقد تأكدت لديه فكرة فنجان من شاي ( ليبتون ) مع الليمون  عندها تحسس في جيبه خشخشة دينارا يتيما .  حسنا  …الجرعة الأولى كانت طيبة المذاق ، أما الجرعة الثانية فقد استلطفته خلالها عائلة عراقية جالسة  في المقابل ، زوج وزوجة وبنتان كالشهد من الجنة لا يدري حتى هذه اللحظة نبع الاستلطاف الجارف نحوهما ، وداعة وطيبة ، ودماثة ، حار هو نفسه كيف تسكنهم  جميعا وسط  طوفان الحرب  اللعينة  ، والفزع  إلى اللاّمكان ، كانت دوائر  السيجارة الثانية  تتمطى كقطة شيرازية تبحث  عن دفء في يوم شتوي قارس ، بينما كانت العيون العراقية تستمع إلى نداءاته  مع ابنته وعد ، ومع مطالب الزوجة ، كأن قناة أثيرية  مفتوحة ربطت بين القلوب في لغة واضحة مرسلة بأمواج  شفافة من بحر عيون عراقية ، خجل من نفسه ، برقت ابتسامة  كفلق الفجر من وجه برتقالي مشعشع بالنور اخترمته الابتسامة دسها في نفسه  للمرة الثانية ، طواها بين جوانحه  ، وتسمرّ  بعدها في مكانه فلم يود العودة أبدا إلى البيت .
_____________
* كاتب وأديب  من ليبيا
					
									
ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!