اللقاء المستحيل بين السوسنة والسنونو


محيي الدين كانون *


خاص ( ثقافات )
طار السنونو فوق سفح الوادي قليلا …
أبصر نبتة السوسنة البيضاء تطل من عليائها الجميل ..
قال في نفسه…
– ” ما أجملها من سوسنة في عليائها المترف…! “
ثم أقترب منها قليلا واقفا وسألها في لهفة …
– أيمكن أن تعقد العصافير صداقات مع غيرها من الكائنات …؟!
خافت السوسنة أن ينقلب سؤاله إلى أفعى ..
فأندست حول نفسها…
وأنتفض السنونو ينفش ريشاته متكورا هنا وهناك …
سألها …
– أيمكن أن يكون للحياة طعم النجوى واللقاءات المتناغمة بين الكائنات المختلفة التي خلقها الله ..؟!
أشاحت السوسنة بعنقها جهة المشرق …
وقالت في نفسها …إنه يراوغ ويمهد لشىء آخر …
– مالي ومال هذا السنونو الفضولي …؟!
تسائل ليلفتها من جديد متوثبا :
– أنا أحب أشجار النخيل … وعراجينها الذهبية…
وأحب النجوم المتلألئة في السماء الصافية..
وأحب السلاحف الحكيمة … 
كما أحب جميع الكائنات الطيبة التي تسعى لحياتها دون أن تعتدي على حياة الآخرين…
تمايلت وأنثنت على نفسها أكثر .. وقالت في نفسها :
– إنه فضولي أكثر من اللزوم …! ويسأل أكثر من اللزوم ..!
***
انتفخ وتكور السنونو المسكين صار مثل الكرة المستديرة …
ثم التفت نحوها منتفضا جسده بكامل ريشاته يمنة ويسرة ، ويقول لها بأسى معتذرا …
إنه يشعر اليوم حزينا ومتوعكا وظله ثقيل ! 
ثم فجأة دون استئذان طار نحو الأفق البعيد …
ندمت السوسنة بعد ساعات من قسوتها الصامتة عليه ..
وأخذت تعيد “أسئلة السنونو من جديد” وهي ترقب سفح الوادي المخضوضر الجميل …
زاد وجع حسرتها أنها تملك جوابه ..
يا ليتها جاوبته …أسئلته كانت دائما مشغلتها..
فهي تحب العراجين الصفراء المعلقة كالجذائل على رءووس النخيل …وتحب النجوم المتلألئة في سماء الليالي المقمرة من شهر يوليو الجميل…
أما منظر السلحفاة النادر وهي تمشي الهوينا عند سفح الوادي السحيق … يجعلها تنتشي بقدوم الربيع …
كانت تنظر هذا المظاهر الجميلة الخلابة من علياء قمة الوادي الشاهق….
كانت تتمنى أن تسعى إليها كل الكائنات في القمة وتعقد معها عربون اللقاء بالتواد والمحبة دون قيد أو شرط .. ..
لأنها للأسف كنبات السوسنة ليس في مقدورها أن تبرح مكانها أبدا …. 
عوضا عن ذلكًً … الأخبار هي التي تجيئها…
***
مر يوم … مر يومان …السوسنة تنتظر أن يأذن الأفق بقدوم السنونو …من جديد .
وفي الفجر عندما داعب الندى الدبق ألسنة السوسنة أرتعشت أطرافها بالكامل …
حينها مرق سنونو صغير مليء حيوية وحبور …
نادته بصوت عال …
فأقترب …
قالت له …
– أأنت صاحب أسئلة “موسيقا الكائنات” ؟!
قال لا… ذاك أبي ..!!
– أين هو أباك ..لم أعد أراه ..؟!
تدحرجت من عينيه دمعتين …
وقال : 
بالأمس خرج منذ الصباح …تشاجر مع أمي بسبب من أسئلة ” موسيقا الكائنات ” و أجوبتها …
كعادته لم يغلظ القول…
لكنه اغمى عليه فجأة … 
وفارق الحياة مبتسما ….وهو يقول :
– سوف يجيبني الله علي أسئلتي هو خالق الكائنات 
وخالق موسيقاها….
ترنحت السوسنة وتمايلت على جنبها الأيمن ..
أندهش منهاالسنونو محدقا بعينيه الصغيرتين المستديرتين على كاهل كيانها المرضوض قائلا :
– ” أنت تشبهين أبي ..!! ” …
فجأة ودعها و طار … دون أن يستأذنها ودون أن يلتفت إليها .. …. 
طار إلى نفس الأفق المعلق في السماء الفسيحة … 
أفق أبيه ..
__________
* كاتب وأديب من ليبيا .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *