*سارة محمد
يغوص مسلسل “أفراح القبة” في العالم النفسي لنجيب محفوظ الذي اعتاد فيه على تشريح شخصيات رواياته نفسيا واجتماعيا وسياسيا، حيث تتمحور القصة حول أربع شخصيات رئيسية هي طارق رمضان، عباس كرم يونس ووالده كرم وحليمة الكبش.
مع ذلك، وكعادة الدراما نجد أنفسنا بصدد سرد أكبر لشخصيات هامشية، وخلق شخصيات أخرى غير موجودة في الرواية الأصلية، فضلا عن تبادل أدوار للشخصية الفاعلة للأحداث بهذا العمل.
وبينما كان عباس يونس هو بطل الرواية الأصلية، يبدو الأمر مختلفا في المسلسل الذي يسير نحو تعظيم شخصية تحية التي تلعب دورها النجمة منى زكي، لتكون محركا أساسيا وفاعلا بالأحداث.
تحية تنطوي كما يصورها المسلسل، الذي بدأ عرضه على الكثير من الشاشات العربية مع بداية رمضان الحالي، على مجموعة من الأسرار والحكايات في علاقاتها مع والدها وشقيقاتها، وهي شخصيات لم يكن لها وجود في الرواية، وتظهر في الحلقات المقبلة.
أحداث مغايرة
الأحداث تدور في عالم المسرح، وتبدأ منه، حيث يطالعنا المشهد الأول في المسلسل والسطور الأولى من الرواية بحديث جماعي بين مدير المسرح سرحان الهلالي الشخصية التي يجسدها النجم السوري جمال سليمان، وأعضاء الفرقة، وهم الممثل المغمور طارق رمضان ويجسد دوره الفنان الأردني إياد نصار، ونجمة الفرقة درية وتقدم دورها الأردنية صبا مبارك، والناقد فؤاد شلبي، والمخرج سالم العجرودي.
يتشاور هؤلاء عن مسرحية “أفراح القبة” التي تعد العمل الأول لكاتبها عباس يونس، وتفضح أحداثها جميع الشخوص بداية من والدي المؤلف اللذين قاما بتحويل منزلهما إلى وكر للدعارة، مرورا بعلاقة طارق رمضان بتحية حبيبته التي يتزوجها في النهاية، ثم تتوفى نتيجة مرضها ويلحق بها طفلهما طاهر.
كاتبة السيناريو نشوى زايد أرادت أن تضع أجواء مشوقة للأحداث حتى تضفي طابعا بوليسيا عليها، فرغم أن تحية تتوفى نتيجة إصابتها بمرض التيفويد، لكن في المسرحية المكتوبة ضمن أحداث المسلسل جعل عباس البطل وهو الزوج قاتلها.
داخل أحداث المسلسل نجد أن المؤلف الذي حصل على وظيفة الملقن بديلا لوالده لم يرد ذكرا عن مرض زوجته، ويتخيل مشهد قتله لزوجته خلال تلقين أبطال العرض ما يفتح بعد ذلك التساؤلات حول فكرة وفاة تحية في النهاية التي اختارها المؤلف لقصته. ويقف المسلسل كذلك أمام شخصية درية، التي أفرد لها مساحة كبيرة يتضح فيها الصراع بينها وبين تحية، إضافة إلى خوفها من كشف ماضيها الذي ربما يحمل الكثير من الألغاز، الأمر الذي نستنتجه من خلال تدبيرها لحادث سير لمدير المسرح من أجل عدم خروج المسرحية إلى النور.
عنوان خادع
“أفراح القبة” عنوان خادع في حقيقته من وجهة نظر كاتب الرواية الحقيقي نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1988، والمؤلف الواعد عباس يونس، فكما عودنا الأديب الكبير على انعكاس الرؤية المجتمعية على أبطال رواياته يقدم هنا التأزم النفسي الذي يلاحق الشخصيات.
أبرز ملامح التأزم هو الانهيار الأخلاقي الذي لاحق المجتمع المصري خلال هذه الفترة التي زادت فيها حاجة الفرد إلى المال، ما جعله يتخلى عن قوامه الأخلاقي من أجل الحصول على المادة، وطالما أصبح المجتمع يبحث عن المادة فإن انهيار ثقافته وفنونه نكبة تلحق به.
هذه الأمور تنعكس على السرد الذي جاء على لسان عباس يونس، فقد أعطى اسم “أفراح القبة” في إشارة إلى الأفراح التي تبارك الصراع الأخلاقي، مرورا بحالة الترابط الأسري التي صاحبت والديْ عباس في البداية، ثم حاجتهما للمادة التي دفعتهما إلى تحويل منزلهما الخاص إلى وكر للدعارة.
وهو ما ينعكس أيضا على الإفلاس الفكري الذي صاحب عباس بعد كتابة المسرحية المدينة أخلاقيا لعائلته والشخصيات المحيطة بها، وكأن الأفكار الفنية في ذلك الوقت توقفت عند الحديث عن مثل هذه الأمور الأخلاقية.
المخرج المصري محمد ياسين صاحب “الكادرات” العميقة التي تلازمها الإضاءة الساحرة لمساعدة المشاهد على العيش داخل الشخصيات، فالصورة لدى المخرج لم تكن مجرد “كادرات” منتظمة، لكنها حالة تعكس رؤى وأفكار القصص والأحداث المطروحة والأجواء التي تدور في فلكها.
الراحة التي ظهر عليها أبطال العمل يمكن إعادة الفضل فيها للمخرج، خاصة أن “أفراح القبة” العمل الثالث الذي يجمعه مع إياد نصار بعد مسلسلي “الجماعة” و”موجة حارة”، وهو العمل الثاني له مع منى زكي، حيث سبق وقدما معا فيلم “دم الغزال”.
ويحسب للمخرج نجاحه في إعادة النجمة المصرية منى زكي إلى الشاشة التلفزيونية متألقة من جديد بعد أن أخفق مسلسل “آسيا” الذي قدمته قبل ثلاث سنوات. وتأتي القيمة التي يكتسبها المسلسل من تجسيده لأحد أعمال الأديب الراحل نجيب محفوظ واقترابه الشديد من دواخل الشخصية المصرية.
_________
*العرب