كريشنامورتي: فهم الحياة أهم من الشهادات


*مدني قصري


يتساءل المفكر الهندي العالمي جدو كريشنامورتي ما إذا كنا سألنا أنفسنا في أي وقت مضى عن معنى التعليم “لماذا تذهب إلى المدرسة، لماذا ندرس مختلف المواضيع، لماذا نجتاز الامتحانات، لماذا نتنافس على أفضل الدرجات؟ ما الذي يعنيه هذا التعليم، وما هي رهاناته؟ هذه مسألة حاسمة، ليس فقط بالنسبة للطلاب، ولكن أيضا بالنسبة للآباء والأمهات، والمعلمين، وجميع الذين يحبون هذه الأرض التي نعيش فيها”.
فهم الوجود الكلي
وفي رأي كريشنامورتي أن فهو الوجود هو وظيفة التعليم “لماذا نُخضع أنفسنا لهذه التجربة التي نسميها التعليم؟ هل فقط لنحصل على شهادة ووظيفة؟ أليست وظيفة التعليم أن تهيئنا، ما دمنا صغارًا، لفهم عملية الوجود الكلي؟ لا شك أن الحصول على وظيفة، وكسب لقمة العيش، ضرورة، ولكن أليس هناك أشياء أخرى؟”

لغز كبير
ويتابع المفكر الهندي أن “الحياة ليست مجرد وظيفة، أو مهنة، فالحياة شيء غير عادي، لغز كبير، واسع وعميق، مملكة واسعة نعمل في داخلها كبشر. فإذا لم نهيئ أنفسنا فيها إلا لتأمين معيشتنا نكون قد انحرفنا عن معنى الحياة. “فهم الحياة أهم بكثير من الامتحانات والتفوق في الرياضيات والفيزياء وما إلى ذلك”.
الحياة صراع
وفي ذات السياق يتساءل “سواء كنا طلابًا أو معلمين أليس من المهم أن نسأل أنفسنا لماذا نتعلم ولماذا نُعلم؟ وما هو معنى الحياة؟ أليست الحياة أكثر من كل ذلك بكثير؟ الطيور والزهور والأشجار المشرقة، والسماء، والنجوم، والأنهار والأسماك التي تعيش في مياهها، كل هذه هي الحياة.
الحياة هم الفقراء والأغنياء، الحياة هي الصراع الدائم الدائر بين الجماعات، وبين الأجناس وبين الأمم. الحياة هي التأمل، أو ما يسمى بالدين، ولكن الحياة أيضا العقل وأسراره الخفية – الغيرة، والولع، والطموحات، والمشاعر والمخاوف، والإنجازات والقلق والاكتئاب. الحياة هي كل هذا، وأكثر من هذا.
حيز ضيق
ويؤكد كريشنامورتي أننا بذلك لا نحتل سوى حيز ضيق، أو زاوية في هذه الحياة. “نحصل على بعض الشهادات، ونجد وظيفة، ونتزوج، وننجب أطفالا، ونصبح نوعًا من الآلة. ونبقى في الخوف والقلق، خائفين من الحياة.
وفي هذا الصدد يتساءل “هل ميزة التعليم الفريدة هي تهيئتنا للاستجابة لميول محددة، والحصول على أفضل وضعية ممكنة، أم لسماعدتنا على فهم آفاق الحياة؟
ضجر وغباء
من البديهي أنه ما من معنى للتعليم إلا إذا كان يساعدنا على فهم هذه الآفاق الواسعة من الحياة، مع كل خفاياها وجمالها غير العادي، وأفراحها وأتراحها. “سوف تحصلون على الشهادات، ودرجات التميز التي ستسجل على بطاقاتكم الخاصة، وعلى وضعيات ممتازة، ولكن مذا بعد ذلك؟ ما الفائدة من كل هذا إذا كان عقلك على مر الأيام يصبح باهتًا، وضجِرًا، وغبيًا؟”
ويضيف “أليس من واجبك، طالما أنك لا تزال شابًا، أن تكتشف ما هي الحياة؟ أليس الدور الحقيقي للتعليم هو أن ننمي في أنفسنا الذكاء الذي سيحاول إيجاد الأجوبة على كل هذه المشاكل؟ ولكن هل تعرف ما هو الذكاء؟”
الحرية ذكاء
ويقول المفكر الهندي إن الذكاء بالتأكيد هو القدرة على التفكير بحرية، دون خوف، ودون تحيز، بحيث يمكنك البدء في اكتشاف ما هو واقع وحقيقة، بنفسك. “ولكن إذا كنت خائفا، فلن تكون ذكيا أبدا. فأي شكل من أشكال الطموح، أيا كان، روحيا أو ماديا، يولد القلق والخوف. فالطموح لا يساعد على ظهور العقل الصافي، البسيطـ المباشرة، والذكي إذن.”
الخوف يسكننا
وفي رأي المفكر أنه من الأهمية بمكان أن نعيش سنوات الشباب في بيئة حيث الخوف غائب تماما. “فمع التقدم في العمر يزداد خوفنا.. نخاف من الحياة، والبطالة، والتقاليد، ونخشى الجيران، ونخشى أفكار الشريك (الزوج أو الزوجة)، ونخشى الموت…
ويؤكد أن الخوف، بشكل أو بآخر، يسكن معظمنا. “والحال أنه حيثما وُجد خوف لا مكان للذكاء. أليس حريا بنا أن نعيش في بيئة خالية من الخوف، في جو من الحرية، والحرية لا تعني أن تتصرف كما تشاء، ولكن أن تفهم سيرورة الحياة برمتها”.
التمرد
ويؤكد أن الحياة جميلة رغم الداء والأعداء، من دون أي صلة بما فعلناه بها، وما فعلناه فظيع. “لا يمكنك أن تقدر ثراءها وعمقها، وجمالها غير العادي إلا إذا كنت متمردا ضد كل شيء، ضد المفاهيم الدينية المنظمة، وضد التقليد، وضد هذا المجتمع الفاسد اليوم، حتى تكتشف نفسك بفسك، ككائن بشري، ما هو صحيح.

ثورة دائمة
ويقول “لا تقلد، ولكن اكتشف، هذا هو التعليم، أليس كذلك؟ فمن السهل جدا أن تمتثل لأوامر المجتمع، ووالديك أو معلميك. فهذا نمط وجودي خال من المخاطر والمشاكل، ولكن هذا ليس الحياة، لأنه نمط يحمل في طياته بذور الخوف، والانحطاط والموت.
“الحياة تعني أن تكتشف الحقيقة بنفسك، وهذا لن يتحقق إلا مع الحرية، و عندما يكون هناك في داخلك، في أعماق أعماقك، ثورة دائمة.
قوالب
هل دور التعليم هو ببساطة مساعدتك على الامتثال لقوالب هذا النظام الاجتماعي الفاسد، أم خلافا لذلك، هو إعطاؤك فرصة الوصول إلى الحرية، الحرية الكاملة في أن تنمو عمرًا وحكمة، وأن تخلق مجتمعا مختلفا، عالما جديدا؟ هذه الحرية نريدها، ليس في وقت قادم، ولكن الآن، وإلا فإننا جميعا معرضون لخطر الإبادة.
السعادة تَحرر من السلطة
كريشنامورتي الذي ينتقد أصولية الأديان والطوائف، ما انفك يكرر أن السعادة لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق رفض كل أنواع السلطة. وهذا هو معنى المحاضرات العديدة التي أعطاها على مدى عقود من الزمن في جميع أنحاء العالم.
_____
*إرم.نيوز

شاهد أيضاً

العولمة بين الهيمنة والفشل

(ثقافات) العولمة بين الهيمنة والفشل قراءة في كتاب “ايديولوجية العولمة، دراسة في آليات السيطرة الرأسمالية” لصاجبه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *