ناصر خليل
خاص ( ثقافات )
أولت الدراسات السيميائية اهتماما بالغا بالنصوص الموازية المحيطة بالنص “العتبات ” والنصوص الموازية هي كل العناصر المحيطة بالكتاب حال صدوره إن كانت متصلة اتصالاً مباشراً بالنص كالعنوان والغلاف أو كانت تربطها بالكتاب علاقة خارجية ما كاستجوابات صحفية وشهادات واعترافات، أي هي “مجموع النصوص التي تحيط بمتن الكتاب من جميع جوانبه: حواش وهوامش وعناوين رئيسة وأخرى فرعية وفهارس ومقدمات وخاتمة وغيرها من بيانات النشر المعروفة التي تشكل في الوقت ذاته نظاما إشاريا ومعرفيا لا يقل أهمية عن المتن الذي يخفره أو يحيط به، بل إنّه يلعب دورا هاما في نوعية القراءة وتوجيهها”(1).
أدرك السيميائيون أن العتبات النصية هي الوسيط في عملية التفاوض بين ضلعي عملية الإبداع المؤلف والقارئ، لذا وجب أن يكون هذا الوسيط لبقاً، حصيفاً، مدركاً، واعياً، مرناً حتى تنجح تلك العملية، لأن فشلها قد يحدث ضرراً جسيماً بنص جيد.
العنوان من أهم النصوص الموازية للنص إذ أنه أول ما يصافح بصر وسمع المتلقي، هو المفتاح الذي ستُفتح به مغاليق النص “العنوان مفتاح أساسي يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها ” (2).
مع تطور حركة النقد الأدبي الحديث ظهر علم جديد، له أصوله ونظرياته ومناهجه وأعلامه “علم العناوين ” (La Titrologie) الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم: جيرار جنيتG.GENETTE وهنري مترانH.METTERAND ولوسيان ﮔولدمانL.GOLDMANN وشارل ﮔريفلCH.GRIVEL وروجر روفرROGER ROFER وليوهويكLEO HOEK.
لم يعد العنوان مجرد عابر هامشي لا في عملية التأليف ولا في عملية التلقي، يقول هاو سر (M. Housser) ” قبل النص هناك العنوان، وبعد النص يبقى العنوان “، فالعنوان “… مجموعة من العلامات اللسانية من كلمات وجمل وحتى نصوص فتظهر علي رأس النص لتدل عليه وتعينه، تشير لمحتواه الكلي وتجذب جمهوره المستهدف…”(3).
في رواية “صك الغفران ” لإيهاب مصطفي ستحاول هذه الورقة الإجابة عن بعض التساؤلات وكما يقول أرسطو “إن على من يرغبون في الوصول إلى الحقيقة أن يسألوا الأسئلة الصحيحة أولاً.”، ما هي البُنى التي يتكون منها العنوان؟ ما دلالته؟ ما هي وظائفه؟ وما هي علاقته بالنصوص الموازية الأخرى؟
* بنية العنوان
1- بُنية العنوان اللغوية:-
العنوان علامة، إشارة تواصلية له وجود مادي يتمثل في صياغته ونحته من مفردات لغة الكاتب أو لغة الكتاب، اللغة كما عرفها العرب الأقدمون– مازال هذا التعريف سائدا حتى الآن – بأنها أصوات يعبر بها الناس عن أغراضهم، لو أرهفنا السمع عند سماع “صك الغفران ” في بنيته الصوتية لظهرت الحروف المكونة لها مثل:-
“الصاد ” مخرجه من طرف اللسان وفويق الثنايا العليا وهو مهموس رخو” (4)، يتصدر كلمة “صك ” في نوع من الهمس في تضرع إلى القدير أو من بيده الأمر أن يمن على الشخصية الرئيسة في الرواية “عبد الله ” بالعفو والانعتاق من حالته الفريدة في هذا الكون ” أنا وحيد في هذا العالم، أنا الشقي والمتعب والمعذّب، حالة خاصة ربما لا ينجبها العالم كل عصر كامل، وربما لا ينجبها على الإطلاق، حالة لا تمر مرور الكرام بغير قلق من المفترض أن يقلق نومي، ويبعثر راحتي على كفوف التعب، “ماتيلدا” أختي وليست أختي، و”ماريه” أمي وليست أمي، معي أخ وحيد شقيق، وهو مسافر إلى ليبيا كعادته، ومعي خطيبتي التي تعذبني أكثر من الجميع، كل شيء في العالم يحتمل الوجهين بالنسبة لي، أنا أحيا لكنى لا أحيا كباقي الناس، مجرد مواقف تشكلت لتمنحني تعاسة مجانية وأبدية، وشقاء أراه في عيون من حولي”(5).
“الكاف ” صوت قاطع وحاسم في نهاية الكلمة، حصولك على الصك يمنحك ميزات لم تكن لك من قبل.
“الغين ” أول حرف في كلمة غفران بعد إهمال “أل ” التعريف، يقول علماء الصوتيات في اللغة العربية أنه حرف يدل على الظلمة والاستتار وكأنها محاولة للحجب وإسدال الستار على واقع الشخصية الرئيسية في الرواية “عبد الله ” البائس ليس بدافعية ذاتية من داخله ولكن بقوة قاهرة تمنحه صكا للغفران فيولد من جديد في عالم أخر محجوب عن الدنيا المتعبة.
“الراء ” يمنح الكلمة قوة واستمرارا وهي غاية الطالب في أن يلح في طلبه ويكرره
ويتحنث فيه.
“الألف ” مازال وسيظل كما سمته العرب “ألفا” كمنطوق صوتي ممدود في هذه الكلمة يحاول أن يخلق نوعا ما من الألفة بين الإنسان المقهور الذي يحكي عنه النص وواقعه الجديد بعد أن يتسلم صك غفرانه ويلج عالما جديدا بانعتاقه من جسده الفاني في نهاية النص بعد أن طعنه زوج أخته ماتليدا وصفي بالسكين وسقط على الأرض
” ورأيت السماء تلونت بالأبيض الناصع، وأبى هناك، نعم هو أبى، وأشرت، وقلت أبى يا “ماتيلدا”، وكان بجواره أناس كثيرون بأردية بيضاء ناصعة ويرفرفون بأجنحة بديعة، وأمامه كانت أمي “ماريه”، أمي ماريه يا “ماتيلدا”، و”ماتيلدا” تبكى بقوة وتسقط الحمم على وجهي، أمي “ماريه” أيضا من حولها بنات كثيرات بنفس الأردية البيضاء الناصعة، إنهم هناك يا حبيبتي، نظرت “ماتيلدا” إلى السماء وعادت حبلى بالدمع، فتح أبى ذراعيه وفتحت أمي ذراعيها ورأيتني أنسل من جسدي الصغير وأصير أبيضا مثلهم تماما، نزلوا واقتربوا منى، لا لم يقتربوا، أنا الذي كنت أصعد إليهم، وكان آخر ما رأيته وجه “ماتيلدا”.” (الرواية ص 168).
“ن” هو نصف الدائرة والنقطة في منتصفها تقاوم جاذبية القاع المغلق وتحاول التحرر والهروب من خلال الجزء الأعلى المفتوح على عوالم وسماوات، عبد الله هو هذه النقطة المشدودة دائما إلى قاع نصف دائرته/ المسلم من أب مسلم وأم مسلمة “وجيدة “، المسيحي بالرضاع من أمه “ماريه “، أخوه الشقيق المسلم “سليم”، أخته من الرضاع المسيحية “ماتليدا “، حالة البين بين، رغم تصالحه هو مع نفسه إلا أن كل مصائبه جلبها له الآخر المتعصب الجاهل.
حققت البنية اللغوية/الصوتية للعنوان خروجا من الواقع المادي البائس محاولة فتح أفاق جديدة لسمو روحاني ونور وهداية وتجاوز المطهر وولادة جديدة في عالم منبت عن سابقه.
2- البنية الصرفية للعنوان
كلمة ” صك ” نكرة تفيد العموم والشمول أي أنه متاح لأي طالب يطلبه، “الصك ” اسم يدل على تعامل ما يتم بين طرفين أو أطراف متعددة.
“الغفران ” هي مصدر للفعل “غفر ” والمصدر يعمل عمل الفعل، على وزن فعلان ويدل على الاضطراب ليس في حال الشخصية الرئيسية وحسب ولكن مع جميع الشخوص في رحلة بحثها عن السلام النفسي في فضاء ما بعد الغفران.
“صك الغفران ” جملة مجتزئة وإن جاز التعبير “شبه جملة ” تتماهى وتتطابق مع حال “عبد الله” فهو شبه إنسان لا هو مسلم ولا هو مسيحي يرفضه الجميع وينكره، في منولوجه بعد أن رفض الجميع أن يعمل لديهم وبعد أن تبرأ منه أخوه سليم واقتسم البيت معه وبعد أن هدده وصفي بتصفية الحساب قريبا وبعد أن فسخت نورا ابنة عمه خطبته وتزوجت أخاه بحجة أنه مسيحي عمدته ماريه ” إلى أين المسير يا “عبد الله”؟ كل بطن تلفظك كطعام مسموم، إلى أين وأنت مشردا ما بين أخ مسلم وأخت مسيحية وعالم لا يعترف بك؟، خلقت وحيدا وعشت وحيدا، وحين فتحت الفرحة ذراعيها باتجاه الأم والأخت، أغلقتها عليك باتجاه الأخ والحبيبة، ما الذي يجرى في هذا العالم؟، ولماذا لا يكونون مثلى؟، ولماذا لا يحبونني مثلما أحبهم؟، ولماذا يحدث لي ما يحدث من أقرب الناس لقلبي؟، رفعت طرفي باتجاه السماء، لا أعرف لماذا، كنت أود مخاطبة الله في عليائه…” (الرواية ص 118).
3- البنية النحوية للعنوان:
“صك الغفران ” مضاف ومضاف إليه، المضاف “صك ” يحدد دلالة المضاف إليه ” الغفران ” ويرتبط به جوهريا برابط من نوع خاص ربط المادي بالمعنوي مما يعطي اتساع في دلالة العنوان ويجسد هذا التقابل في العنوان والصراع بين جوهري الحياة المادة والروح وصراع عبد الله مع محيطه الذي لم يختر وجوده فيه ” جسدي مسيحي وعقلي مسلم، وفكري يقول أن العالم يسع العالم، وأن الله محبة والله أحن من الوالدة على ولدها، والله غفور وحليم وسلام، ربما كنت حالة فريدة بدت كنتوء في جسم النجع، وربما لا تجد أحدا يشبهني لا في معاناتي ولا في سلامي النفسي الذي يريحني تماما، ويمدني بقدرة كبيرة على الاحتمال، قدرة لا أعتقد أنني اكتسبتها لأنني تعلمت ذلك بصفة ما، هي هبة إلهية نبتت في داخلي كبذرة، وأنا رويتها حتى تعاظمت وصارت تملأ نفسي بالطمأنينة”(الرواية ص 31)
4- البنية الدلالية للعنوان:
إن أول دلالة سيميائية للعنوان هي دلالة إحالية ترد في ذهن المتلقي هي شيوع هذا المفهوم في وقت ما في الديانة المسيحية وفق المعتقد الكاثوليكي ” (Indulgence) بحسب المعتقدات الدينية الكاثوليكية هي الإعفاء الكامل أو الجزئي من العقاب الدنيوي على الخطايا التي تم الصفح عنها. يتم منح الإندولجنتيا من الكنيسة بعد أن يعترف الشخص الآثم بخطاياه ويتوب عنها.”(6)
“صك الغفران ” نوع من علاج عذاب المطهر في الكتاب المقدس، إذن هي علاقة ثلاثية بين طالب الغفران، مانحه، والطرف الثالث الطريق بين فضاءين ما قبل وما بعد الغفران، عبد الله يطلب صكا للغفران ليس صكا بمعناه الديني إنما منطلقا لمفهوم أعم وأشمل المفهوم الإنساني، هذا الإنسان الذي يبتغي انعتاقا وتطهرا من ذنب – ليس هو من اقترفه – وجوده في عالم منكر ورافض له، ظهر هذا في منولوجاته المتعددة في النص وأعمقها المنولوج الذي يلخص ألمه وتشظيه/ منولوج “إلى أين المسير يا عبد الله… ” وأشرنا إليه في اقتباس سابق.
“الصك ” كلمة عربية معناه ورقة مالية تعطي حقا لحاملها، فهل لو أعطي عبد الله هذا الصك سيمنحه الحق في أن يعيش بسلام في محيطه ومع النقيضين عقائديا وفكريا.
من خلال النص يتبين أن عبد الله ظل طويلا يبحث عن مانح للصك لكن دون جدوى ويأتي المنح بطرقة مأساوية، بفنائه جسديا وتخلصه من ماديته في نهاية النص بمقتله على يد زوج أخته ماتليدا “وصفي “.
* وظائف العنوان
وظائف العنوان كما حددها جيرار جينيت ” الوظيفة التعيينية/التسموية، الوظيفة الإغرائية/التحريضية، الوظيفة الوصفية، الوظيفة الدلالية الضمنية المصاحبة ” (7)
1- الوظيفة التعيينية/ التسموية:
“صك الغفران ” عنوان الرواية له وجود مادي سابح في فضاء غلاف الرواية، يحدد هوية الكتاب ويسميه، لا يخلوا أي عمل من عنوان، هي وظيفة تشترك فيها
“الأسامي أجمع وتصبح بمقتضاها مجرد ملفوظات تفرق بين المؤلفات والأعمال الفنية”(8)، هي وظيفة أساسية لأي عنوان.
2- الوظيفة الوصفية/ اللغة الواصفة:
وهي وظيفة برجماتية، يريد الكاتب منها إحداث أكبر ردة فعل لدي المتلقي، والكاتب هنا جعل عنوانه غامضا ملغزا ومشفرا ولم يكن واضحا مما قد يثير الكثير من التساؤلات، هذه الوظيفة هي ” المسئولة عن الانتقادات الموجهة للعنوان، والصادرة عن عدد لا بأس به من المبدعين والمنظّرين، الذين أبدوا دوماً انزعاجهم أمام التأثير الذي يمارسه العنوان عند تلقي النّص بفعل خاصيته التثقيفية الموجهة إلى القارئ”(9).
3- الوظيفة الإغرائية/ التحريضية:
يمتلك العنوان بمفرداته المعدودة قوة جمالية للحكم علي النص والشروع فيه من عدمه وهل نجح في عملية جذب وإغواء القارئ أم فشل في ذلك؛ فعلى الكاتب أن يحكم بنية العنوان اللغوية والمجازية فـ”…بنية العنوان دائما ما تمتلك القدرة علي الحكم الجمالي علي النص، إذ تشبه القطرة التي تلخص كل صفات المحيط، والشجرة التي تختزن جميع صفات الغابة…”(10)
مهمة إشهارية إغرائية لعنوان “صك الغفران ” وهي ليست بمهمة سهلة على أي كتاب، هي عملية مخاض عسير حتى يولد العنوان تتويجا لعملية الانتهاء من النص، فالمبدع ” عليه أن يعطي فكرة تامة قدر الإمكان عن محتوى المؤلف، مصرا مع ذلك على إثارة فضول القارئ الآخر عن طريق التأليف المدهش للحروف والمهارة في وضع الأسطر، عليه أن يوفّر لعين القارئ نظرة منتظمة بلا رتابة… يكتسب شكل هذه الصفحة دوماً أهمية كبرى عن طريق التأثير الذي يمارسه على جمهور القّراء… والذين لا يبتاعون الكتب إلاّ لكي يشبعوا نَهَمَ أعينهم، أو الذين يخضعون لإغراء العنوان”(11).
4- الوظيفة الدلالية/ الضمنية المصاحبة:
تبقى الوظيفة الدلالية المصاحبة هي الأقرب والأكثر التصاقا بأي عمل إبداعي من الوظائف أخرى التي يغلب عليها الطابع البراجماتي لأنها تمد المتلقي بحمولة فكرية وتفتح الأبواب على مصراعيها للعملية التأويلية والتفسيرية للنص، تلك العملية التي تضمن ديمومة وحيوية النص وسر بقاءه، العنوان هنا ” إشارة مختزلة ذات بعد إشاري سيميائي. وهو بما هو إشارة سيميائية، يؤسس لفضاء نصي واسع، قد يفجر ما كان هاجعاً أو ساكناً في وعي المتلقي أو لاوعيه من حمولة ثقافية أو فكرية يبدأ المتلقي معها فوراً عملية التأويل” (12).
إن المتأمل في “عنوان رواية “صك الغفران ” يجد أنه يفجر دلالات سيميائية كامنة في لا وعي المتلقي، هل البحث والحفر عميقا داخل النص هو بحث عن غفران سماوي رباني لذنب أرضي بشري أم أنه يتعداه إلى ما وراء ذلك وهم ما يتضح جليا بالتوغل في النص، البحث هنا عن صك للغفران من ذنب موغل في القدم فأدم لم يختر خلقه هكذا ولم يختر تلك العداوة التي بادئه بها إبليس كما الحال مع عبد الله فهو لم يختر وجوده في نجع قصي ولا أمه الخمسينية ولا أباه الفقير ولا أخاه الجاحد الأناني ولم يختر كونه مسلما بالميلاد ولا مسيحيا بالتربية، إن صراع عبد الله هو صراع أيديولوجي في المقام الأول ” هناك قوانين غير مكتوبة يمشى الكل تحت رايتها، البنات لهن عادات لا يمكنهن الحياد عنها، هي أمور متوارثة لا يمكن التفكير فيها، الرجال أيضا يرضخون تحت سطوة العادة والتقليد، حتى وإن كنت تؤمن بأن حريتك مكفولة لقناعتك ورؤيتك فسيظل إيمانك حبيس جدران صدرك، وعند التطبيق الفعلي لما تؤمن به سترضخ لرأى التقليد، هي أمور خُلِقنا عليها ولا يمكننا أن نتجاهلها…” (الرواية ص 41)
الصراعات الجانبية التي تفرزها الرواية هي نتاج طبيعي لهذا الصراع الأيديولوجي فالإنسان هو مرآة لأفكاره ومعتقداته في الحياة.
من الصعب تصنيف العلاقة بين العنوان والنص وحصرها في إطار واحد لأنه يتبع حصر العلاقة إلى سلسلة من الدلالات الخاطئة فهنا الرؤية متسعة رغم ضيق العبارة، وليست العلاقة ” مرتبطة كما في التصور التقليدي باختزال النص بل يمكن أن تكون العلاقة بين العنوان ونصه تقابلية أو انزياحية أو لا تكون بالضرورة ائتلافية ” (13)
* علاقة العنوان بالنصوص الموازية الأخرى:
لن تتناول الورقة كل النصوص الموازية الأخرى وستكتفي بنموذج واحد الغلاف.
جاء العنوان السابح في فضاء لوحة الغلاف في جزأين خلاف الأجزاء الثلاثة المكونة للعنوان حسب جينيت (العنوان الرئيس، التعيين الجنسي، العناوين الفرعية) وخلا الكتاب من العناوين الفرعية واكتفى المؤلف بالتقسيم الرقمي.
الغلاف بشقيه البصري المتمثل في لوحة الغلاف واللغوي المتمثل في المفردات والجمل اللغوية ذو دلالة سيميائية؛ الشخص الواقف -المعطي ظهره للجميع-فوق أرض جرداء متشققة لا حياة فوقها ولا معالم فيها لأي شيء يهتدي به، قد يكون من جففها وبدد معالمها ذلك التعصب الجاهل والإصرار على إلغاء الآخر لا لشيء سوى أنه آخر.
في الأفق دوائر بيضاء غير منتظمة تعكس حيرة وقلقا، في منتصف تلك المتاهة يأتي العنوان بخط أسود كبير “صك الغفران ” كغاية لا تدرك أو لن تدرك إلا باجتياز المتاهة والأمل في اجتيازها وحده متخليا عن الجميع وراء ظهره في محاولة للتخلص من سبب شقاءه لعله يصل غايته “… فتصميم الغلاف لم يعد حلية شكلية بقدر ما هو يدخل في تضاريس النص بل أحياناً يكون هو المؤشر الدال على الأبعاد الإيحائية للنص.”(14)
في أعلى يمين الصفحة جنس العمل الأدبي “رواية ” يضع مسارا أدبيا للمتلقي هكذا عنوان، في أعلى منتصف الصفحة اسم المؤلف تأكيداً للحضور وللذات المنجزة وتحقيقها للوظائف المنوط بها ذكر الاسم وهي تحقيق الملكية للكاتب فهذا المنجز المعنون تحت الاسم هو بصمة فكرية للمؤلف.
سيظل العنوان يمدنا بما نحتاجه قبل قراءة النص من رسم تصورات وتخييل ما هو قادم في غياهب النص، وسيرشدنا في مسالك النص ويحدد معالم الطريق، سيثبت أقدامنا لكنه سيترك أبصارنا وأسماعنا وعقولنا تجول في فضاءات لا نهائية من عالم ممتع وجميل، وسيبقى بعد القراءة يذكرنا بقطعة أدبية مؤثرة.
الهوامش:
(1)عبد الرزاق بلال، مدخل إلى عتبات النص، دراسة في مقدمات النقد العربي القديم، إفريقيا الشرق 2000، الدار البيضاء، بيروت، 2000ص 23.
(2) محمد مفتاح، دينامية النص، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1،1990، ص 72
(3) Loe Hoek, La marquee du titre, dispositifs semiotique d une
(4) معجم المعاني الجامع والوسيط، تم استرجاعه في نوفمبر 2015على الرابط www.almaany.co
(5) إيهاب مصطفى، صك الغفران، دار إبداع، القاهرة 2015، ط1،ص11
(6) Code of Canon Law, (Cann. 992–997) Indulgences; Enchiridion Indulgentiarum, 4th ed., 1999.
(7) عبد الحق بلعابد: عتبات (جيرار جينيت من النص إلي المناص)، منشورات الاختلاف, الجزائر، ط1، 2008
(8) بسام قطوس، سيمياء العنوان، وزارة الثقافة، عمان/ الأردن، ط1، 2001،ص 50
(9) ibid, p: 09.
(10) إبراهيم تعيلب (2005)،شعرية العنوان في الخطاب الشعري المعاصر (شعر الشرقية نموذجاً)، تم استرجاعه 2015علي الرابط nashiri.com
(11).joesp Besa camprubi:les fonction du titres, P:20
(12) سيمياء العنوان: بسام قطوس، وزارة الثقافة، عمان، ط1- 2001م،ص36
(13) توفيق فريرة، كيف أشرح النص الأدبي، دار قرطاج للنشر، تونس 2000، ص97
(14) مراد عبد الرحمان مبروك، جيوبولتيكا النص الأدبي، تضاريس الفضاء الروائي نموذجاً، دار الوفاء للطبع والنشر، الإسكندرية، 2002ص124