*غدير أبو سنينة
تُعرف “كولومبيا جورناليزم” كواحدة من أفضل المجلات المتخصّصة في الصحافة، ويفترض أنها تعتني باختيار الصور المرفقة بالتقارير والمقالات. فالصورة، اليوم، هي واحد من عناصر الموضوع الصحافي ولها وظيفة توازي المادة المكتوبة. كان عنوان المقال المنشور في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي “أفضل وأسوأ صحافة لعام 2015”. على عتبة المقال، سقطت عيناي على اللوحة المرافقة للموضوع، ثم مباشرة على العنوان. وكان الانطباع الأول أنني سأرى وجهين؛ أحدهما قبيح والآخر جميل، فثمّة وجهان لامرأتين في اللوحة يعكس كل منهما نقيض الآخر. اللوحة مرسومة بيد فنان معاصر هو جيف درو، ولم أجد شيئاً يتعلّق بسيرته الشخصية، وهذا ليس مهمّاً على أية حال، فهي تعكس صورة ذهنية تربّى عليها أطفال كثيرون في العالم، وترسّخت في أذهانهم تربط جمال الشكل بالخير والطيبة ووعكسه بالشر والخبث.
على يمين اللوحة، تظهر فتاة شابة، ذات بشرة صافية ووجنتين ممتلئتين وعينين زرقاوين وشعر أشقر.. الشعر الأشقر مزيَّنٌ بتاج ملكي وكأنه قادم من الحقبة الفيكتورية، وعلى الضفائر إكليل غار يحيل إلى الحضارة الإغريقية.
تبدو الشابة خارجة من بطون تاريخ الحضارتين اللتين تفوّقتا في احتقار أجناس البشر الأخرى. ينبت جناحان للمرأة أبيضان كأنهما جناحا بجعة، تحيل إلى قصص الدنماركي هانس كريستيان أندرسن، خصوصاً قصّة البجعات الست مع زوجة الأب الشريرة.
الرسم المقابل هو لامرأة أكبر سناً، ببشرة باهتة اللون ملطّخة بالأسود في الوجه والرقبة. لون الشعر أسود وغير مصفّف بعناية، كما أنه يخلو من أية علامات تفوّق، فلا تاج ملكي ولا إكليل غار، في إشارة إلى الفشل. البشرة المترهّلة عند منطقة الحاجبين، ثم تكشيرة ووجه ضامر ناتج عن التقدّم في العمر، وخلفها جناحا طائر أسود أيضاً يبدو أنه لخفّاش.
النظرة الدونية تتجاوز الإنسان وتصل إلى الحيوان حسب الأمزجة طبعاً؛ إذ تستطيع ثقافة بيضاء أن تفرض مزاجها على أمزجة الشعوب الأخرى وترسّخ في أذهانها صورة سلبية أو إيجابية عن أشكال المخلوقات حسب ما يروق لها.
أفترض أن القائمين على المجلّة أرادوا أن يضعوا أمام القارئ صورة لنقيضين، وكان أن اقترضوا من ثقافة قريبة جدّاً لثقافتهم، بعض العناصر التي ترمز إلى مفهومي الحسن والقبح أو الخير والشر.
هي صور اعتدنا أن نراها في الرسومات المصاحبة لتلك الحكايا الشعبية العالمية، واعتدنا أن نتقبّلها كحقيقة مسلّمة، وربما تذكَّرنا متأخّرين، وربما لم نتذكّر بعد، أن علينا تمزيق تلك الصور الذهنية التي تصبغ الأفعال الإنسانية بالألوان وتُعلي من شأن لون على حساب آخر، حتى لو كان هذا الآخر كل لون ما عدا الأبيض.
إضافة إلى اللون، فقد عزف الرسّام بشكل ناشز على وتر حسّاس يلامس المرأة، ووظّف – قصداً أو من غير قصد- عمرها توظيفاً مهيناً، حين أشار إلى الوجه الحسن من الصحافة (كما فهمنا) بامرأة شابة، بينما الوجه القبيح بامرأة أكبر سنّاً.
مؤخّراً ثار جدل يتعلّق بالرسوم المتحرّكة الأشهر “توم آند جيري”؛ حيث يظهر جسد الخادمة دوما من أصول أفريقية، رغم أن تلك الفترة كانت معظم الخادمات من الأفارفة. فنظرة العالم تتطوّر، وما كان بالأمس أمراً مسلّماً به أصبح اليوم موضوع نقاش على الطاولة.
بغضّ النظر عن رأي كاتب المقال في أحسن وأسوأ صحافة لعام 2015، سأسمح لنفسي أيضاً بتصنيف الصورة كواحدة من أسوأ صور العام نفسه.
________-
*العربي الجديد