*ترجمة- عبدالله الزماي
يقول “أثول ديكسون”: بعد عدة روايات قررت أن أبدأ بتضمين الواقعية السحرية في أعمالي، بدأت الكتابة عن النيران التي تشتعل برغم الفيضانات، والأحداث الغامضة، والتدخلات الملائكية، وتحليق الفنانين، ضمنت رواياتي الواقعية السحرية لأنني أريد أن أكتب بواقعية أكبر عن هذا العالم، وليس لأنني أريد الهرب منه.
تنقل القصص الفانتازية الحقيقة دون الحاجة إلى كونها مستندة إلى واقعية هذا العالم، إذ أنّ لديها الشمولية والأنظمة الآلية والحقائق التي تؤثر في كل جوانب أكوانها المنفصلة، يمكن أن تصف الأشياء التي لم ولن يكون لها وجود على الأرض دون اتصال مباشر بالوجود الآني لدى القراء، في حين أن الحقائق الكونية والإنسانية تمر من خلال تلك الأوصاف، ومن ناحية أخرى، تبقى الواقعية السحرية بالتعريف مرتبطة بصنائع هذا الكون الملموسة.
أعتقد أحياناً أن لمجرد لمسة سحرية يمكنك أن تجعل القصة أكثر قابلية للتطبيق في وجود القارئ اليومي من أن تكون خلاف ذلك، أحد الأمثلة الكلاسيكية هي روايتي المفضلة في كل العصور “مئة عام من العزلة” حيث يصف “غابرييل غارسيا ماركيز” القرية المنكوبة بواسطة “طاعون الأرق”، وهذا الطاعون المتكتل يؤثر على ذكريات الناس في نهاية المطاف، أدرك شخص واحد أنه في القريب لن يكون قادرا على العمل دون مساعدة، فوضع علامات على كل شيء لتذكيره بماهيته، وفعل الآخرون كذلك أيضا، وسرعان ما أصبحت العلامات في كل مكان، بعد حين أدرك الناس أن معرفة مسميات الأشياء لا يعني أن الشخص سيعرف التعاطي معها، فبدؤوا بإضافة إرشادات للعلامات، “البقرة للحليب، والحليب لوضعه مع القهوة.. إلخ”، وأخيراً أتى غجري في رمال السهو المتحركة هذه بشراب ذي لون لطيف، وبعد أن أعطى الدواء مفعوله، “اغرورقت عينا أحد من تشافوا بالدموع حتى قبل أن يلاحظ نفسه في غرفة المعيشة الحقيرة، حيث كانت المواد مصفوفة قبل أن يشعر بالخجل من الهراء العلني المكتوب على الجدران”.
لا شيء من هذا مستحيل طبعا من الناحية الفنية، لذلك فهو لا يعد “فانتازيا” بالمعنى الأدبي؛ إلا انّه في الوقت نفسه ليس سوى أمر غير محتمل بشكل كبير جداً، ومستبعد حدوثه كلياً لدرجة يجب أن نصفه بـ”السحري”، ومع أنّ “ماركيز” ينتزع كثيرا من المنطق البسيط في تلك الأحداث، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل عما إذا كان “طاعون الأرق هذا” قد يكون شيئا ما قد شهده في الواقع وفي هذا العالم، ليس شيئًا سحريا فقط، ولكنه واقعي أيضا بشكل ما.
ربما يكون “غابرييل غارسيا ماركيز” –أشهر كاتب للواقعية السحرية في العالم– قد كتب ببساطة عن الحياة، كما هي حقاً بالنسبة للملايين الذين يندفعون إلى الجنون الجماعي بواسطة العمل في حلقة مادية مفرغة، وقد استنفذت لحد النسيان لماذا بدأت تعمل في المقام الأول، لكنها مدفوعة للحفاظ على ذلك من قبل الإعلانات المنتشرة في كل مكان والتي تذكرهم أنهم بحاجة إلى هذا الشيء من أجل الاستمرار في نسيان من هم حقاً.
أكتب الواقعية السحرية لأنّ بعض النيران فعلا تشتعل في خضم الفيضانات “فكر في الأمل عندما يتراءى لك أن كل شيء قد فقد”، ولكون جميع العلاجات غامضة في الأساس “إذ لا يمكنني أن أشرح ما هو الأسبرين”.. أكتب الواقعية السحرية لأن معظمنا بحاجة أن يبتعد مسافة قصيرة عن حياتنا ليراها كما هي في الواقع.
___
*جريدة الرياض