باولو كويلو
“عندما نحرر أنفسنا من الحاجة إلى جعل الأشياء تحدث بطريقنا نسمح للدفق السماوي أن يحملنا إلى حيث نحتاج أن نكون”
كان لورنس لوشان، يشارك في مؤتمر علمي عندما لاحظ أن عددا كبيرا من الناس الذين كان يراهم “عقلانيين” تماما، يمارسون التأمل كل يوم، فاهتم لذلك كثيرا، ومضى يحاول فهم هذا السلوك الذي كان يبدو متضاربا مع ممارسة العلم. وخلال الأيام الأربعة التي استغرقها المؤتمر، حصل على جميع أنواع الإجابات عن السؤال المتعلق بسبب التأمل. ثم قال أحدهم: “التأمل مثل العودة إلى البيت”.. وكان هذا هو تعريف التأمل الذي أجمع عليه المشاركون في المؤتمر، جميعهم.
ومنذ تلك اللحظة فصاعدا، بدأ لوشان إجراء أبحاث حول مزايا تلك الممارسة اليومية المتمثلة في التركيز، وسلبياتها. وكانت نتيجة جهوده، إصداره كتابا مثيرا للاهتمام، بعنوان: “كيف تتأمل؟”. وفي ما يلي بعض الخلاصات التي وصل إليها المؤلف:
ليس التأمل من ابتكار إنسان واحد ـ أو دين واحد أو مدرسة فلسفية واحدة، وإنما هو جزء من سعي الناس إلى العثور على أنفسهم. وفي العديد من الأماكن، وفي عصور مختلفة، خلص الباحثون في الشرط الإنساني، إلى أننا نستخدم جانبا قليلا للغاية من طاقتنا كي نعيش ونعبر عن ذاتنا ونشارك بصورة تامة في الحياة.
إننا نتأمل لكي نستعيد الحكمة والسعادة اللتين نعرف بصورة غير واعية، أننا نمتلكهما، وذلك رغم أن صراعات الحياة وتحدياتها قد دفعتهما إلى ركن مظلم في موضع ما من رأسنا. وعندما نبدأ في إتاحة القليل من الوقت لأنفسنا للتأمل اليومي، فإننا نكتشف مستوى أعلى من الوعي، يضعنا، نحن وعائلاتنا، في تناغم مع الكون، في ما نقوم به.. ويزيد طاقتنا على الحب والشعور بالحماس، ويجعلنا أكثر فعالية.
قارن لوشان بين التأمل وبين اللياقة البدنية وعقب على ذلك: ” ربما يظن كائن غريب عن الأرض، أنه من الجنون أن يرتكب الأعمال الشريرة مرارا وتكرارا، برفع وخفض عمود حديدي ثبتت به عدة كيلوغرامات من الرصاص. أو أن يحرك دراجة ثابتة، أو أن يسير على شريط متحرك باستمرار. ومع ذلك فإن موضوع هذه التمرينات ليس الثقل الرصاصي ولا الدراجة الثابتة ولا الشريط المتحرك، إنما التأثيرات التي تحدثها هذه الأنشطة في جسم الشخص الذي يمارسها.
وبالطريقة نفسها، فإن الجلوس في ثبات في أحد الأركان، وأنت تحصي أنفاسك، أو تركز على بعض الرموز الغريبة، ليس هدفا للتأمل، وإنما هو العملية (العضوية) التي ستوقظ حالة جديدة من الوعي.
ومضى لوشان إلى أبعد من ذلك في مقارنته بين التأمل والحفاظ على اللياقة البدنية، حيث يقر أن نسبة الخروج المرتفعة من مدارس التأمل، ترجع إلى أن المعلمين غالبا ما يحاولون فرض طريقة بعينها على طلبتهم، ولأنهم لم يتبعوا نموذج مدرّسي التربية البدنية الذين يعرفون أن كل شخص يحتاج إلى مجموعة مختلفة من التمارين. فلو فعلوا ذاك لكانت أمامهم فرصة أكبر لتحقيق أهدافهم.
يميل الإنسان العادي إلى تكرار السلوك نفسه، وهو ما نسميه بـ”الروتين”، وبالقيام بذلك ينتهي به الأمر للعمل كالآلة، حيث يفقد تدريجيا مشاعره وانفعالاته، رغم أنه يعاني كثيراً، لأن حياته تظل على حالها دوما، وهذا التكرار اليومي لأنشطة بعينها، يعطيه إحساسا زائفا بأنه في حالة سيطرة كاملة على الكون. وعندما يهدد عامل خارجي هذا (الروتين)، فإن الذعر يستبد بالشخص لأنه لا يعرف إذا كان بمقدوره أن يتعامل مع الأوضاع الجديدة من عدمها.
وبتعبير آخر، فإننا نمضي حياتنا راغبين في أن يتغير كل شيء، بينما نكافح في الوقت نفسه لضمان أن يستمر كل شيء على نحو ما هو عليه.
على الرغم من أن الأساليب الفنية للتأمل طورت ونميت، من قبل أناس يوصفون بأنهم “متصوفة”، فإنها ليست بالضرورة مرتبطة بالبحث عن الروحانيات، وإنما بالتفتيش عن السلام الداخلي. وسنلقي نظرة على بعض هذه الاساليب لاحقا. ولكن سيكون أمرا طيبا اختتام هذا المقال بتعليق طرحه كريشنا مورتي، حول هذا الفن الذي يعود إلى قرون خلت، والذي أصبح ضروريا للغاية، حالياً:
” التأمل ليس السيطرة على الجسم وليس أسلوبا للتنفس، ونحن بحاجة إلى أن نكون في الوضع العضوي السليم عندما نأكل، ولكن العلاقة بالجسم تنتهي هناك”.
” لا تحاول أن تفرض التركيز على نفسك فرضا، فذلك من شأنه أن يوجد الشعور بالقلق فحسب، وعندما نتأمل بشكل صحيح، فإن تركيز الحق سيظهر، وهو لا يتجلى لأننا اخترنا أفكارا معينة أو حررنا أنفسنا من مشاعر بعينها، وإنما هو يتجلى لأن روحنا لا تبحث عن إجابات”.
“عندما نحرر أنفسنا من الحاجة إلى جعل الأشياء تحدث بطريقنا، فإننا نسمح للدفق السماوي بأن يحملنا إلى حيث نحتاج أن نكون”.