نظرة في رواية الخيال العلمي (4)



لطفية الدليمي



القسم الرابع: فرانكنشتاين ينطلق من مخبئه

شهدت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تسارعاً خطيراً في الأبحاث العسكرية التي اختصّت بتطوير الأسلحة النووية والصواريخ العابرة للقارات ، وتعاظمت معالم الصراع فيما سمّي حينها بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي – تلك الحرب التي ألقت بظلالها على رواية الخيال العلمي في تلك الحقبة الخطيرة من تأريخ البشرية ؛ فجاءت معظم تلك الأعمال وهي محمّلة برؤيا كارثية فيما لو حصل صدام نووي ، وتلوّنت تلك الأعمال بألوان من عذابات تشي بما ورد في بعض الأسفار الدينية من توصيفات يوم القيامة Apocalypse ومعركة هرمجدّون الفاصلة الواردة في سفر الرؤيا الإنجيلي .
كان عام 1948 عاماً مفصلياً في تأريخ العلم والتقنية ؛ إذ شهد هذا العام نشر كتاب ( السيبيرنيتيكا : السيطرة والاتصال في الحيوان والآلة ) لعالم الرياضيات الأمريكي العبقري “نوربرت فاينر” ، وقد شهدت الأعوام التالية تطوراً متسارعاً في حقل السيطرة الآلية وأتمتة الإنتاج الصناعي واستخدام الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي ، وقد ركّزت روايات الخيال العلمي في تلك الحقبة التطورية الثورية على النتائج الاجتماعية والأخلاقياتية المصاحبة للاستخدام المكثّف للروبوتات على النوع البشري ، ومن الطريف أن أشير في هذا المقام إلى أن ” أزيموف” كان قد تنبّه بحدسه الرؤيوي ومجساته التنبؤية إلى هذه الموضوعة الخطيرة منذ عشرينات القرن العشرين فوضع ضوابط لها بهيئة قوانين تعرف ( قوانين أزيموف الثلاثة ) التي لاينبغي لمصنّعي الروبوتات خرقها ، وقد كتب هو – إلى جانب كتّاب عديدين آخرين – عمّا سيؤول إليه العالم فيما لو حصل وتمكّنت الروبوتات من الانقلاب على صانعيها لسبب ما أو فيما لو امتلكت ذكاء فائقاً Superintelligence يتفوق على الذكاء البشري . 
يحتلّ كاتب الخيال العلمي ” آرثر سي. كلارك” مكانة مميزة بين كتّاب هذا اللون الروائي ، وقد تصدّر اسمه طليعة الكتّاب في الحقبة التالية للحرب العالمية الثانية وتميزت كتاباته في رواية الخيال العلمي بعظم مقاربتها للواقع العلمي والهندسي السائد حتى أن فكرة البث التلفازي الفضائي عبر الأقمار الصناعية كانت إحدى الموضوعات التي كتب عنها في إحدى رواياته التي وصف فيها وعلى نحو بالغ الإدهاش كيفية تغطية الكرة الأرضية بالبث الفضائي فيما لو استخدمت ثلاثة أقمار صناعية توضع في مدارات متزامنة مع حركة الأرض بحيث تبدو كنقاط ثابتة في الفضاء . يعود إلى “كلارك ” أيضاً إطلاقه لسلسلة ( أوديسا الفضاء ) التي تذكّر بروايات فيرن من قبل ولكن مع فارق عظيم عنها ؛ إذ لم تعد فكرة السفر بين النجوم محض فنتازيا تخييلية وأسطورية بل صار الحديث عنها يتمحور على وسائل التكيّف التي ينبغي الوفاء بها لو أريد للكائنات البشرية السفر عبر الكواكب .
حصل في مطلع خمسينات القرن العشرين أن تمكّن عالم البيولوجيا الجزيئية “واتسون” من فكّ شفرة تركيبة الحامض النووي الوراثي DNA ؛ الأمر الذي شكّل ثورة في العلم وأزاح بؤرة الاهتمام من العلوم الفيزيائية باتجاه العلوم البيولوجية وفتح الباب واسعاً أمام ثورة الهندسة الوراثية الواعدة بكل ماتحفل به من إمكانات إعادة تشكيل المخلوقات البشرية وغير البشرية عبر التلاعب بمكوّنات المادة الوراثية وهو ماكان الكثير من كتّاب الخيال العلمي قد تحدّثوا عن مخاوفهم تجاهه بسبب الخشية من تخليق “فرانكنشتاين” عملاق غير مسيطر عليه على الرغم من الآمال الواعدة في محاربة المجاعة وتحسين نوعية التغذية ومكافحة الأمراض وإطالة عمر الإنسان.
 يتبع
___________
*المدى

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *