نظرة في رواية الخيال العلمي (6)


*لطفية الدليمي


القسم السادس: بين سبوتنك وستار ترك
شهد منتصف القرن العشرين سباقاً محموماً بين المعسكرين الأمريكي والسوفييتي )آنذاك( في الميادين التقنية كافة وبخاصة العسكرية منها والمتعلّقة ببرنامج تطوير الأسلحة النووية والصواريخ البالستية عابرة القارات، وشكّل عام 1957 إنعطافة خطيرة في ذلك السباق بعدما نجح السوفييت في إطلاق القمر الصناعي “سبوتنيك” الذي تمكّن من إرسال أول إشارة فضائية – وإن كانت بدائية – ، وهنا صارت رواية الخيال العلمي تستخدَم كوسيلة ناعمة من وسائل الحرب الباردة في ميدان البروباغاندا الطامحة لتعظيم إمكانيات طرف ما وبثّ الرعب والخذلان في الطرف المقابل له ، وغدت موضوعات الخيال العلمي تتمحور على تحقيق السبق في الهبوط على سطح القمر وإنزال كائن بشري عليه ، وشهدت ستينيات القرن الماضي توظيف الدراما في حشد طاقات الأمة نحو هدف الهبوط البشري على سطح القمر ، ولايمكن أن ننسى تلك اللقطات الدرامية التي تحدّث فيها الرئيس الأمريكي الراحل “جون كينيدي” عن إطلاقه لبرنامج ( أبوللو ) عام 1962 وأعلن فيه أن الأمريكان إختاروا هدف الهبوط على سطح القمر في وقت لايتجاوز نهاية العقد الستيني من القرن العشرين ، وقد تجاوبت الدراما الأمريكية مع هذا الهدف من خلال المسلسل الأشهر (ستار تريك Star Trek) الذي ظهرت أولى حلقاته عام 1966 وتمّ فيه توظيف مجموعة كبيرة من موضوعات الخيال العلمي مثل : الإنتقال اللحظي عبر الزمان والمكان Teleportation، الأشعة الليزرية المدمّرة، صواريخ الدفع النووي،،،، ولن ننسى في هذا الميدان أن مُعدّي هذا المسلسل أكّدوا بصورة قصدية على الجوانب الإنسانية التي لايمكن إختزالها إلى محض ثيمات علمية وتقنية .لازلت أذكر حتى هذا اليوم أن مسلسل (ستار تريك) حاز على نسب مشاهدة عالية بين جمهور المشاهدين العراقيين في بداية سبعينيات القرن الماضي وكانوا يتابعونه بلهفة وتشوّق ، كما لازلت أذكر مقدّمة المسلسل الرائعة التي تبدأ بموسيقى تبدو آتية من أغوار الكون السحيقة ، ثم ينطلق صوت المعلّق ليقول بكلمات واثقة تنبئ بسطوة العلم وإنجازاته القادمة المأمولة: (الفضاء: التخوم اللانهائية ،،، هذه هي رحلات سفينة الفضاء – إنتربرايس – ،،، إنها مهمة ستمتد لخمس سنوات بغية إستكشاف عوالم جديدة غريبة ، والبحث عن أنماط جديدة من الحياة ومن الحضارات ،،، والذهاب بشجاعة إلى حيث لم يذهب إنسانٌ من قبلُ…) .
امتازت حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين بإزدهار النشاطات البحثية في ميدان العقل البشري والمكيفات العقلية Psychedelics القادرة على هندسة المزاج البشري وتكييفه بقصد محدّد، وترافق هذا الإهتمام الواسع ببحوث الإدراك الحسي الفائق ESP والموضوعات المتصلة به والتي وصِفت بأنها (سرّ من أسرار الدولة) كما عبّر عنها كتاب صدر حينذاك، وظهر في الأسواق فيض من روايات الخيال العلمي التي تحكي عن فراديس بشرية أرضية يمكن أن تأتي بها بعض العقاقير مثل ( المسكالين و إل إس دي ) بل وذهب البعض من كتّاب الخيال العلمي إن تعاطي هذه العقاقير سيكون في غضون سنوات قليلة عادة يومية شبيهة بتناول وجبات الطعام وعلى النحو الذي كان الكاتب ( ألدوس هكسلي ) أشار إليه في عمله الأشهر ( عالم جديد شجاع ) الذي كتبه عام 1931 والذي رأى فيه الكثيرون معالم من الثورة السايكولوجية والتقنية التي ستجتاح العالم من خلال المكيّفات العقلية .
_________
*المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *