منْ أسفـــــارِ الغُفْـــــران


سميحة المصري



خاص ( ثقافات )

السفر الأول
….
يا رقيبَ الآخرة.. وتلكَ الغَزالة ما سُؤلها..؟
أنتظِرْ كي أسوسَ الفرحات التي لنْ تكْتُبها خطايا
يا رقيب: كلَّ يومٍ هو أبدْ.. ينْقَدِحُ فيه صُبحٌ في ثوبي
فَأتوشحُ فيهِ بِشالي العِنَبِيِّ الأشْفَق بالوريد
إنّي اثّاقَلتُ لَمّا جَفَأْتَ وَقُلتُ صَبراً أيُّها الأجَل.لا تُجْلِها..
وحيدَينِ كُنّا أنتَ تباطَأتَ، وأنا ما صَبَأتُ..
يا حارسَ الخَطايا: إنَ القربانَ لي، والذينَ اختلفوا فِيّ لي..
و” اليَسْمين ” والقَميص الأصفر في قَهوتهِ لِي، والليالي وكُحلها
والفلُ يا مُخبِرُ يقولُ تَريّثْ فَلَعَلّها
برغمِ أطرافها التي فقدتْها في الطريقِ الطويلِ سَتصِل.. يا عَلّها
السفر الثاني
…..
أريدُ لنبضي قلباً على شاكلتهِ
يمسكُ باليقينِ حدَّ العاصياتِ من الرياح
فصَباه من ذارياتِ الرمالِ بِزوبعة
لا يجوعُ على موائدِ البينِ فقد أغلقَ فمُه طفلاً
ونَوى على جوعهِ منذُ النوى الأول..
منذُ مَضى خلفَ البحرِ يبحثُ عن ورثته
أفراسهُ لا تصهلُ إلا من فرطِ العشقِ الموصولِ بخيطِ وصال
وثعالبُه مستعدةٌ للخسارات.. تبّاً كمْ تربكُ أبجديتي!
ولا يتأهلُ للتمزقِ فأمهُ مغولية
تعتذرُ فراشاته قبلَ الاحتراق وتغنّي
إياهُ سليلَ مريماتي، وريقَ كأسي
وقناعاتي وَرِياءاتِي، وأنا جنته العاصية
حرامٌ على دمعتهِ التورطَ بغيرِ الشالِ العِنَبي
وَلو سافوهُ لنْ يخُنّي…
السِفرُ الثالث
_______
أتَعرفُ يــــــــا بَلَـــــــــــــــدْ…
أنتَ جميلٌ كارتدادِ بهاءٍ يوسفــــــــيّ
المأساةُ في إخوتكَ لا في البئرِ ولا في القافلةِ ولا في زُليخا
وأنا حينَ رأيتُ الأحدَ عشرَ كوكباً ما كنتُ نبيّة
كنتُ قد نخوته – الله – أنْ يُعينَني
فلقد أقلقَ الحَبرُ لسانَ الحِبر في شوارِدي
ما فَتِئتُ.. فالذاكرةُ والضمائرُ تتوقفُ مثلَ الحياة ثم إني
وإنّي عَظُمت قيودي فاكتظظتُ بكَ فكَظَمْتُني 
ولستُ أملكُ أسفارَ الريح
ولا أعرفُ ربّاتَ الملاذ
وبقيتُ أرتقُ ثقوبَ الضَمائر المُتنرجسة
.وهاتفٌ يهتفُ يا فورةَ الجُلنار الثلجُ نار الثلجُ نار
شأنانِ تصارعتُما وبكيتما عَليّ.. فتَنَوّس الفَنار
يا لنبلَ أنانيتي التي فارَتْ من أجلِ ألا ينتصفَ القلبُ 
فانتصفَ. وصارتْ من شدّة الليلِ تُغنّي
السفر الرابع
____
عينٌ عليَّ ألا اكُف عن ضربِ كفٍ بِكف
فدامَ بعثكَ كلما وَهِنتَ
ودامت عافيةُ سلالِ الوردِ التي نَحملها للأحزانِ
في أعيادِ ميلادها كلَ ليلةٍ
فامشِ في دربٍ هوينى
وتأملْ كيفَ أني إذْ أُغنّي تعرفني في الليلِ عاقبةُ التمني
السفر الصِّفر..
ثمّة أوانٍ كثيرة يسيلُ مِنها القلبُ
وثمّة مواقد يتفَتتُ فيها القلب
ما عليكَ وما لكَ
النارُ لا تحتملُ النار
ولا تطفئُ النار النار
ولكنَ النار تُشعلهـا النار..
السفر الأخير
خامس الفرسان العاشقينَ لأوطانهم يا سيّدي أنا
سأقتلُ من تريدُ بأي ثمنٍ أو بلا ثَمن..
ولكنّي سوفَ أنتشي حينَ أقتلك بالمَجّان
وسوفَ أجدُ سبيلي للغفران…
قالَ العميلُ لسيّده…!
السفر الخامس
____________
اسْكُتْ: الكفرُ لنْ يُظهرَكَ سيداً
والموتُ لن يعترفَ بكَ نبيلاً
ولا مهمات كبيرة تنتظرُ عوداتك فأنت لمْ تَحْدُثْ بعدْ..
ولا الأصحابُ الذينَ عذّبوا قلبَ الجبل بأنه الأعلى واقفون..
إنْ قلتَ للريحِ هيتِ للغُبار، فماذا في يديك..
خَلِّ عنكَ الثرثرة عندما…
لا ماءَ في بئركَ والحبُّ خرافتكَ البائدة
عندما لا حياةَ على جانبي الطريقِ المؤدي إليك
عندما أجهزتَ على القصيدةِ التي عاقرت القلم الناضج فعقرتها
عندما الوردةُ بلا حياء في مذاهبِ اللاشُرفاء……….
عندما لا حضورَ إلا للهواء.. ولا توريثَ الا للخطايا
ولا سيدَ بعدَ الغفران..
..
السفر التاسع
_________
 قالتِ الشجرةُ المُنتَظِرةُ عندَ الطَريق
منذُ زمانٍ بعيد.. حينما كانت الخطيئةُ بُنَيّةً وكانَ الغفرانُ فَتياً
عندما كانت الغابةُ صغيرةً وكانت الزهرَةُ ناعِمَةً… من زمااان 
تأهلتُ لأن أكونَ وردة ولمّا صِرتها لمْ يَزُر مدينتنا شمّامة الورد… 
فانتظرتُ الفجرَ لأتخلصَ من الليلِ في ذاتي وأعترفُ بحكمةِ التلميحِ التي نجحتْ في ترتيبِ ابتسامةٍ غَريبة للغُرباء…
ما أسرعَ ما تُسَلِّمكَ الدنيا للعُري رغمَ أنها تحتضنُ الشموسَ والأقمار وتعجُّ بالأثواب والأسمال.
قفْ أمامَ مرآتكَ فإنِ انكَسَرَتْ فقَدْ تَهَشّمْتَ
وإن ابتسمَتْ: فهل اختاركَ الرفيقُ الأرْحَب؟.. اسألْ تصدعك!
وأعدِ النظرَ فيهِ حتى لا يتشتتَ زهوك…
لا تكنْ أسيرَ المرايا.. فإنَّها ليستْ.. ولنْ تُبشّرَكَ بِوَعْدِك..
اسكتْ: كفنجانِ عِطر بلا رائحة ولا شفتين متروكٌ للريحِ ولِسهوِك
اسكتْ: أمامَ المرايا لئلا تنكَشِف.. اسكتْ.
أُسْ أُسْ.. تعرفُ أن لا مكانَ لتبكي فيه وحدك..
اسكتْ: كل هذه الدماء كانت من قبضتكَ ليلةَ الرحيل…..!
وَعُذْرك…..
السفر العاشر
أنا صيَّرتني الأبواب أفواهاً لها
فصرتُ كشاطئِ بحرٍ قدّام مَداخلها
والروحُ ارتفعَ ضَجيجها فوقاً فوق
لمْ احكِمْ إغلاقَ الأبوابِ فلا قلبَ يُساندها
ولا أفئــدةَ بكـلِ الحــيّ تواقِفهــا
ولا ألْبابَ بوجهِ (الْمَيّ) تُسامرها
إياكَ وأنتَ سميرُ الوردة إياكَ تُسافرها
دعها الأبواب تلوحُ كما الأسفار تُعاسِرها
لا تطرقْ فالطرقُ يزدها إحكاماً يُثقلها أبواباً
لا تحزنْ فَهُنا بابٌ ماتَ من أجلِ مَواجِدها
.
السفر التاسع عشر
تعبتُ أرشُ النومَ على الرأسِ والعينينِ يا الله..
هاأنا ذي….
وأنتَ الذي شِئتَ وأعطيتني كل هذا الحزن المُتبرّج المُستلقي في الروحِ، وعُدتَ لِتعطيني كل هذا القلب الذي يتمددُ بحبكَ.. إنّي أُحُبكَ، وكل هذي الأرض هي قلبي، وكل الناس يشربونَ من هذا النَهر القلب…
والقلمُ لا يتَّئِد: يوماً سنغادرُ، ونترك الطاولة فارغةً، فلا بدَ أنْ ندفعَ ثمن سقف القَصيدة وأصابعنا دفعات باهظة، لِئلّا يدخلَ الحنين، فمَنْ يَحِنُّ لا بُدَّ سَيئِنُ.. وحصارُ الحنينِ مثل حصارِ المداخن والأقدار الصَعبة..
.
السفر العشرون
هلْ يصحُ الغفرانُ مع اعتيادِ السقوط من الأقسى الى الأقدس
أريدُ سَرّاقَ النار، أو تمنحني يقيناً واحداً يبدلُ كذبة مُتَأبّدَةً على الطريق!
لقد جِئتَ لِتَبقى..
فتذكرْ أيها الأمّار بالشِعرِ.. وأنتَ لا تُريدُ أن يُوبّخني منَ المَخاليقِ إنسيَّا
عِندما يألمُ القلب تَتشظّى
وعندما تَبسم الروحُ تُضيء رغمَ المَعْمَعة..
فسلامٌ عليكَ حتى يحينَ المَساء وتُكمِلُ زهرة الشمس عِبادتها..
ويَنزِل المَطَر…
وسلامٌ عليكَ فَأنتَ الذي لا تُشَقُ لكَ زَوبَعة..
..

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *