صراع الحب والغيرة..الإزعاج الذي تجيده دوريس ويمتعنا



عمرو أبو السعود*



ارتبط أدبها بنشأتها الأفريقية، ‮ ‬ومن ثم ترك عندها المكان‮ ‬آثاره على كتاباتها وتحولاتها الإبداعية‮. ‬ضمن سلسلة‮ “‬كتاب اليوم‮” ‬صدرت مؤخرا مجموعة قصصية بعنوان‮ “‬الإزعاج‮” ‬تأليف الأديبة العالمية دوريس ليسنج الحاصلة على نوبل في الأدب عام‮ ‬2007، ‮ ‬المجموعة ترجمة الكاتب عنان الشهاوي‮.‬
في هذه المجموعة تطوف بنا ليسنج بين أرجاء المستعمرات الإفريقية وبالتحديد في جنوب أفريقيا، ‮ ‬لتكشف لنا عن أحداث جرت رحاياها في تلك البقعة المليئة بالصراعات على مر العصور في مشهد ميلو درامي‮ ‬يتجسد في هيمنة الأوربيين واستنزافهم لشعوب إفريقيا‮.‬
تتكون المجموعة من أربع قصص أبدعت في نسج أحداثها وشخصياتها وهي‮ “‬الكوخ الثاني‮”‬، ‮”‬تمبي الصغير‮”‬، ‮ “‬الإزعاج‮”‬، ‮”‬الفهد جورج‮” ‬تعددت القصص المبهرة داخل الكتاب لتقدم للقارئ وجبة شهية من الأحاسيس الإنسانية‮ ‬، ‮ ‬لكن القصة التي حملت عنوان المجموعة وهي‮ “‬الإزعاج‮” ‬تري فيها الأبطال مثل الرجل الطويل راعي الماشية والذي‮ ‬يبدو فنانا في عمله، ‮ ‬و كيف‮ ‬يتعامل مع الحيوانات في المزرعة بكل قسوة وعنف، ‮ ‬يقبض على الثيران بوحشية بارعة في مشهد ميلو درامي مروع‮.‬
تقول ليسنج‮ “‬لم‮ ‬يكن‮ “‬الرجل الطويل‮” ‬طويلا جداً بقدر ما كان رفيعا على نحو‮ ‬غير معتاد‮. ‬كان مصابا بالهزل المصاحب للمدفوعين بقلق داخلي لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يبقي ساكنا قط، ‮ ‬فيداه تمزقان الحشائش قطعا قطعا، ‮ ‬وكتفه‮ ‬ينتفض استجابة لإيقاع خفي للأعصاب، ‮ ‬ويكمن على قمة ذلك الجسد المتوتر العصبي الضئيل رأس هزيل، ‮ ‬بأذنين واسعتين تعطيانه مظهر شخص‮ ‬يقظ حذر‮. ‬دائما ما كان تعبير وجهه قاسيا، ‮ ‬سواء أكان‮ ‬غاضبا أم ضاحكا، ‮ ‬أو كما هو معتاد‮ ‬غالبا‮ ‬ عيابا متهكما، ‮ ‬ويخشي من لسانه كل العاملين في المزرعة حتى أبي كان‮ ‬يبتسم حزينا بعد مشاحنة معه ويقول‮ “‬إنه لرجل‮ ‬ذلك الوطني، ‮ ‬يتعين على المرء أن‮ ‬يحترمه، ‮ ‬رغم كل شيء، ‮ ‬لا‮ ‬يتركك تذهب محملا بشيء قط‮”.‬
‮” ‬امرأة شكاية في دارك مثل برغوت في جسدك، ‮ ‬يمكنك أن تهرش ولكنه‮ ‬ينط دائما إلى مكان آخر، ‮ ‬ولن تجد الأمان حتى تقتله، ‮ ‬لكن ليس بإمكانك أن تعيدها لمجرد أنك تعبت منها‮ “‬
فنجد الرجل الأسود الطويل‮ ‬يتفاخر بقوته وأنه ليس بحاجة دائماً‮ ‬لاستخدام السوط في ترويض الحيوانات، ‮ ‬وبرغم كل هذه القوة في الأداء والوحشية في العمل لا‮ ‬يستطيع التحكم في امرأته‮ !‬
مشاكله مع زوجاته الثلاث لا تنقطع بسبب‮ ‬غيرتهن المستمرة، فالزوجة الصغيرة كانت تعابث رئيس العمال في‮ ‬المساكن المجاورة على مسافة ستة أميال، أو كيف أنها أقدمت على إلقاء جرة كبيرة مملؤة بطعام مدخن على الزوجة الوسطي‮.‬
نجد أيضاً الزوجة القديمة الحولاء‮ ” ‬الحمقاء التي بعثها القدر من أجل تسلية الكافة‮..‬المعطوب والسليم‮ ” ‬كما‮ ‬يصفانها الزوجتان الصغيرتان، ‮ ‬وبرغم كرههم الشديد لبعضهما إلا أنهما متفقان في أمر واحد وهو ضرورة وجود الزوجة القديمة، ‮ ‬لأنها بالغة الفائدة، ‮ ‬فهي التي تقوم بعمل كل شيء، ‮ ‬ترعي الأطفال وتعزق الحديقة وتجمع التوابل، ‮ ‬إلي جانب أنها مصدر متعة لا حد لها نتيجة تصرفاتها الخرقاء فكانت الأضحوكة الأبدية لهم، ‮ ‬فكانت تشتكي دائما وتفسد كل شيء‮ ‬وكيف كانت نهايتها مأساوية‮.‬
فالمجموعة‮ ‬غنية بالتشويق والإبداع الأدبي والشخصيات الفريدة التي تجعل القارئ‮ ‬يغوص فيها ويعيش مع الأبطال‮ ‬يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ‮ ‬يتذوق حلاوة سعادتهم ويتجرع مرارة همومهم، ‮ ‬بل‮ ‬يصبح هو نفسه بطلاً‮ ‬بفكره الذي‮ ‬يبحر فوق السطور وعينه التي تقرأ الكلمات واحدة تلو الأخرى‮.‬
* أخبار الأدب

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *