زياد محافظة: أدعو إلى مشروع ثقافي أردني للترجمة


*ياسر العبادي



«قد يبدو للبعض أن الحديث عن وجود مشروع وطني لترجمة الأعمال الإبداعية الأردنية، ضرب من الترف الفكري، وحالة من المبكر التفكير بها الآن، فثمة أمور أكثر الحاحاً وحاجةً، ولا سيما في هذا الوقت الذي يعاني فيه المشروع الثقافي الأردني برمته، من الضمور والانكماش والمحاصرة»، ذلك ما يذهب إلى الروائي الأردني زياد محافظة، في حديثه لـ»الدستور»، مضيفا أن «الحجة للأسف بأن التفكير في الأولويات أكثر جدوى من التنقيب في الكماليات، وهذا في واقع الأمر، ليس أكثر من رؤية ضيقة، وتعامي عن الدور الكبير الذي يمكن للثقافة أن تلعبه في حياة البشر، والأقسى من هذا وذاك، طمس وخنق متعمد للأدب الأردني بأجناسه الإبداعية المختلفة، طمس سيبقينا للأسف ولفترة طويلة، مجرد ديكور في المشهد الثقافي الإقليمي وحتى العالمي، وفي أحسن الأحوال مشاهدين في الصفوف الخلفية». ويضيف محافظة، الذي حصلت روايته «نزلاء العتمة»، حديثا، على جائزة أفضل رواية عربية ضمن جوائز معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2015: اسأل أي كاتب أو شاعر أو مثقف، سيقول لك: إن جزءاً أساسيا من رسالة الكتابة لديه في هذه الحياة، هي في جوهرها محاولة جادة للمساهمة في إثراء المشهد الإنساني، وتقديم رؤية ذاتية لهذا العالم، والسؤال هنا كيف يمكن تحقيق هذه الرسالة مالم يصل هذا الأدب للآخرين؟ أنا على قناعة تامة بأنه لا يكفي أن يكون لدينا نصوص جيدة فحسب، بل يجب أن تصل هذه الأعمال للأخرين وتؤثر فيهم، خصوصاً أولئك الذي لا يتشاركون معنا اللغة نفسها، وليس ثمة وسيلة أفضل من أن يقدم النص الجيد للآخرين وبلغاتهم، لذا تصبح ترجمة النصوص الإبداعية الأردنية وفق هذه الرؤية، ضرورة ثقافية وطنية ملحة، وركيزة أساسية من ركائز استكمال الحلقة الإبداعية. ويؤكد محافظة، الذي صدرت له عن دار الفارابي بلبنان رواية: «بالأمس.. كنت هناك»، ورواية: «يوم خذلتني الفراشات»، التي اختيرت للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2012، أن أحدا لا ينكر الدور الذي لعبته الترجمة في نقل العلوم والمعارف الإنسانية بين الثقافات والحضارات، والخدمة التي قدمتها للشعوب وهي تنقل تراثها وأدبها وفكرها وفلسفتها للعالم. لذا من المهم أن تكون الترجمة ركنا مهما من أركان المشروع الثقافي الأردني الحقيقي، لأنه بخلاف هذا سيظل المشروع الثقافي الأردني بكل علاته، رهين محليته الضيقة، ولن يتاح له أن ينفتح على الآخرين ويؤثر فيهم شخصياً، ورغم الحسرة التي تتسرب لنفسي وأنا أرى المبدع الأردني يخطو وحيداً، دون أن تكون وراءه جهات ومؤسسات وطنية قوية ومتماسكة، تعمل وفق برامج عمل ناضجة ومتكاملة، تعي دورها ورسالتها، رغم تلك الحسرة، إلا أنني أراهن دوما على المستقبل، وعلى مشهد يؤسس لنهضة ثقافية حقيقية لابد أن تزاحم لتأخذ حقها، لأن هذا ليس حاجة للمثقفين فحسب، بل ضرورة لاستكمال مشروع الدولة الحديثة. ويدعو محافظة إلى مشروع ثقافي أردني للترجمة، يستند في رؤيته على برنامج واضح ومتماسك، ويؤسس له بشكل احترافي بعداً كل البعد عما يشوب العمل الثقافي عادة من منافع ومصالح متبادلة، أو معايير لا تمت لجودة النص بصلة، مشروع يأخذ على عاتقه مهمة انتقاء أعمال إبداعية أردنية بكل نزاهة وموضوعية وحياد، وتكليف مترجمين محترفين للعمل على ترجمتها ونقلها للغات العالم المختلفة، ومن ثم نشرها وإيصالها للقراء في مختلف دول العالم، فتلك برأيي أفضل طريقة نري بها العالم من نحن وما هو أدبنا ورسالتنا التنويرية، ونثري بها المعرفة الإنسانية، ونواجه بها المشروع الظلامي الذي يريد أن يطمس ثقافتنا وأدبنا. ويختتم محافظة حديثه لـ»الدستور» بتمني أن تحتوي سفاراتنا مثلاُ في مختلف دول العالم أعمالاً إبداعية مترجمة لأدباء ومفكرين أردنيين، بدل تلك البروشورات الترويجية البائسة التي كلحت ألوانها وعفى عليها الزمن. ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن بعد الاقرار بأهمية هذا المشروع وحيويته، هو أين تكمن المشكلة إذن؟ أهي في ندرة النصوص الإبداعية الأرنية المتميزة؟ عدم وجود مترجمين محترفين يستطيعون نقل هذه النصوص إلى مختلف لغات العالم؟ عدم توفر التمويل اللازم؟ المشكلة ببساطة تكمن في عدم توفر إرادة حقيقية لدى الجهات الرسمية المعنية بالمشروع الثقافي، للقيام بمثل هذه الخطوة. فالنصوص الإبداعية الأردنية من رواية وشعر وقصة، على درجة رفيعة من التميز والتنوع والرؤية الإنسانية العميقة، والوسط الثقافي والأكاديمي يزخر بمترجمين محترفين، بقي فقط أن يتحرك المعنيون في المؤسسات الثقافية، ليقوموا بدورهم. 
____
*الدستور

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *