مي هشام*
لا يصح أن تختزل مسيرة فنية مُطوّلة في فيلم أو مشهد أو جمُلة حوارية كهذه «في ليلة أقل جمالاً من ليلتنا هذه ستأتين راكعة إلى خيمتي»، فلا تكاد ذاكِرة الجماهير الضعيفة تذكُر سواها، إلا أن تراث مسرحيّ عملاق، وجهاد في سبيل التنوير ومكافحة الظلاميين، وبذر نواة المسرح في غير أرض عربيّة، يحفل بهم سجِل الفنان.
«زكي طليمات»، أحد رواد المسرح المصريّ، ملأ المسرح ترجمة وتأليفًا وإخراجاً، بعد عودته من بعثة تعليمية إلى فرنسا، قرر بعدها تأسيس معهد الفنون المسرحية، وتصدى لمحاولات إغلاقه المُتتالية.
مقال نقدي في جورج أبيض
عام 1922، نشر زكي طليمات أول مقالاته عن التمثيل والمسرح، في جريدة المقطّم، والتي اتسمت بأسلوب نقديّ فيه من السُخرية واللذوعة التي طالت أغلب الظواهر المحيطة به، وممن طالتهم السخرية خاصته جورج أبيض، مدير الفرقة التي ترك مدرسة المعلمين وانضم لها، والتي كلفه نقد مدير مستقبله فيها برُمته.
وبالرغم من هذا المنعطف التاريخي في مستقبله المهنيّ بسبب نقده اللاذع، إلا أن هذه المحطة أسلمته للمحطة التالية، حيث عمل بشهادة البكالوريا في حديقة الحيوان، والتي ألهمه طول مراقبة سلوك الحيوانات فيها الكثير من ردود الأفعال المسرحية.
جمعية الحمير
بالرغم من أنه لدى إجابته على أحد أسئلة البرامج التلفزيونية «اثنين على الهوا» عن معهد الفنون المسرحية ماذا كان ليفعل إذا كان أمره بيده، أجاب، أن الأمر لو كان بيده لكان أغلق المعهد لعشرة سنوات حتى يمتص السوق الممثلين الذين أفرزهم المعهد، ثم أعاد افتتاحه، إلا أن غلق معهد الفنون المسرحية الذي أسسه عام 1930 دفعه لأكثر الأفعال غرابة، وهو تأسيس «جمعية الحمير»، فضلاً عن ترأسها.
حسب دورية «ذاكرة مصر المعاصرة»، فإن طليمات لجأ لتأسيس الجمعية بعدما أمر الملك فؤاد بإغلاق المعهد الذي أسسه طليمات بهدف تمصير المسرح إذ خاف من إنتاجه مسرحيات داعية للانقلاب على الملك، وضم للجمعية شخصيات بارزة منهم طه حسين، ونادية لُطفي، ولفيف من المثقفين، والذين كل منهم على لقب مقتبس من حظيرة الحمير مثل: «حرحور» و«صاحب بردعة»، فيم تنوّعت أنشطة الجمعية المدنية لتشمل محو الأمية وتشجير الأحياء وإنشا الحدائق.
تقشير البطاطس
أما عن روز اليوسف، الممثلة المسرحية، والصحفية المخضرمة، وزوجته المحببة التي انفصل عنها فيم بعد يحكي كتاب «روز اليوسف.. سيرة وصحيفة»، على لسان طليمات نفسه عن أول لقاء وجهًا لوجه دون أن تجمعهما خشبة المسرح، حيث ذهب إليها في بيتها بصحبة أحد كتاب المسرح، وكانت آنذاك ممثلة نابغة وشهيرة، لتفتح الباب وفي يدها سكين و«فحل بطاطس» لتبادره بالسؤال «تعرف تقشّر بطاطس؟»، ليتعجب طليمات، ويقول لها ما علاقة البطاطس بالتمثيل، فتجيب هي لما تعرف العلاقة بينهم ستصبح «ممثل صحيح»، ليكون لقاءهما التالي عند المأذون لعقد قرانهما، بعد لقاء أول فيه الكثير من المشاكسة.
السادات ممثلاً
في مقال للكلتب الصحفيّ «روز اليوسف» في مجلة روز اليوسف، ذكر أن السادات كان زميلاً دراسيًا للفنان زكي طُليمات، وأنه تأثر كثيرًا بأسلوبه الخطابيّ في الإلقا وادا الخُطب الرئاسية، إلا أنه بالرغم من ذلك، لم يسلم السادات من سخريته اللاذعة في مناسبة منحه الدكتوراة الفخرية مع يوسف وهبي، ومحمد عبدالوهاب، قبيل وفاته بسنوات سبع.
وفي مشهد جانبي، في استراحة مسرح سيد درويش يقف الثلاثة مع رئيس الجمهورية، لينفذ طليمات الرئيس السادات نكتة ثقيلة «الذي يستحق التكريم سيادتك، لأنك ممثل أحسن مننا كلنا»، حسب رواية أحمد سخسوخ، الناقد الفني والمسرحي، في مقال له بالأهرام.
أنطق «فاتن حمامة» حرف الراء
أستاذ في التمثيل، تتلمذ على يده عشرات من أهم الممثلين والممثلات الذين يدينون له بالفضل لتدريبه إياهم على فنون التمثيل والمسرح.
ومن بين هؤلاء، الفنانة فاتن حمامة، والتي كان أول ظهور لها وهي طفلة مع «محمد عبدالوهاب»، بلدغة مميزة ومحببة لكل من رآها، حفرتها في وجدان كل من شاهد فيلمها الأول كوجه واعِد له مُستقبل، لكن مما تدين به حمامة لزكي طليمات، هو اهتمامها، وإيلاءها الرعاية الفنية والاهتمام الخاص، حتى أنه من خلصها من لدغتها الشهيرة في حرف الراء، بتدريبها على الإلقاء، كإحدى تلامذة أول دفعة من معهد التمثيل الذي افتتحه طليمات بشارع نوبار، وضم شكري سرحان وحمدي غيث وفريد شوقي ونعيمة وصفي.
* المصري اليوم لايت.