الفنان الجائع


*فيفي سكارليت ميلز / ترجمة: محمد الضبع


أنا كاتبة وفنانة، ولكن هذا الوصف لذاتي أوصلني بطريقة ما إلى النهاية المجيدة التي وصل إليها جميع الفنانين الذين يتضورون جوعًا، إن حاولت أن تكتشف معنى وصف “الفنان الجائع” سيخبرك القاموس أو الإنترنت بأنه النتيجة الحتمية لتضحية الفنان بمصادر دخله وصحته وجسده لأجل الوصول إلى غاية فنية عليا، أو عمل خلّاق كامل، ولكن هنالك معنى آخر “للفنان الجائع”، يتمثل هذا المعنى في استخدامنا لطاقاتنا الفنية والإبداعية وتحوير مسارها كي نتمكن من جني المال بواسطتها، لدرجة نسياننا لمعناها الفني البحت من الأساس.
خلال القرون الماضية، اضطررنا نحن الكائنات الخلّاقة أن نؤمن بعدد من الأفكار (أ) ليس من الممكن جني المال والاستمتاع بإنتاج أعمالك المبدعة في الوقت ذاته، (ب) علينا أن نضحي بالكثير إن أردنا الإصرار على ممارسة ما نحب، ومن المستحيل الجمع بين الرغد المادي والإشباع الفني.. نصفي يؤمن بأنني إن أردت أن أصبح كاتبة، فلن أستطيع جني الكثير من المال، وصوتي سيضيع بين ملايين الأصوات في محيط الإنترنت، وسأكون دائمًا في حالة نضال دائم فقط لإبقاء رأسي فوق منسوب المياه، وهذا لأنني معرضة لطاقة هائلة من الأفكار التي آمنت بها سابقًا، ولكني وضعت هذه الطاقة جانبًا، ولم أستسلم، لأن نصفي الآخر آمن بإمكانية تحقيق حلمي، أن أصبح كاتبة وأحصل على المال الكافي أيضًا، وهذه هي صفة ساحرة لكل فنان يتضور جوعًا: إنهم لا يستسلمون.
نحن الفنانون نؤمن بأن الإصرار يستطيع إحداث فرق؛ ونعم، إنه يحدث فرقًا، ولكنه لا يحدث الفرق، أردت بشدة أن أحصل على المال من مهنة الكتابة، ولم أرد العودة إلى وظيفتي المملة، لذلك قررت أن أوظف إبداعي لصالحي؛ لأنني آمنت بقدرتي على النجاح، لذلك قمت بتسخير إبداعي في خدمة نجاحي، ولكنني اكتشفت لاحقًا أن التحكم في إبداعك والسيطرة عليه ليس الحل الأمثل لهذه المشكلة، حاولت من خلال هذه التجربة أن أقسو على الفنانة بداخلي، وأن أتحكم في إنتاجها، حاولت إجبارها على العمل في صناديق وأجناس لا تناسبها، فقط كي أتمكن من الحصول على المزيد من المال.
ولأصف ما حدث معي بطريقة مختلفة: أظنني قمت بشراء تذكرة ذهاب فقط إلى مدينة تنعدم فيها الروح، وتمتلئ بكل ما هو متوقع، وماذا حدث بعد ذلك؟ بدأت بفقدان المال وفقدان إبداعي أيضًا، وكل هذا كان بسبب تضحيتي بما يجعلني مميزة ومختلفة، فأصبحت أشبه العديد من الكتّاب الآخرين وخسرت فرصي في التفرد، قررت بعد هذه المرحلة أن أتوقف لبعض الوقت، وكنت أملك بعض المال كي أتمكن من النجاة حتى أعود للكتابة من جديد، وخلال هذه الاستراحة، أدركت أن رغبتي في إنتاج الفن، كتابة الشعر، الغناء في الحمام، واللعب بكل فكرة جديدة، ما زالت حية داخلي، وكانت فقط مغطاة بطبقة من غبار الحياة.
الإبداع ما هو إلا موجة من الوعي المتصل مباشرة بالكون، إنه جزء آخر من كونك بشرًا تملك الروح، وعندما ننسى هذه الفكرة، نفشل في استقبال هذه الموجة، ونشعر بأننا أقرب إلى الضياع والحيرة.. لم يكن بحثي عن المال هو السبب في فشلي، بل محاولة تطويعي للفنانة بداخلي، لقد خسرت احترام روحي لي، ولتعبيري الفني، ولذلك وصلت إلى اختيارات مختلفة الآن، أختار أن أفتح الفضاء لإبداعي حتى يقفز إلى أبعد نقطة ممكنة، أختار أن أذكر نفسي باتصالي بمنبع الكون دائمًا، أختار أن أؤمن بأن طريق الفنان الجائع لم يكن طريقي أبدًا، وأختار أن أؤمن بأنك أيضًا مثلي، موهبتك وشغفك، بإمكانهما أن يوفرا لك المال الكافي. كل ما نحتاجه هو أن نضع حبنا لما نفعله وننتجه في أعلى القائمة دائمًا.
_____
*جريدة الرياض

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *