مهند النابلسي
خاص ( ثقافات )
*… وحين يتخلص الإنسان من جسده المادي بالموت، فإن الجسد الأثيري يبقى فاعلا وواعيا إذ يكون قد انتقل إلى بعد آخر، وهكذا يا أصدقائي فإن الموت وهم، وما هو إلا انتقال لمرحلة أخرى، ولا فناء أبدا! (ص. 45-46).
*وبما أنك سألتني عن الأمر سأكشف لك سرا، فقد عرف الأجداد أهمية هذه العين الثالثة (ص.51).
*ثم صمت لبرهة وسألني بشكل مفاجئ: أوه “شمبالا”* أي الطرق تقود إليك؟… هل سمعت بشمبالا يا فردوسنا المفقود؟ (ص.53).
*… ولكني أتحدث عن بقاء الإنسان في حالة شباب ويفاعة، وإطالة العمر ليتجاوز ألف عام بدون أعراض الهرم والمرض وموت الخلايا! (ص.67)
*نسمع أكثر، ونستشرف ما يجري في المستقبل عبر الحاسة السادسة المعطلة (ص.69).
*كانت تعاليم الرجل في خطبته بسيطة، تتلخص بالتركيز على التنفس والابتسام والتوازن الداخلي كحل مثالي لكل مشاكلنا… (ص.87).
*استطاع الروس أن يحفرو في العام 1994 بئرا في جزيرة كولا ووصلوا فيه إلى 12 كم فقط.
*… إن العصور المظلمة ستأتي الآن على جنسكم البشري وستغطي الكرة الأرضية، غير أن بعض جنسكم سوف ينجو من العاصفة، وسينهض من الدمار ليبدأ البحث عن كنوزكم الأسطورية الضائعة… (ص.114).
*كان البشر في أول عهدهم يعيشون في الأرض المسجونة، وفيها مدن عديدة، وأعلاها وأكثرها تطورا كانت –شامبالا*- حيث بنيت على هضبة مرتفعة، تجري تحتها أربعة أنهار (ص.125).
*أحسست كما لو أنني أعرفه من قبل، وخيل إليَّ كما لو أن للإنسان نظيرا في هذا الكون قد يلتقيه ذات يوم… (ص.134).
*أما خططهم السرية الكبرى فهي العمل على تخفيض عدد سكان الأرض إلى مليار نسمة فقط لتحلو لهم الحياة كيفما يشاؤون (ص.143).
*فالروح لا تسكن الجسد كما يظن الناس بل موطنها في الملأ النوراني الأعلى (ص.154).
*… كما أن البلاد أصبحت لا تطاق من الغلاء الفاحش، والازدحام، وتفاقم الفساد، إذ غصت بالمهاجرين الهاربين بأرواحهم من جحيم القتال المستعر في سوريا والعراق وليبيا واليمن (ص.163).
*وعند ذلك يظهر السامري مرة أخرى في تجسد جديد ليفتن الخلق بعجل جديد ويري البشر أحابيله (ص.180).
*ورفعت جسدي قليلا، وكان خفيفا فطرت وحلقت فوق الجبال والوديان دون أن أصطدم بها (ص.188).
*… وهم من الذين نجوا من شرور البشر ومن معهم من المعلمين الصالحين، يعمرون أكثر من ألفي سنة، وقد وصلوا لمرحلة عظيمة في العلوم والبناء والصناعات (ص.198).
يتطرق “يحيى القيسي” في مستهل فصل “دفائن محروسة” ليكشف حقيقة نفسية جوهرية (ص.23): “لم أكن أعرف حجم الحضور الهائل لكل ما هو خفي وما ورائي في حياتنا اليومية، حتى اكتشفت ذلك بنفسي، إذ كل إنسان على ما بدا لي لديه جانب باطني، يكاد لا يظهره على أحد حتى يأتي أوان من ينبشه من أعماقه ويخرجه إلى العلن لا سيما حين يصطدم بموت عزيز، أو بحدث مدو يتركه غارقا في دوامة الحيرة”!… ثم يستطرد بنفس الصفحة: “حتى أصدقائي الذين يتبجحون بأنهم ملاحدة لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون… تمر عليهم لحظات كثيرة، ينكصون فيها إلى البئر السري العميق في ذواتهم كي ينقذهم ولو قليلا من الحيرة التي تنتابهم…”!
ثم يبشرنا فجأة بالفرج في الصفحة 194: “يا بني إن جاءت الفتنة فالزم بيتك وانتظر الفرج- ومن سينتصر في النهاية؟ لقد تعبنا من حكم مملكة الظلام لآلاف السنوات، ولو عرفت بسر “لا حول ولا قوة إلا بالله”، لأدركت أنه لا نصر ولا هزيمة، ولهذا أقول لك- الرحمن على العرش استوى-، فابحث عن عباده المخلصين تكن من الناجين!”.
كما لو أننا استعرضنا فصول هذه الرواية الشيقة لوجدنا أنها مختارة بطريقة تجعلنا ندرك حيثيات الأحداث والتفاصيل، وتكاد بخفة ملحوظة أن تدخلنا في الدهاليز والمنعطفات: “خيمياء معطلة- دفائن محروسة- عين ثالثة- بحر ميت- ذهب عصملي- أرض مجوفة- رؤوس مفخخة- أحاسيس معدنية- ممالك خفية- نشوات عارمة- زواحف بشرية- إشارات علوية- خيوط نورانية…
في الفصل الأخير بعنوان “إشارة وتوضيح”، يتنصل الكاتب بذكاء ودهاء من مجمل أحداث روايته قائلاً: “في خريف العام 2015 فوجئت برواية منشورة في بيروت تحت عنوان –الفردوس المحرم- ولا تحمل مني غير اسمي كما يبدو، فلا علاقة لي بها في حقيقة الأمر، إذ كانت هذيانا وتقاطعات واستحضارات من بعض ما قرأت في كتاب الأسرار والأنوار”(ص.201)، ويستطرد قائلا… فالأمر كله محض تهيؤات وخيال حسب ما أخبرني به طبيبي النفسي في مستشفى الرشيد بعمان!(ص.202).
هكذا ينهي يحيى القيسي روايته المدهشة التي تشكل مزيجا من السرد التقريري الوثائقي والاكتشافات العلمية والسحرية الواقعية والهذايانات الأسطورية، ونراه يغوص بنا وكأنا نشاهد فيلما سينمائيا لافتا، وقد تزامنت قراءتي لهذه الرواية مع مشاهدتي لتحفة المخرج الألماني “فيم فاندرز” “أجنحة الرغبة”، هذا الفيلم العبقري الذي يفيض بالشاعرية الحلمية والهذيانات الذاتية الشيقة ، على خلفية الأحداث التاريخية لمدينة برلين الجميلة والحنين الجارف لها، وقد تم استبدالها هنا ربما بعمان الجذابة!