صياد النسيم


محمد المخزنجي*

كمهندس‏،‏ طالما أملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر لي مطلقا أن أرفع درجة الحرارة داخل البيت ‏17‏ درجة مئوية متعمدا قالها حسن فتحي‏،‏ وقد كانت لديه القدرة والوسيلة كمهندس معماري كبير أن يفعل ذلك في تصميماته وأبنيته‏،‏ وبقدر ما نجح في ترك تراث مبكر التأثير في العمارة البيئية في العالم‏.‏
بقدر ما وضعت في وجهه العراقيل ليفشل لدينا‏،‏ فما بالكم بواحد مثلي‏،‏ ليس مهندسا وليس معماريا كبيرا ولا شهيرا‏،‏ بل مجرد محاسب مهتم بقضايا البيئة‏،‏ قدم ابتكارا يعيد تأهيل تلك المساكن التي ابتلانا بها من لن يسامحهم الله فيها أبدا‏،‏ فهي مساكن تطيح بكل البديهيات التي تخفف الحرارة داخل البيوت في بلدنا الذي صار ويصير حارا أكثر مع الوقت‏،‏ وقد هداني الله للفكرة المنقذة‏،‏ وعكفت على تأصيلها‏،‏ ونجح نموذجها التجريبي في شقتي القبلية التي تبهظ حرارتها الروح‏،‏ فحولها إلى بحرية ترد الروح‏،‏ لكنها انتكست قبلية من جديد‏،‏ ولسبب شبه هزلي وضعه الواقع أمامي‏،‏ عنوانه دودة بشرية تزحف على الأرض بسرعة دراجة منطلقة على الأسفلت‏،‏ ووراءه قرداتي كالح وقرد مقروح وكلب أغبر‏،‏ ومساخر أخري‏،‏ لن تصدقوا؟‏!‏ دعوني إذن أحكي الحكاية‏،‏ على الأقل لأفضفض‏،‏ فالفضفضة تريح‏..‏ وتروح‏…‏ 
‏…………………‏ 
شقتي كانت قبلية‏.‏ قبلية بكل غرفها وصالتها على واجهة تشويها شمس مسعورة من الشروق حتى الغروب‏.‏ تتحول الواجهة بجدرانها ونوافذها التي من الألومينيوم والزجاج إلى فرن بلا نار‏.‏ فرن يشع حرارة ثقيلة تنتشر وتزهق روح الشقة كلها وروحي‏.‏ وكنت لو فكرت في قليل من الابتراد بفتح النوافذ بعد غروب الشمس عندما تبدأ درجة الحرارة في الانخفاض فإنني لا أهنأ حتى بنصف نسمة‏.‏ يدخل بعوض المساء وذباب النهار والليل وتهجم روائح عوادم السيارات والدراجات النارية وضوضاء محركاتها وزعيق البشر‏.‏ وتتحول شقة العمر التي دفعت فيها كل أملك إلى كابوس في جحيم خانق‏.‏ وكنت قد أعددتها لأتزوج فيها في عمر الثلاثين‏.‏ 
ماذا كنت أفعل ؟ ظللت ألوم نفسي بلا انقطاع لعدم انتباهي واختيار شقة تكون واجهتها بحرية في بلد تكاد تكون كل مواسمه صيفا‏.‏ موسم طويل حار يبدأ من الثلث الثاني من الربيع ويتقد طوال الصيف ولا يغادر في الخريف بل لا يختفي حتى في الشتاء‏.‏ صيف يستغرق ثلاثة أرباع السنة تقريبا بل العام كله باستثناء أيام نادرة خاطفة تمطر فيها الدنيا أو يزقزق البرد‏.‏ ثم إن أكثر من مليوني سيارة لاتتوقف عن دهس شوارع هذه المدينة المتورمة بلا انقطاع نافثة في صدرها الذي انعدمت رئاته الخضراء غازات عوادمها وحرارة هذه العوادم‏.‏ يسكنها عشرون مليونا يشهقون من صهدها ويزفرون صهدا وينضاف إليهم أكثر من خمسة ملايين يتدفقون عليها كل نهار ولا يغادرون إلا في الليل‏.‏ يشاركون في إحياء مهرجان الصهد المكلل بمئات آلاف أجهزة التكييف التي لا تتوقف كمبروسوراتها عن طحن الهواء لتنفثه باردا داخل البيوت وتخرجه زفرات ساخنة ورطبة تزيد طين التلوث بلة‏.‏ تتحول المدينة إلى جزيرة حرارية جهنمية لا رحمة فيها حتى مع حلول بعض الرحمة في المساء‏.‏ ماذا كنت أفعل؟ 
عليك بالبلاك آوت‏.‏ سمعت النصيحة وضحيت ببهجة ألوان وزهور الستائر الرقيقة التي انتقيتها خفيفة لطيفة ليضرب فيها ضوء النهار فترسم حديقة منيرة بطول الواجهة وكل النوافذ لتسر قلب من كنت سأختارها زوجة‏.‏ بطنت ستائر الرقة بأثقال قماش البلاك آوت الكتيم فخف الحر قليلا لكن الدنيا صارت عتمة في عز النهار‏.‏ عتمة كانت تشعرني بأنني سجين ومحاصر فتضيف إلى عصبيتي وسوسة مخبولة تجعلني لا أكف عن رفع أذيال الستائر ليدخل ضوء النهار برهة‏.‏ برهة خاطفة أرنو فيها إلى الحياة في الخارج فأندفع لا إراديا وعلي غير طبيعتي في إطلاق سيل من شتائم مقذعة لكل ما أبصره ثم أسدل أذيال الستائر بعنف‏.‏ ولا أكف عن تكرار ذلك لا إراديا‏..‏ حتى خفت أن أجن‏.‏ 
في ذروة موجة من تلك الموجات الوسواسية رفعت ذيل ستارة البلاك آوت‏.‏ حدقت بغل في وهج ضوء الشمس الحارق خارج الزجاج‏.‏ ومسحت بنظرة حقد طويلة ملامح الشارع المعادي والدنيا المستعرة ومكثت أشتم وأشتم وأشتم وكأنني أتلذذ ببذاءة الشتائم وأنا شبه عار أتصبب عرقا‏.‏ لكنني فجأة سكت‏.‏
ثبتت عيناي على زاوية رؤية رحت معها أندهش وأنتعش‏.‏ اكتشف كأنما لم أرها من قبل‏:‏ مدخنة مطعم الفلافل في الطابق الأرضي بعمارة قريبة‏!‏ تبرز من جانب واجهة المطعم ثم تصعد فضية لامعة تغلفها رقائق الألومنيوم وتواصل صعودها ملتصقة بواجهة البرج السكني حتى تتجاوز سطحه بعد الطابق الخامس عشر‏.‏ كيف غابت عن بصري هذه المدخنة من قبل؟ وكيف تأخرت الفكرة؟ أخذت أقرع نفسي لكن بجذل‏!‏ 
فكرة فكرة فكرة‏.‏ همست لنفسي متهللا وأنا أودع بنظرات حانية المدخنة الرافلة في البريق الفضي‏.‏ أفلت طرف ستارة البلاك آوت في دورة راقصة فاختفى وهج الضوء الخارجي وعادت العتمة‏.‏ لكنني في هذه العتمة كنت أضيء متوهجا بحماس داخلي لفكرة كأنها هبطت على مكتملة وراحت تستحوذ على كياني المأخوذ كله‏.‏ فكرة تتعلق بمسلمة ارتفاع الهواء الساخن وهبوط البارد في كل المداخن لكن بشكل معكوس‏.‏ كيف تكون هناك مدخنة مضادة تستدرج الهواء البارد وتهبط به لتهوية المساكن وتبريدها مع ترك منافذ لطرد الهواء الساخن إلى الخارج وأعلى.‏ استشعرت داخلي يقينا مؤكدا في العثور على مدخنة مضادة من هذا النوع‏.‏ وانتعشت في ذاكرتي أحاسيس الابتراد والطراوة في مناور التهوية وآبار سلالم العمائر القديمة بوسط البلد مهما كان حر الشوارع متقدا‏.‏ عكفت من فوري على تأصيل حدسي بالقراءة في الهندسة والفيزياء والعمارة لأفهم أسرار حركية الهواء التي تشكل تلك المعارضة البديعة للقيظ‏.‏ لكنني عندما قرأت فصل العمارة والمناخ للعبقري المصري المغدور حسن فتحي في كتابه عمارة الفقراء اكتشفت أنني كان يمكنني اختصار ذلك الكدح الذهني كله والذهاب إلى تجسيد فكرتي مباشرة وبثقة في تنفيذها ونجاح النتائج‏.‏ 
حكى حسن فتحي عن زيارته لقرية القرنة لأول مرة في منتصف الصيف‏.‏ وكيف أنه اضطر للجوء إلى الظل ليحتمي من الشمس الحارقة فدخل مضيفة قريبة‏.‏ وفوجئ داخل مقصورتها بتيار بارد منعش من الهواء انبرى في البحث عن أسراره وتفسيره‏.‏ واكتشف أن هذا التيار كان سببه بناء المقصورة وظهرها إلى الريح الشمالية الباردة‏.‏ وقد فتح بناؤها التقليدي العبقري البسيط للريح فتحات صغيرة في صفين بأعلى الجدار‏.‏ كانت تلك اللمحة تخالف الشائع في التطبيق المعماري الذي يجعل الفتحات الكبرى في مواجهة الريح لاصطياد أكبر قدر من الهواء‏.‏ ولأن حسن فتحي كان عالما بصيرا ومتشعب المعارف فقد أدرك أن ذلك الإلهام الموروث يتسق تماما مع مفاهيم ديناميات أو حركية الهواء الحديثة في نظريات الفيزياء‏.‏ حيث أن انسياب الهواء من فوق ومن حول الفتحات الصغيرة كان كفيلا بخلق فارق ضغط بين داخلها وخارجها يشد تيارا هوائيا ثابتا عبر هذه الفتحات ويدفع به إلى داخل المقصورة‏.‏ 
تكلم حسن فتحي أيضا عن الملقف أو مصيدة الريح‏.‏ ففي بيوت القاهرة القديمة تؤدي وظيفة التهوية في الأبهاء أو القاعات الرئيسية بواسطة تجهيز يدعى الملقف يصطاد الريح القوية النقية بفتحات مواجهة لجهة هبوبها من زاوية مناسبة بصرف النظر عن توجيه البيت‏.‏ ويكتمل ذلك الملقف بتصميم خاص للغرفة ليكون مركزها المسمى درقاعة عاليا جدا بما يجذب الهواء الساخن عند القمة فيسهل طرده‏.‏ وكنت وأنا أمعن في قراءة ذلك مشغولا بفكرتي‏:‏ كيف أصنع مصيدة هواء خاصة بي‏.‏ خاصة بشقتي المبنية ضمن ملايين الشقق مثلها بتصميمات رديئة تخفض ارتفاع السقوف فتشل حركة دوران الهواء فيها كما أنها لاتعبأ بتوجيه مناسب كان أبسط البنائين القدامى يعرفونه‏.‏ شقتي وملايين الشقق الحديثة مثلها لم يكن يعبأ مقاولو بنائها وتابعوهم من المهندسين والمصممين إلا بالتوجه نحو الربح‏.‏ الربح الفاحش والبذيء من أبراج سكنية دميمة متلاصقة تسد باب الريح الشمالية الطيبة بمؤخراتها الأسمنتية القبيحة وتفتح باب جهنم للجزر الحرارية التي تشعل حرارة شوارعها بحمي انتشار أجهزة التكييف الأجشة‏.‏ 
توصلت بعد شهرين من الانهماك الكامل في أعقاب التماع الفكرة برأسي إلى تصميم مدخنتي المضادة‏.‏ ألهمني حسن فتحي بدراسة كثير من ابتكارات التراث المعماري العظيم في البلدان الحارة بمنطقتنا لجعل البيوت أحني على ساكنيها وأهنأ بالظل والنسيم‏.‏ تأملت المشربيات وشيش النوافذ وباجادير بيوت الخليج القديمة وشراعات البيوت النوبية المزخرفة وشناشيل العراق‏.‏ وصممت بكل ذلك الإلهام مصيدة للهواء تعيد تأهيل شقتي المعاقة هذه ومئات آلاف او ملايين الشقق مثلها‏.‏ سرني أن شقتي في الطابق الثالث بينما العمارة كلها لاتزيد عن خمسة طوابق وارتفاع كل طابق لايزيد تبعا لتسميم لا تصميم أيامنا هذه عن مترين وخمسة وسبعين سنتيمترا‏.‏ والأنبوب الذي فكرت فيه لن يزيد طوله عن عشرة أمتار بقطر نصف المتر‏.‏ يخرج من قمرية أفتحها بمنشار صاروخ في جدار الريسبشن ثم ينحني ليصعد متسلقا واجهة العمارة إلى السطح‏.‏ وعند السطح ينحني أفقيا بزاوية‏90‏ درجة‏.‏ يفتح على فضاء السطح ببوق واسع كأبواق الجراموفونات القديمة وفوهته مغطاة بما يطابق شيش يحقق أعجوبة الفتحات الصغيرة في استدراج الريح‏.‏ وهذا البوق يسهل تحريكه عنقه بارتكازه على مجرى دائري ليتخذ اتجاه الشمال الغربي‏.‏ الجهة التي يهب منها تيار الهوا البحري الأبرد والأكثر إنعاشا‏.‏ وبالطبع سيكون الأنبوب مغلفا برقائق ورق الألومينيوم ليعكس بريقها المعدني أشعة الشمس فلا يسخن الأنبوب ولا يتلف ابتراد ما يهبط فيه من نسيم أحببت تسميته‏:‏ نسيم الصبا‏.‏ وخطر لي ببهجة غامرة أنه إذا جاءتني بنت من زواجي المرتقب سأسميها صبا‏.‏ وفي غمرة ابتهاجي كنت منشرحا نشوان أناديها وأدللها قبل أن تجيء‏:‏ صبا‏.‏ صبا‏.‏ صبا‏!‏ 
ومنشرحا نشوان رحت أضيف إلى ابتكاري غطاء شبكة دقيقة وغير معوقة على مدخل الهواء البارد في الشقة تمنع دخول الحشرات وفوقها غطاء قمرية جميل‏.‏ بل قمريتان لا واحدة قلتها لنفسي بصوت مسموع مستدركا ومستنكرا نسياني لأمر بديهي إلى هذا الحد‏.‏ لابد من فتح قمرية ثانية تناظر قمرية فتحة أنبوب نسيم الصبا وتكون أعلى منها لإخراج الهواء الساخن وتدعيم دوران الهواء وتجديده في الشقة‏.‏ وسأغطي قمرية فتحة دخول النسيم بباب لطيف مستدير من الحديد المشغول تتوسطه عبارة شباك النسيم بخط فني جميل وسط شبكة من أغصان مورقة ويطلي بأزرق فيروزي فاتح بنكهة ألوان الباستل المفرحة‏..‏ وبنكهة ألوان الباستل المفرحة أيضا وإن ببرتقالي فاتح يكون طلاء غطاء الحديد المشغول لقمرية خروج الهواء الساخن التي لم أعثر لها على تسمية‏.‏ 
كنسيم الصبا راحت أفكار الابتكار تتجسد بسلاسة ولطف بالغين وفي زمن قياسي‏.‏ استغرق التنفيذ شهرين وحتى مشارفة الابتكار وتجهيزاته على الاكتمال لم أكن توصلت لتسمية أراها لائقة به‏.‏ كنت مصرا على تنفيذ الجهاز في ورش الخراطة وأعمال المعادن بحي الحسينية في مدينة نشأتي وزهرة عمري المنصورة‏.‏ المدينة الجميلة التي غادرتها فلم تغادرني‏.‏ ولا تزال تسكن روحي برغم ما لحق بها وبي من تغيرات‏.‏ ظلت ولاتزال داخلي بتذكارات كورنيشها البديع ونيلها وفلايك الفسحة وممشى جسرها العتيق ومقاهي الضفتين النظيفة الأنيقة وجميلات صباياها اللائي كن يخطرن عطرا وألقا على حواف القلوب‏.‏ وكانت تهب على وأنا أقلب ذكريات المنصورة في نفسي نسائم غامضة تنعش الروح وكأنها قادمة من مكان وزمان بعيدين وقريبين في آن‏.‏ وطلبت من اسطوات ورشة الصاج في المنصورة أن يدمغوا حافة بوق النموذج الأول من جهازي بحروف كبيرة غائرة وواضحة‏:‏ صياد نسيم المنصورة‏…………………‏ 
نجاح لايصدق‏.‏ ثمة من نصحني بتسجيل براءة اختراع تحفظ لي حقوق الملكية الفكرية وتدر علي الكثير من المال والشهرة لكنني اكتفيت بأن أكون رائدا للفكرة وأول من يشمله نسيم صباها لطيف الابتراد‏.‏ أول شقة قبلية خانقة يعاد تأهيلها لتصير بحرية دون أي تعديلات معمارية ودون استهلاك أية طاقة‏.‏ صارت شقتي مزارا يؤمه عند العصاري مهندسون معماريون وأصحاب مكاتب ديكور وباحثون في شئون البيئة وكثرة ممن يعانون حرارة بيوتهم ذات الواجهات القبلية وغير القبلية‏.‏ أذهلهم شلال نسائم الهوا البحري المنساب من الأنبوب والمتدفق من شباك النسيم‏.‏ أكدوا متحمسين أنهم سيحولون مساكنهم إلى بحرية الهوا على غرار شقتي المكيفة بلطف دون مراوح تئز ولا أجهزة تكييف تطن‏.‏ لكن كل ذلك الحماس الذي لمسته لدي من عاينوا أعجوبتي لم يتحول إلى تنفيذ فعلي‏.‏ ولا تفسير لدى إلا أنه كان ولايزال استسهال تركيب أجهزة التكييف والطمع في ابتراد أزيد دون حساب للأعباء البيئية والاقتصادية والعواقب على الصحة‏.‏ ولم يحبطني ذلك‏.‏ 
كنت مشبعا برضا الحصول على هذا القدر من النسائم النقية دون أعباء ولا عواقب‏.‏ وكنت أراهن على الأفهام والمستقبل‏.‏ صارت الشقة بحرية برغم ابتعادها عن البحر بثلاثمائة كيلومترا وطابت لي أماسيها في عز صهد الصيف‏.‏ بات نعاسي فيها أسرع وأنعم وأعمق دون ضوضاء تكييف أو أزيز مروحة أو ضجة وتلوث هواء شارع تنفتح عليه النوافذ حتى لو كانت بحرية الاتجاه‏.‏ وكان صياد نسيم المنصورة لا يصطاد لي نسيم الصبا وحده بل يصطاد لي مع النسيم أحلاما ناعمة توشي نومي الذي صار نعيما‏.‏ وعادت لي هبة كنت أملكها من أيام الطفولة والصبا في المنصورة أستطيع بها أن أشكل أحلام نومي على ما أحب وأهوي‏.‏ كانت أحلام نسيم المنصورة متعة‏.‏ وصارت أحلام صياد نسيم المنصورة متعة أيضا وإن بغير ما كان من سخاء‏.‏ لكن النعمة لاتدوم‏!‏ وكيف كانت تدوم داخل فقاعة نقاء ورحمة تضطرب على موج محيط هائج ملوث؟‏
‏……………………………‏ 
بعد شهر واحد من ربيع الشقة الاستثنائي تسلل إلي في قلب فقاعة نسيم الصبا عوضا عن الحلم كابوس‏.‏ كابوس مفزع‏.‏ رأيت أفعى أناكوندا عملاقة تهبط من شباك النسيم‏.‏ دفعت غطاء الحديد المشغول ذا اللون السماوي الفاتح وانزلقت بكامل طولها إلى أرض الريسبشن وراحت تتجه نحوي‏.‏ جسمها الأسطواني العضلي المخيف راح يشع بالقدرة المرعبة على الالتفاف والاعتصار‏.‏ عيونها ثابتة التحديق جمدتني رعبا وتثاؤب أشداقها أرعش جلدي بشعور من يتم ابتلاعه‏.‏ أخذت أتراجع بظهري أمامها من الريسبشن إلى الردهة إلى غرفة النوم وهي تزحف نحوي ببطء ثقيل قاتم وقاتل‏.‏ وفي الركن حاصرتني وما إن أحسست بجلدها المحرشف الزلق يلمسني حتى صرخت‏.‏ وعلى صوت صرختي استيقظت فسمعت قرقعة تأتي من جهة شباك النسيم‏.‏
ولم يكد المبتكر ينعم بنسيم ابتكاره، حتى داهمه كابوس رأى خلاله أفعي أناكوندا عملاقة تهبط إليه من شباك النسيم وتطارده لاعتصاره وابتلاعه، وما إن يلمسه جلدها المحرشف الزلق حتى يصرخ مرتاعا وعلى صوت صرخته يستيقظ.
تصورت يومها للحظات أنني لم أكن أحلم بل أرى. كان أثر النوم والكابوس ماثلين في وعيي بما يشبه اللاوعي. لم أفكر في لامنطقية مجيء حية أناكوندا ليست موجودة أبدا في أحراش مصر فكيف تكون في مدنها. خفق قلبي وجلا وأنا أتقدم بحذر في الصالة المظلمة ثم أضأت النور فارتبكت قبل أن أستوعب ما أراه. كانت هناك رأس رجل أغبر كالح تطل من فتحة شباك النسيم في الجدار بعد إزاحة غطائها الذي سقط على الأرض وتدحرج مستقرا في الركن. أخذ الرجل يناديني بعد أن توقف عن تملصه اليائس داخل الأنبوب وقد وضح انحشاره فيه. كان يستجدي: انجدني يابيه الله يسترك.. أنا حرامي وابن حرام وطالب السماح. انجدني يابيه.
مستريبا هممت بالتراجع باحثا عن شيء أدافع به عن نفسي. لكن نظرة ثانية إلى وجه المحشور جعلتني أتوقف ممسكا بظهر مقعد من مقاعد طاولة الطعام وأخذت أتقدم بحذر دافعا المقعد أمامي متأهبا لرفع الكرسي وضرب رأسه إن نجح في التقدم والهبوط لمهاجمتي. وسرعان ما تبينت عجزه عن التقدم أو التقهقر. لقد انحشر وهو يزحف على بطنه في المنطقة التي يتقوس فيها الأنبوب ليصعد نحو السطح. صار رأسه مع الصدر والبطن في الجزء الأفقي من الأنبوب وتقوس ظهره بشكل غير طبيعي تاركا نصفه الأسفل مقلوبا في الجزء الرأسي الصاعد.
آه يابيه. آه يابيه. محصور موت يابيه فاجأني صراخه الملتاع. شعرت بغضب وقرف دفعاني إلى الزعيق بقسوة لم أكن أتصورها في نفسي: وحياة أهلك لو عملتها ووسخت الدنيا لأقلع عينيك. وما إن أنهيت تهديدي حتى ساد صمت مطبق. وفي الصمت والعتمة الخفيفة للشقة الخالية تسلل إلى سمعي صوت غريب. أليم وجارح ومكبوح. كان الرجل المحشور يبكي كاتما بكاءه. عيناه تفيضان بالدموع والدموع تتساقط على بلاط البورسلين الأشهب المصقول مباشرة من العينين دون أن تسيل على وجهه الذي كان منكفئا في تعلقه. كان لتساقط الدموع صوت واخز: تك تك تك تك. رشقني بانفعالات متضاربة.
أسرعت مرتبكا إلى الحمام وأحضرت دلوا من دلاء البلاستيك ورفعته بين يدي تحت فتحة الجدار التي يطل منها رأس المحشور. شجعته بعصبية يختلط فيها الغضب بالضحك الذي أخذ يغالبني اتفضل جنابك. فك نفسك. وخدش الصمت صوت رشاش مكتوم في عمق الأنبوب تبعه ورود سرسوب البول المنساب تحت ذقنه. يتساقط ضاربا قاع الدلو بخرير مجسم يتصاعد عنه بخار حامض. لم يكن لي أن أفلت الدلو أو أوقف ما سمحت بانطلاقه. ومع صعود موجة تقززي وحنقي انفلتت مني بصقة في وجه اللص. وما كدت أحس بالألم والندم لقذف وجه إنسان بمثل هذه البصقة حتى أذهلني وجه المحشور يضيء بانشراح غريب. ويتنهد مرتاحا ثم يردد: خلاص يابيه. موتني بقي. والله بجد. موتني.
اندهشت. جعلني تأملي للوجه المنشرح والمفارقة في طلب الموت بكل هذه الوداعة أنتفض ضحكا. هبطت بالدلو المرتج بين يدي من استمرار ضحكي ووضعته على الأرض. تراجع سرسوب البول ولم يعد غير نقاط تتساقط في الدلو بتباعد صوت مجسم: طق طق طق طق. وما إن شعرت بتحرري من عبء الدلو وقرف المهمة حتى ارتميت مسترخيا على سجادة الأنتريه ووجهي يطل على وجه المحشور المطل من الجدار. وكان ذهني يصوغ المشهد: رجلان مرتاحان في مفارقة غريبة يرنو كل منهما إلى الآخر.
…………………………
ممكن أشرب يابيه نطق بها المحشور فانفجرت أقهقه ضاربا كفا بكف وأنا أتمرغ من شدة الضحك. ورددت في ذيل ضحكي شاي والا قهوة حضرتك؟ وأجاب بهدوء وتواضع عميقين: الشاي صعب. الميه كفاية ورضا قوي. وفي طريقي لإحضار الماء فكرت في عسر المهمة لو أراد المحشور أن يشرب بطريقة عادية من كوب أو زجاجة. خطر ببالي أن الارتشاف بواسطة شلمونة سيكون أنجح ولن يعرض الماء للانسكاب على الأرض. انتزعت من علبة عصير صغيرة في الثلاجة شلمونتها ليشرب بها المحشور الماء من كوب أحمله إليه. لكنني تبينت أن علبة العصير لم تعد مجدية بغير الشلمونة فرفعتها نحوه. دسست الشلمونة في فمه فاستغرب لها ثم بدأ يمتص العصير من العلبة التي رفعتها قرب فمه. كان مع كل رشفة يشدها تتسع عيناه انبهارا حتى تبدوان وكأنهما ستخرجان من محجريهما. فرغت العلبة وصدر عن تشفيط الشلمونة في قاعها صوت بقبقة خشنة أوقفت المحشور عن الشفط وفتح فمه بابتسامة شاسعة. فم واسع على أسنان محطمة شغل معظم وجهه الممصوص فبدا كوجه مهرج مشدود الشفتين في قوس كبير ضاحك يستدعي ضحك من ينظر إليه. جلجلت بالضحك فراح المحشور يضحك على ضحكي. رجلان يقهقهان في مشهد غريب أنهيته هابطا بعلبة العصير مستمرا في الضحك. وموشٍ بتهدجات الضحك وجدت نفسي أسأل المحشور وانت حرامي من إمتى ياسي حرامي؟
حرامي ؟! أجاب المحشور على السؤال بتساؤل أسيف وملامح حطمها الأسي. لعل فاصل الضحك المشترك بيننا أوحى إليه يومها بأنه وجد صديقا ضرب معه صحبة وسيجد طريقة تخرجه من محشره: كدا برضو ياباشا ؟ تساءل بانكسار وحزن. كنت في حالة استرخاء جعلتني أتمدد على سجادة الأنتريه في الركن الأقرب من إطلاله عبر الجدار. ومن رقدة استرخائي القريبة ساءلته بسخرية حاولت أن تكون نبرتها مازحة: أمال يعني مفتش مباحث. طبعا حرامي. واديك متلبس. لا يا سعادة البيه أجاب بتنهيدة شخص يريد أن ينفس عن أساه بالحكي. وكنت راقدا على السجادة مسترخيا متوسدا يدي وواضعا ساقا على ساق أريد لو أتسري أنا الآخر بالحكي..
…………………………
شوف يا سعادة البيه افتتح حكيه بهذه العبارة الداعية إلى التشويق والفرجة. وراح يحكي كيف أنه بدأ في التاسعة يعمل في حدادة السواقي. تخصص نظرا لنحافته ومرونته في أن يكون صبي برشام. يزحف مادا السندان الذي يحمله بين يديه ويدخل به في حلزون الساقية بعد تثقيب حواف أجزائها وتركيبها تركيبا أوليا. يوجهه الأسطى من الخارج بالزعيق وبضربات يديه على الصاج الذي يكون جديدا لامعا بلون الفضة وله دوي. يدخل الأسطى سيقان البرشام المعدنية في الثقوب الواصلة بين شرائح الصاج المتقابلة ثم يبدأ في دق رؤوسها بالمرزبة من الخارج بينما الصبي يصد أطراف سيقان البرشام بالسندان من الداخل. تتبطط سيقان البرشام وتوثق الصاج بالصاج فتتماسك ساقية. نهارات طويلة مضت مع الدق الذي يضرب كالرعد في أذني الصبي داخل متاهته المعدنية وهو يواصل الزحف والصد بسندان حديدي ثقيل على يديه الصغيرتين. ومع السنين ونمو القوة في الأذرع التي مكثت نحيلة وبرغم تكيف السمع مع رعد الدق صار السندان أخف لكن الزحف صار أصعب. وما أن أوشك على الترقي في حرفته والانتقال إلى مرتبة أسطي برشامجي يعمل من خارج السواقي حتى هبطت طلمبات الري ذات محركات الديزل على حواف الترع ورؤوس الحقول. وبارت صنعة السواقي..
لخص لخص.. طلبت ضائقا منه أن يوجز هذا الفصل من حكايته. توقعت أنه فصل كئيب ومثقل بالغم وكنت لا أريد الغم في هذه المفارقة. وراح يلخص وإن بغم لا يستطيع الفكاك منه… كان في الخامسة عشرة يوم بارت سوق السواقي وهو لايعرف صنعة أخرى. لم تكن لديه أية مهارة يثق فيها غير بقايا قدرته على الزحف متمعجا مثل دودة. دودة بشرية استثنائية في حركتها على الظهر أو البطن أو الجنب كان يبهر بها أقرانه عندما يسهرون للمسامرة في جرن القرية التي لم يعد يغادرها وهو عاطل. وعندما حل قرداتي على هذا الجرن ذات نهار بصحبة قرد وكلب وكان يحمل خرجا متسخا على ظهره. دفع الأولاد بابن قريتهم ليقارع بمهارته حذق القرد في تقليد نوم العازب وعجين الفلاحة واستلقاء العروس في ليلة الدخلة. لمح القرداتي ببصيرة مستقبلية أعجوبة الولد الذي يكتسح الأرض الترابية بحركة دودية زاحفة بسرعة دراجة منطلقة على الأسفلت. صفق وأعلن ضمه إلى فريقه الذي كان مجرد قرد واحد يرتدي قبعة صغيرة من القش وكلب أغبر بإطار نظارة فارغ على عينيه وببيون أحمر مترب في عنقه ولم يكن يفعل شيئا سوي عرض قصير للمشي بضع خطوات منتصبا على قائمتيه. ثم يقع منزويا ساكنا بجانب الحلقة تطرف عيناه مغالبا النعاس.
دار الإنسان الدودة العجيبة كما كان يقدمه القرداتي في عروض فرقته من قرية إلى قرية ومن سوق إلى سوق ومن ميدان إلى ميدان خمس سنوات كاملة. خمس سنوات من الحركة الدودية الزاحفة بعدها بدأت فقرات ظهره تتآكل ويتراكم ألمها. ألم عاصف كان يجبر الإنسان الدودة على الإبطاء في زحفه الذي صار متقلصا وكئيبا فألغي القرداتي نمرة الدودة العجيبة وطرد صاحبها مكتفيا بتمثيل قرده ورقص الكلب. هام صاحبنا على وجهه تلطش له الدنيا ويلطش فيها وفي آخر الليل يبحث عن مكان يبيت فيه. وفي تلك الليلة نجح في التسلل إلى سطح عمارتنا فأبصر ذلك البوق مغطي الفوهة بشيش دائري أنبوبه الهابط يصل حتى واجهة شقتي في الطابق الثالث فأدرك بخبرة الصبي الزاحف داخل حلزون السواقي أن الفرصة تناديه. قرر أن يضرب ضربته بآخر ما في ظهره الموجوع من مهارة دودية. يهبط للسرقة زاحفا عبر البوق وقناته ويعود بالمسروقات زاحفا إلى السطح ثم متساحبا على الدرج إلى الشارع. إلى الحياة التي تنتظره وينتظرها. يبيع ما سرقه ويعود إلى قريته ليشتري جاموسة تربيها أمه المعدمة. تحلبها وتبيع حليبها أو تصنع منه جبنا وزبدة وقشدة. ويعيش عمدة حتى آخر أيام حياته. لكنه انحشر.
…………………………
اكتشفت يومها أن الحكاية كلها تعيسة وأن المحشور ليس وحده الواقع في مأزق فأنا أيضا في مأزق. فالرجل محشور حشرا محكما ولن تزحزحه من مكانه إلا قوة جذب عنيفة وشديدة. لكن هذه يمكن أن تقصم ظهره فيهبط مشلولا على أرض شقتي وأحار كيف أتصرف فيه. وإن نزل سليما ربما تتجلى خافيته الإجرامية التي موهها بحكايته البائسة تلك. يكون معه مطواة يهاجمني بها فيصيبني أو يورطني في ارتكاب جريمة هيهات أن أثبت أن ارتكابها كان دفاعا عن النفس. ولو أنني رفعت سماعة التليفون وطلبت الشرطة ستأتي في ضوضاء وتذهب في ضوضاء وأعلق في محاضر ونيابة ومحاكم وابتزاز محام لايشبع. وبينما أنا في موقف الحيرة وجدت المحشور كأنما بتخاطر غامض يلقي إلى باقتراح جدير بالتجربة زقني يابيه. زقة لورا وأنا أكمل!
وجدتها يا أستاذ دودة ؟! رددتها يومها متهللا وذهبت إلى شرفة المنشر محضرا كرسي الزان الذي ينطوي فيصير سلما. اعتليته بثبات لأتمكن من دفع كتفي الرجل إلى الخلف وإلى أبعد مدي داخل الأنبوب لعله ينجح في التقهقر والابتعاد عني. وبينما رحت أدفع كنت أعزم مستدعيا أقصي قواي هيييييييي فيجاوبني المحشور هيييييييي. كأننا معا كنا ندفع عربة مغروزة في طريق موحل. وحين بدا أن كل هذا التعزيم يذهب سدي حدثت انزلاقة مباغتة إلى الخلف فهتف المحشور مستبشرا يا هادي. وبسرعة دودة بشرية ذات قدرة مذهلة على الزحف إلى أعلي وضد الجاذبية الأرضية بمصاحبة تأوهات منتظمة آه آه آه آه اختفى من شباك النسيم. لم يعد يدل عليه غير صوت زحف وئيد وتأوه متواتر يبتعدان ويخفتان. بعدهما صدرت من عمق الأنبوب قرقعة وصوت خبطات فتنهيدة حارة نائية. ثم جاءني صوته يزعق من بعيد عبر الأنبوب: مشكرين ياباشا. إلى اللكاء. إلى لكاء كادم. ولم يعد هناك غير صمت الليل.
…………………………
أي لقاء؟ أي لقاء قادم ؟ جعلتني وسوسات الوحدة وهواجس آخر الليل أذهب إلى قراءة ذلك الوداع لا كعبارة خالية من معناها الأقرب في عقل إنسان بسيط يردد لازمة سمع في مقهي ما أو غرزة ما مذيعو ومذيعات التلفزيون يرددونها مبتسمين ومبتسمات عند نهاية برامجهم.. يظن أنه بها يرد الود بثكافة إلى إنسان مثكف أنقذه مرتين. من الحشر مرة ومن السجن مرة. بل قرأتها كوعيد يعلن فيه اللص عن معاودة المحاولة. لم أره في هذه اللحظة عقب اختفائه إلا لصا. ولم أر في حكايته التي سردها وهو محشور إلا تلفيقا طريفا يحاول الإفلات به من جريمة التلبس باقتحام مسكن خاص بهدف السرقة. استولي على حينها أن هذا اللص أو لص آخر سيعاود التسلل عبر البوق والأنبوب إلى شقتي واقتحامها من شباك النسيم! فلم أنم. بقيت ساهرا أقاوم النوم حتى ضجت الدنيا بضوء النهار وأصوات الناس والعربات والحركة فخرجت منبها على البواب أن يتأكد من إغلاق باب السطح زاعما أن سرقات رؤوس أطباق الدش قد انتشرت في المنطقة. ولم أعد إلا ومعي بناء ومعه أدواته وبضع قوالب طوب وربع شيكارة بها خليط من الرمل والجبس والأسمنت. ولم أشعر بالارتياح إلا مع اكتمال سد شباك النسيم سدا محكما يصعب اختراقه. ورجعت الشقة قبلية.
…………………………
وها أنذا بعد عشرين عاما. في جوف هذه الشقة الذي لم تخمد حرارته برغم ثقل ستائر البلاك آوت التي جددتها مرتين بعد أن أذابتها وهرأتها حرارة الشمس الحارقة. ألوب عاريا وحيدا غارقا بالعرق في العتمة. أرفع أذيال الستائر الكتيمة ناظرا بعتاب أليم إلى قبح العمائر والشوارع من حولي. لم أعد أنظر بحقد ولم أعد أشتم بحرقة فقد صرت كهلا هده الإحباط والوهن. لم أتزوج ولم أنجب صبا التي حلمت بها. وأقرأ الآن بحزن أسيف عن شركات عالمية مثل بد زد البريطانية. تنفذ مدخنة مضادة لتدفئة وتهوية مساكنها الصديقة للبيئة في ضاحية بدنجتون بلندن. بها فكرة. مدخنتي المضادة نفسها. ولكنها تستدرج الهواء الدافئ من الجهة الجنوبية. عكس مدخنتي التي كانت تصطاد الهواء البارد من جهة الشمال الغربي.
* الأهرام.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *