*عادل العامل
تتحدث إليزا غريسوولد Eliza Griswold ، الصحافية والشاعرة الأميركية التي جمعت وترجمت وحررت مجموعة الشعر الأفغاني “أنا شحاّذة العالم”، عن شكل قصائد كتابها، التي تكمن أصولها في موروث شفوي يمارَس بين جماعات النساء الأفغانيات لسنين كثيرة، قائلةً، وفقاً لعرض ناتاشا حاكمي للكتاب: إن اللاندَي landay، أو الثنائية الشعرية، تمتلك خصائص قليلة فقط. فكل لاندَي لها 22 مقطعاً: تسعة في البيت الأول، و13 في البيت الثاني. وتنتهي القصيدة بصوت ” ما ” أو ” نا “. وأحياناً تكون مقفّاة، لكن ليس في الأغلب. وفي لغة الباشتو Pashto ، تتّسم بالإيقاع داخلياً من كلمة إلى كلمة في نوع من تهويدة ذات بيتين تخفف من حدة مضمونها، المتميز ليس فقط بجماله، وفطنته، بل وكذلك بقدرته اللاذعة على تبيان الحقيقة الشائعة عن الحرب، والانفصال، والموطن، والأسى، والحب. وضمن هذه المفردات الرئيسة الخمس، تعبّر الثنائيات الشعرية عن غضب جماعي، عويل، نكتة فظّة، حب للبيت، تشوّق لنهاية الانفصال، نداء للتسلح، وهي أمور تُبطل أية صورة وديعة لامرأة من الباشتون عدا أنها شبح صامت تحت برقع أزرق.
وكلمة لاندَي landay، التي تأخذ القصيدة الباشتونية الشعبية اسمها منها، تعني” أفعى سامة صغيرة “، ونجد قصائد الـ 22 مقطعاً، المؤلف الواحد منها من بيتين، تلدغ مثلما يفعل، من نواح كثيرة، هذا المخلوق المسمّاة به، تاركةً تأثيراً لأمدٍ طويل بأبياتها اللاذعة القصيرة. وبينما تتّسم الثنائيات الباشتونية في الغالب بالقوة والخفة، فإنها يمكن أن تكون أيضاً مليئة بالأسى والتشوق ــ وتلك نتائج حتمية لعقود من الحرب والخسران.
ومجموعة “أنا شحّذة العالم” هذه تتخللها صور فوتوغرافية لسيموس مورفي في أفغانستان،إضافةً إلى حكايات نادرة وتعليقات لغريسوولد تستكشف موضوعات القصائد وتشرح فكرات ، وتعابير معينة أو تاريخ أمور قد يجهله القارئ. وهو مقسم إلى ثلاثة أقسام: الحب، الأسى/ الانفصال والحرب/ الوطن، حيث تجعلنا المحررة نتعرف باختصار على حيوات الأفغانيات اليومية.
وقد استطاعت غريسوولد جمع هذه القصائد خلال السنوات العديدة التي قضتها تعمل مراسلةً أجنبية في أفغانستان، وعاشت مخاطرة عظيمة بسلامتها الشخصية وهي تنجز عملها هذا. لكنها ربما كانت تستمد بعضاً من شجاعتها من النساء اللواتي شاطرنها وغيرها هذه المقاطع الشعرية، رغم معرفتها أن قيامها بذلك يمكن أن يعني تعرضها للأذى أو الموت. فحين غزت الولايات المتحدة أفغانستان عام 2001، كما تشرح غريسوولد في مقدمتها، مُنعت النساء من مغادرة بيوتهن خوفاً من تعرضهن للاختطاف أو الاغتصاب. فكان الشعر المصدر الوحيد للتعليم بالنسبة للكثير من الفتيات الأفغانيات. ومع هذا فإن النوع الأدبي محرم على النساء في أنحاء كثيرة من البلد، خاصة حين يناقش الحب، لأنه ” يتضمن العار والإرادة المنفلتة”. وكانت النساء تتعرضن للضرب وأحياناً يُقتلن عندما يكتشف الآخرون أشعارهن الغنائية.
وتوحي ثنائيات، كالتي أدناه، بعض الأخطار وحالات الظلم التي تواجهها نساء كثيرات في أفغانستان، حتى على أيدي أفراد عائلتهن لمجرد كونهن أناثاً:
” لقد بعتني لرجل عجوز، يا أبي.
فليخرّب الله دارك، فأنا كنتُ ابنتك “.
********
” حين تجلس الأخوات معاً، يمدحن على الدوام إخوانهن.
وحين يجلس الإخوان معاً، يبيعون أخواتهن للآخرين “.
********
” في منامي، أنا الرئيسة.
أما حين أستيقظ، فأنا شحّاذة العالم “.
********
وعنوان الكتاب المأخوذ من الثنائية الأخيرة، هو ملخص لحيوات النساء الأفغانيات تفرضه منذ الولادة ثقافة استثنائية. وعلى كل حال، فإن الأخطار التي
اجهنها في موطنهن لا يتسبب فيها رجال مجتمعهن فقط، بل والقوات المسلحة الأجنبية أيضاً، كما تبيّن ذلك ثنائيات شعرية كثيرة.
ونظرة سريعة إلى انشغالات، وحب، وأسى، وغضب هؤلاء النساء تجعل القراء الأميركان يفهمون بشكل أفضل كيف أثّرت أفعال الولايات المتحدة في الحيوات اليومية لهؤلاء النساء أحياناً بصورة أفضل، لكن في الغالب بصورة أسوأ. وتُلمع القصائد هنا إلى تراث أعداء أفغانستان المتغيرين ــ البريطانيين، الروس، الأميركان ــ إضافةً إلى طالبان، التي يتبرأ منها كثيرون لطرقها الظالمة العنيفة، والتي يمكن أن يُنظر إليها مع هذا باعتبارها القوة التي تقاوم الاحتلال الأجنبي.
” ليدمّر الله طالبان وحروبهم.
فقد جعلوا النساء الأفغانيات أرامل وعاهرات “.
********
” لو لم تكن طالبان هنا ليرى العالم ما يفعلون،
فإن هؤلاء الأجانب كانوا سيكونون أحراراً في احتلال كل بلد مقدس “.
********
فهؤلاء الأجانب، ومعظمهم حالياً الأميركيون، قد دمروا قرىً كاملة بعنفهم، كما يمكن أن نرى في ثنائيات مثل:
” ليدمّر الله دبابتكم، وطائرتكم،
فأنتم الذين دمّروا قريتي، بيتي “.
********
” فليدمر الله البيت الأبيض، ويقتل الرجل
الذي أرسل الصواريخ الموجهة لتحرق موطني “.
********
” بوش لا تكن فخوراً بسيارتك المدرعة.
فقنبلتي الموجهة ستفجّرها إلى أجزاء من على بُعد “.
********
وقد أخذ الرئيس جورج بوش المسؤول عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان طريقه إلى الفولكلور الشعبي على النحو الذي يتخيله الواحد بالضبط : الشخص المسؤول عن الخراب المنزَّل على أمة بكاملها. ونجد الثنائية الأخيرة تعكس الأمر بسخرية فتعد باستخدام قنابل موجهة عن بُعد ضد الرجل الذي أرسلها من أجل أن “تحرق موطني”. بل وحتى مركز الاحتجاز الأميركي في خليج غوانتانامو، الذي يُحتجز فيه الأشخاص من دون محاكمة ويعذَّبون، قد أخذ طريقه أيضاً إلى تلك القصائد الشعبية :
” تعالوا إلى غوانتانامو
تتبّعوا قعقعة سلاسلي “.
********
وهذه القصيدة لأم كانت تبحث عن ابنها وحفيدها، اللذين اعتقدت أنهما أُرسلا إلى كوبا، وقد ذكرتْها لغريسوولد. وسألتها خلال المقابلة في كابول لماذا لم يتحقق الأميركيون من الاتهامات، التي أدت إلى اعتقال أشخاص كانوا في الغالب أبرياء. وهو سؤال لاذع ويمكن أن يشمل كل الأميركيين المتورطين في حرب أفغانستان.
وبالإضافة إلى الحرب الحاضرة في معظم قصائد المجموعة، هناك أيضاً قصائد حب، رقيقة وحسّية، مثل :
” دِسّ يدك داخل صدريتي
ولاطفْ رمانةً حمراء من رمان قندهار “!
********
” ستفهم لماذا ألبس خلاخل
حين تختار الفراش الخطأ في الظلمة ويخشخش خلخالي “!
********
وقصائد مثل هذه هي اختبار لموضوعات الحب الحسّي العالمية إضافةً للتوجع من قدوم الشيخوخة، وهي أشعار يمكن أن تخاطب النساء جميعاً من أفغانستان إلى أميركا وما بعدها. وربما كانت هذه إحدى أهم رسائل المجموعة الشعرية ــ ذلك أنه بالرغم من أن حيوات النساء الأفغانيات تختلف عن حيوات نظيراتهن الغربيات، فإننا نتشاطر المشاعر والتجارب المشتركة التي ينبغي أن تجعلنا نفهم بعضنا بعضاً بطرق حميمة. وهو ما يجعل غريسوولد تمنح هذه القصائد مهمة إقامة جسور بين الثقافات وخلق تعاطف فيما بينها.
عن: truthdig
___
*المدى