قراءة عبر العلاقة النحوية فى نص للجزائرية عفراء طالبي



*محمد الصاوي


خاص ( ثقافات )
النص :
فراشة الوشاح
على الجناح المثبت
تحط فراشة أخرى
مفتتح : – “أتتصور أن تكون معتبرا مفكرا في حال اللفظ مع اللفظ متى تضعه بجنبه أو قبله وأن تقول هذه اللفظة إنما صلحت هاهنا لكونها على صفة كذا أم لا يعقل إلا أن تقول صلحت هاهنا لأن معناها كذا ولدلالتها على كذا ولأن معنى الكلام والغرض فيه يوجب كذا ولأن معنى ما قبلها يقتضي معناها ” أسرار البلاغة الطبعة السادسة شرح وتعليق محمد رشيد رضا .
القراءة
فراشة الوشاح …… يمكن القول إن الجملة الاسمية هنا برهافة قد سيَجت مبتدأها ” فراشة ” عبر علاقة المضاف إليه ” الوشاح ” وذلك لعلة فنية ساهمت فى إنتاج ذروة المفتتح
– حيث تحددت مع علاقة المضاف إليه حالة الفراشة فاستحال السياق عبر علاقة الإضافة إلى التعبير الكنائى الدال على أننا أمام رسمة للفراشة وليست فراشة حقيقية ، إنها مجرد رسمة على الوشاح مجرد زخرفة وليست فراشة حية
– ثم ولنتأمل كيف أن علاقة المضاف إليه ” الوشاح ” هى علاقة مفردة معرفة بال التى هى للعهد والتى تعنى أن الوشاح الذى يتحدث عنه السياق إنما هو وشاح بعينه محدد معروف للمتلقى أو أن ال هنا للجنس بمعنى كل وشاح فنكون أمام تأويل أكثر اتساعا ورحابة
– لكن ما خبرها تلك الفراشة هذا هو سؤال القراءة النحوية الرئيس حتى تكتمل الجملة الاسمية فراشة الوشاح ما خبرها ثم السؤال الأهم هل نحن أمام قول أم حكي ؟ بمعنى هل الجملة الاسمية ” فراشة الوشاح التي خبرها كذا هل هذه الجملة هى جملة قول تتكلم به بطلة أو بطل السياق
– أم أننا أمام الحكى الذي تخبرنا به الشاعرة هنا أي أنها هي التي تتكلم وتخاطبنا نحن لكن ما الفرق بين أن تكون الجملة الاسمية قول أم حكي ؟
– الفرق يكون فى إنتاج لوحة السياق وتصور مشهده العام وتبصر شخوصه وأجوائه فحين تكون الجملة الاسمية جملة قول فإن المتلقي مطالب هنا بإنتاج شخوص ذلك القول والمخاطب وأجواء الخطاب وظلاله النفسية والجمالية
– أما حين تكون الجملة الاسمية سردا فنحن أمام بنية أخرى وخطاب آخر يتجه في الأساس إلى المتلقي ذاته وبالتالي تتغاير الظلال الفنية والنفسية للجملة الاسمية
– ثم ولنرجع الآن إلى سؤال القراءة النحوية الرئيس فراشة الوشاح ما خبرها ؟
– هنا نحن أمام تأويلين مختلفين لعلاقة الخبر ولكل تأويل مساره النفسي والجمالى ولنتأمل هذين التأويلين حيث يكون التأويل الأول
– فراشة الوشاح خبرها أنها على الجناح المثبت بالدبابيس وهذا مسار دلالى ونفسى وجمالى بينما يوجد تأويل آخر يقوم على أن علاقة الخبر هنا هى علاقة الخبر المحذوف والذى تأويله كما يلى :
– فراشة الوشاح حبيسة … وهنا تنتج القراءة النحوية خبرا فرضيا يتمثل فى علاقة ” حبيسة ” وذلك عبر تبصر مجمل السياق وهنا نكون أمام سياق الجملة الاسمية بركنيها المبتدأ والخبر أمام تعبير كنائى يرى الفراشة التى هى رسمة وزخرفة كأنها كيان حى حبيس وهو ما يستدعى تبصر عذابات الفراشة الحية التى أدمتها الدبابيس التى تحبسها إلى الوشاح
– وهذا التعبير الكنائى هو ما ينتج التعبير الكنائى التالي عن صفة البطل أو البطلة التى يتبصر فى رسمة الفراشة هذى الحياة وهذى العذابات النابعة من أسرها فى دبابيس الوشاح
– يمكن القول إن بصيرة السياق هنا تدل على الجو النفسي الشجي الذى يعبق فى أجواء السياق حيث يتبصر البطل أو البطلة فى مرايا الوشاح صورة أليمة لابد وأنها انعكاس لشعوره الخاص الذي ينسرب إلى الأشياء من حوله
– إن الفراشة فراشة الوشاح حبيسة تلك الجملة الاسمية هنا تستحيل تعبيرا كنائيا جليا لذات البطل أو البطلة وما يكابده ويعبر عنه من أسى يتجسد فى تعبيره عن عذابه الشخصي فى صورة تلك الفراشة المرسومة على الوشاح
– إذن تنحاز القراءة إلى أن علاقة الخبر هي علاقة محذوف تأويله ” فراشة الوشاح حبيسة ” ثم تجىء العلاقة التالية للجملة الاسمية
” على الجناح المثبت بالدبابيس “
– وهنا تكون القراءة النحوية أمام سؤالين رئيسين أولهما ما علاقة الجملة الاسمية ” على الجناح ” بجملة ” فراشة الوشاح حبيسة ” ؟
– وهنا يمكن القول إن علاقة الجملتين هى علاقة الاتصال حيث نقرأ الجملة كما يلى ” فراشة الوشاح حبيسة على الجناح المثبت بالدبابيس ” وهنا يكون الاحتباس محدد بالجناح وهو ما ينتج بالطبع حالة المفارقة بين الجناح أى الرفيف والحرية والتحليق وبين الدبابيس أى الجمود والاحتباس والقهر
– وهذا الاختيار سنلاحظه أيضا فى إنتاج سياق الجملة الاسمية ” فراشة الوشاح ” فالسياق لم ينحز أيضا إلى ” فراشة وشاحها ” حيث إن علاقة الضمير ” ها ” توحى بالحميمية والتناغم بينما تجىء مفردة الوشاه بال التعريف جهمة منفصلة دالة فحسب على كون الوشاح قائما دون أن يكون هناك تناغم بين الوشاح وصاحبته وهو ما يستحيل تعبيرا كنائيا دالا على حالة الانفصال والمفارقة التى يعبق أريجها فى أجواء النص
– ثم يجىء السؤال الثاني ما علة انحياز السياق إلى التعبير بمفردة الجناح دون اتصالها بالضمير أى لماذا لم يقل السياق ” فراشة الوشاح حبيسة على جناحها المثبت بالدبابيس ” ؟
– هنا يمكن القول عن التعبير بمفردة الجناح ينشىء التعبير الكنائى الدال على حالة الجفوة والانفصال بين الفراشة الحالمة الرافضة لذلك الجناح الذى منذ صار حبيسا لم يعدا جناحها وإنما الجناح
– ثم تجيء هذى الإضاءة البديعة ” تحط فراشة أخرى ” وهنا فلنتوقف عند علاقة النعت ” أخرى ” التي تنتج التعبير الكنائى الدال على تساوى هذى الأخرى الحية الناضرة بالأولى المرسومة الميتة على الوشاح المحبوسة بالدبابيس
– لذا يمكن القول إن علاقة النعت أخرى والتى تضاد علاقة الأولى التى يستدعيها التأويل توحى بأن الفراشتين الأولى والأخرى يجتمعان فى صفة ما هى صفة الحياة صفة المقاومة والرفض وكلاهما تمارس ذلك الرفض والمقاومة من خلال حركة خاصة داخل السياق فالأولى تثير فى الرائين شعورا أنها حية أسيرة رفرافة رغم الدبابيس وتستحيل كذلك تعبيرا كنايا عن وجدان المتكلم المتحدث لنا واصفا هيئتها على الوشاح أما الثانية فترفض موت الأولى وتقف معانقة لائذة حاضنة فوق الوشاح الذى يستحيل بستانا كذابا كاستعارة ثرية دالة للحياة ذاتها تلك الحياة التى تغرز دبابيس الطاعة فى جناح الروح الهفهافة الوثابة إلى الحرية والبراح.

شاهد أيضاً

قراءة في رواية ( قناع بلون السماء ) لباسم خندقجي

(ثقافات) قراءة في رواية ( قناع بلون السماء ) لباسم خندقجي ( ثيمة الملامح) زينب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *