محمد البريم*
خاص ( ثقافات )
كل الفصول متشابهة، أربعة وخمسون عاماً وفصولنا هي نفس الفصول، لم تتغير رغم حالات المد والجزر في عدد الضحايا.
تلخص تلك الكلمات من رواية “الهروب ” للكاتب الروائي والسينمائي سليم دبّور- الصادرة حديثاً عن دار الجندي للنشر والتوزيع بالقدس في 451 صفحة- حكاية الفلسطينيين بكل تفاصيلها، تشريدا واعتقالا وموتا، وكأن بكاتبها يتحدث عن حال الفلسطينيين اليوم وليس قبل اثنا عشر عاماً.
تتطرق الرّواية للحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة في فلسطين تحت نير الاحتلال، وفي ظلّ السّلطة الفلسطينيّة. فترة الانتفاضة الثّانية، ما بعد معاهدة السّلام حيث انتقد دبور اتّفاقات السّلام بين السّلطة وإسرائيل وانتقد المرحلة، لما لها من نتائج سلبيّة جدّا على الشّعب الفلسطينيّ، فقد ازدادت المجازر والاعتقالات وهدم المنازل وبناء المستوطنات.
ترى الكاتب تارة يشيد بالسلطة الفلسطينية وتارة ينتقد أدائها بشدّة تنمّ عن عمق الألم وخيبة الأمل، من خلال شخصية صابر وايوب وبشكل تهكّمي ساخر فيقول: “أبو البرابير أصبح مديرا عاما.” ويقول في موضع آخر “أبو القرون (في إشارة إلى العملاء) أصبح نقيبا.”
ولا تغيّب الرواية الواقع السياسي العربي في سياق نظرة الفلسطينيّين إلى الأنظمة العربيّة عبر شخصية صابر الذي يتشبّث ببعض الأمل فيها، وأيّوب الذي يفهم دورها جيّدا في صناعة ورعاية دولة الاحتلال.
بسردية ممتعة وبواقعية شديدة يخاطبنا الراوي في رواية الهروب من خلال تساؤلاته العميقة وزير انا بلا وزارة، ملك انا بلا مملكة، قاض أنا بلا محكمة، كاتب انا بلا كلمات، سجين انا بلا تهمة، ثمل انا بلا خمر، مسافر انا بلا مسافات، مواطن أنا بلا وطن، ميت انا بلا قبر، مقاتل أنا بلا بندقية نهاية.
الرّواية أبقت الباب مفتوحا كالم هذا الشعب، حشد الاحتلال، اقتحموا منزلي ومنزل ايوب. لم يجدونا، فانزلوا سخطهم على أهلنا، وحطموا ممتلكاتنا. تشردنا، لجأنا إلى الجبال وتعانقنا مع اسودها. دربونا على كل شيء يملكونه، وزودنا بكل مهارة يعرفونها. لم تمنعنا أقدامنا من الكر والفر.
أتقنا اللغة التي يفهمونها جيدا. أصبحنا أسودا، النار زئيرنا وهنا يبرز الرّاوي تحدّيات الشّعب ومواجهاته للأحكام الجائرة، أمّا جرعوش فقد قبض عليه وسجن وعُذّب؛ لأنّه يوزع المؤونة على فقراء المخيّم.
لقد غطّت الرواية صور المعاناة والألم التي تتجدّد في حياة الفلسطينيين معظم صفحات الرّواية، فلقد صوّر حال الهارب وحال المشرّد، وحال من تهدّم بيته، ولجأ إلى الجبال، وحال المقاومين والسّجناء الذين لا ينحنون ولن يهزموا، بالرّغم من أمعائهم الخاوية وحلوقها التي تشتاق للماء النّقيّ الممنوع، وأجسادهم التي يحاصرها البرد وأحلامهم التي تتقطّع.. وعن ذلك ردّ الكاتب بإصرار أنّنا سنتعلّم ونعلّم الآخرين فنّ الممكن من المستحيل، ونعلّمهم كيف يُهزم الظلم أمام الحق.ص٤٥١.
لا شكّ أنّ رواية الهروب كما تقول نزهة الرملاوي في مرد قراءتها أنها تضيف إلى الرواية الفلسطينيّة بعدا تاريخيّا وسياسيّا متمثّلا في المجتمع الفلسطينيّ القابض على جمر التّرحال والاغتراب والمقاومة، لذا من الممكن اعتبار رواية الهروب كمصدر أدبيّ يعالج فترة مهمّة من أدب المقاومة الفلسطينيّ، ومن الجدير ذكره أن رواية الهروب هي الجزء الثاني لرواية صابر والتي قام بتأليفها دبور عام 2004، وتم نشرها عام 2016، عن دار الجندي للنشر والتوزيع.
* صحفي من غزة يكتب بالشأن الثقافي والاجتماعي.