عبد الرحمان الكياكي
خاص ( ثقافات )
يعد الطاهر لكنيزي من الشعراء، وكتاب القصة القصيرة المميزين بمنطقة دكالة.. وقد تأسست تجربته القصصية من خلال أول إصدار له “أمواه أخرى.. قالت الضفدعة” على اللغة الشعرية، وذلك بناء على تجربة شعرية متميزة “سرود من أقاصي الشعر” (1). من حيث التنوع في طرائق السرد القصصي، وتأسيس المتخيل/ الحكائي/ القصصي/ السردي، بناء على إعادة كتابة الواقع، واقع البداوة الطاهرة، غير المتعفنة، واستثمار الذاكرة في توظيف الموروث المحلي، في قالب سردي من خلال تجربته كشاعر وقصاص. “أمواه أخرى قالت الضفدعة”. هي إبداع يبحث بحرية في واقع البادية المغربية، وبلغة شعرية متميزة عن أشكال جديدة، واكتشاف أنماط جديدة للكتابة، ضمن عوالم محفوفة بهمسات شعرية. الإطار العام:
تعتبر “أمواه أخرى.. قالت الضفدعة”، أول إصدار للأستاذ الطاهر لكنيزي في جنس القصة القصيرة جداً، الطبعة الأولى 2013 عن دار الوطن للثقافة والطباعة والنشر، وتصميم الغلاف من طرف الفنانة وصال لكنيزي حيث عبرت بشكل تلقائي عن الضفدعة داخل بركة من الماء الصافي تسبح فيه بحرية.
وقد كتبت نصوص هذه المجموعة القصصية مع بداية انتشار كتابة القصة القصيرة جداً بالمغرب وقد كتب لها النشر في مجموعة من المواقع الإلكترونية والورقية.
وتضم هذه المجموعة القصصية اثنتين وسبعين قصة قصيرة جداً، وتتراوح هذه القصص بين ثلاثة وثمانية عشر سطراً، كما أن قصص المجموعة لا تتعدى الصفحة الواحدة من حجم 18سم/ 11سم.
وتتميز نصوص المجموعة القصصية بصياغتها لمواضع اجتماعية ساخرة أحياناً، ورافضة أحياناً لوضعيات الواقع المتردي/ المنهار أخلاقياً، والحلم بغد أفضل أحياناً أخرى، بواسطة شخصيات تعيش مفارقات اجتماعية متباينة وثنائيات ضدية بين الكائن والممكن.
من هذا المنطلق نقول إن المجموعة القصصية “أمواه أخرى.. قالت الضفدعة” تحمل رسالة إلى القارئ بتلويناته الثقافية والفكرية والاجتماعية، عبر مقاطع سردية صغرى، وتيمات شكلت نصوصاً قصصية صغيرة جداً، ومنفتحة على الذات أولاً، وعلى باقي المجالات الثقافية والفنية ثانياً، من خلال رؤية واضحة المعالم للقصة القصيرة، وتعمق كاتب النصوص بشكل مركز في سرد التفاصيل.
“أمواه أخرى.. قالت الضفدعة”، توحي بدلالات متنوعة من خلال طريقة جديدة في كتابة القصة القصيرة. إنها بدائل جديدة من حيث اختيار المواضيع أولاً، وتوظيف اللغة ثانياً، والتنوع في طرائق السرد ثالثاً.
شعرية المضمون الحكائي
انطلاقاً من العنوان “أمواه أخرى.. قالت الضفدعة”، الذي اختاره الكاتب من الأمثال الشعبية، حيث وظفه بصيغة الجمع، وهو في اعتقادي كناية عن المسار الجديد الذي يعرفه الخطاب اللغوي في مجال التداول، وغير الواضح والمألوف لدى الطرف الآخر، مما يوضح أن هناك منهجاً وأسلوباً جديدين في كتابة القصة القصيرة “القصة القصيرة جداً”، ومغايرين تماماً للأساليب القديمة شكلاً ومضموناً، وبين تقديم الأستاذ الحبيب الدائم ربي للمجموعة القصصية وقراءة الأستاذ حميد ركاطة مسافة سردية لمجموعة من القصص الصغيرة (زوجان، أنفة، استقالة، هوى مشبوب.. الخ)، جل قصص المجموعة، إن لم أقل جميعها تتسم بالطابع الدكالي، خاصة أن الأستاذ الطاهر لكنيزي يستثمر الموروث الثقافي، وينسجه في قالب شعري قابل للحكي، لأن تمكنه من اللغة الشعرية، وتوظيفه للخطاب الشعري، ورصده للتحولات الاجتماعية والثقافية لمنطقة سيدي بنور، كل هذا جعل مجموعته القصصية تتأسس على مجموعة من التقابلات على الصعيد الدلالي. كاعتماد الحكي على الإيهام، ومزج الحقيقة بالأحلام وصراع الأنا مع الآخر، وصراع الإنسان مع نفسه، والتعبير بالصور، شأن الشعر، مما يؤدي إلى اقتراب النص القصصي من الخيال الشعري، كما أن أغلب نصوص المجموعة القصصية تعالج مواضيع اجتماعية شتى ضمن ظروف اجتماعية صعبة (استقالة) مثلاً، بحكمة ورزانة، وصراعات مع النفس ومع الذات، مع الفكر ومع الوجود أحياناً، رغم الهزات القاتلة، والاستفزازات الملغومة، لم لا والموروث الثقافي الشعبي يعشش في ذاكرة أكبر شريحة اجتماعية بدوية دكالية “قصة لبس مثلاً”. لترتبط هذه النصوص القصصية القصيرة جداً ارتباطاً وثيقاً بنبض الإيقاع الداخلي للحياة البدوية/ الدكالية، في أبسط صورها، وأعقد تجلياتها، لأن المبدع الحقيقي كيفما كان: قاصاً أو روائياً أو شاعراً.. هو الذي يتابع التحولات المجتمعية، وينصت إلى الناس ليكون له موقف إبداعي، ورؤية للعالم، وهذا الموقف لن يكون إلا تجسيداً لرؤيته الفكرية والاجتماعية لكل هذه التحولات.
إن نصوص “أمواه أخرى.. قالت الضفدعة”، “تعمل في الواقع على إعادة بناء ما تلاشى من قيم، وتعيد الاعتبار للغة ذاتها بنوع من الشاعرية المفعمة بالبوح لتتحول إلى همسات حيناً وطلقات قصصية مميتة أحياناً أخرى..”(2)، لكن “بقدر ما تولد الحسرة تنتزع الابتسامة أيضاً”(3)، وذلك على سبيل النكتة “تجريح… أيهما…”، لأن الأستاذ الطاهر لكنيزي يمتلك حساً إبداعياً مرهفاً، من خلال توظيفه للغة، فهو يعتبر نفسه “طفلاً واللغة عجينة، يشكل بها ما يشاء مما يومض في فضاء خياله من إشراقات، حين تتداعى دون استدعاء، فإذا ما جفت اللغة سقاها بماء الشعر حتى تلين فيصوغ بها قصيدة شعرية أو زجلية، أو قصة قصيرة، أو قصة قصيرة جداً”(4)، مما يؤكد وعيه التام بالمزج بين اللغة الشعرية والسرد القصصي.
هوامش:
(1): ص 8 – تقديم الحبيب الدائم ربي للمجموعة القصصية – دار الوطن، الطبعة الأولى 2013.
(2): ص 89 قراءة الأستاذ حميد ركاطة للمجموعة القصصية.
(3): ص 10 نفس المرجع.
(4): رد الأستاذ الطاهر لكنيزي على تعليق على قصيدته الزجلية “فين أو فين” بالموقع الإلكتروني سيدي بنور نيوز.