مرفت عمارة*
من بين كثير من الحقائق، آمن الروائيون والشعراء والفلاسفة بالموت. انتظروه. واستوعبوه جيداً. أدركوا من البداية أن ليس ثمة حائط سيحول بينهم وبينه. وأن أعمالهم العظيمة لن تشفع لهم أمامه. بدا ذلك واضحاً في الحوارات التي جمعها مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً، والتي أجريت مع عدد من الأدباء قبل وفاتهم، ورسمهم ميرفي ليبينكوت، إذ رثي البعض نفسه، بينما فضل آخرون أن يتحدثوا عن حياتهم، كمحاولة أخيرة للبقاء.
يقول روبرتو بولانيو المتوفي في 2003، والفائز بجائزة رومولو جاليجوس عن روايته (المحققون المتوحشون) وبجائزة النقاد الوطنية بعد وفاته بخمسة أعوام عن روايته 2666، ووصفته النيويورك تايمز بأنه أهم صوت أدبي لأمريكا اللاتينية في جيل: “لازلت أحيا؛ لأقرأ، وأكتب، وأشاهد أفلام السينما، وكما قال أرتورو برات حين سألوه: هل تقر أنك علي قيد الحياة؟!، أجاب: “طالما أنا علي قيد الحياة، لن تُنكس تلك الراية أبداً”.
أما الروائي العالمي الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز (1927- 2014) الحائز علي جائزة نوبل للأداب عام 1982، فقد تحدث عن الحياة في أحد حواراته عام 2006، قائلاً: “الناس يمضون حياتهم في التفكير حول الطريقة التي يحبون أن يعيشوا عليها، لكنهم لا يتوصلون إليها، بالنسبة لي، أتمني أن تستمر حياتي كما كانت خلال السنوات التي كنت أكتب فيها (الحب في زمن الكوليرا).
كان الأديب الأمريكي راي برادبوري (1920- 2012) مستعداً للموت في أي لحظة، هو الذي أفني عمره في كتابة أدب الرعب والفانتازيا والخيال العلمي، قال ذات مصارحة: “يا لها من حياة عظيمة، تلك التي تجد فيها أعمالك علي الأرفف بصحبة أعمال إل فرانك بوم وإدجار رايس بروز، وجول فيرن وهيربرت جورج ويلز. أعتقد أن هذا كل شيء، أليس كذلك؟ من الممكن أن أموت الآن”.
مثل كلب ستموت. هكذا كان يري الروائي الأمريكي إرنست هيمنجواي (1899- 1961)، الذي قال: “كنت مصاباً بتسمم الدم حين كتبت (العجوز والبحر)، كتبتها خلال بضعة أسابيع، وكتبتها من أجل سيدة لم تكن تعتقد أنها تركت أثرا لديّ، أظن أنني برهنت لها عن ذلك، وآمل أن أكون فعلت، لقد كانت هناك امرأة وراء كل كتبي”. وأضاف: “كتبوا قديما أن الموت في سبيل الوطن شيء جميل ومناسب، لكن في الحرب الحديثة، ليس هناك شيء جميل أو مناسب في موتك، ستموت مثل كلب دون سبب وجيه”.
جاك دريدا (1930- 2004)، الفيلسوف الأكثر إثارة للجدل في القرن العشرين، وهو فرنسي من أصل جزائري، صدر له أكثر من 40 كتابا، كان يقول: “عندما أتذكر حياتي، أميل للاعتقاد أنه كان من حسن حظي أن أحب حتي اللحظات غير السعيدة في حياتي، وأشكر الله عليها، وعندما استدعي اللحظات السعيدة، أشكر الله عليها أيضا، بطبيعة الحال، لأنها في نفس الوقت تدفعني للتفكير في الموت، وبالنسبة للموت، كل ما يمر بنا لابد أن يصل إلي نهاية”.
قبل وفاته مباشرة، قال الكاتب الأمريكي كورت فونيجت (1922- 2007) الذي ترك 14 رواية وثلاث مجموعات قصصية وخمس مسرحيات: ” كان والدي يحدثني كثيراً عن الأشياء الجميلة في الحياة، ولم أكن أعرف إذا كان هو الذي يقولها، أم السيد المسيح، ليس مهماً.. أنا لست بخير، حظا طيبا، للحياة، ولكم”. ومن الأدباء الذين تحدثوا عما واجهوه في الحياة، نورا إيفرون (1941- 2012)، وهي روائية وكاتبة مسرحية وكاتبة سيناريو ومخرجة أمريكية ، رشحت ثلاث مرات للأوسكار عن أفضل سيناريو، تقول: “وجدت كثيراً من الناس يعتقدون أن هناك مسافة قصيرة جداً بين ما يدور في خاطرك، وبين إنتاجك لعمل أدبي، هؤلاء هم من كانوا يفتعلون ضجة طيلة حياتهم من أجل الحصول علي الامتيازات والجوائز، لم أكن منهم يوماً”.
ويقول جيمس بولدوين (1924- 1987)، وهو روائي أمريكي من أصل أفريقي، والذي كتب عن التعقيدات غير المعلنة عن العنصرية والفوارق الطبقية في المجتمعات الغربية خلال منتصف القرن العشرين: “لقد قمت بالتدريس للمترفين. يبدون شبابا في غاية الكمال، لكنهم ذهبوا للالتحاق بالعمل لدي الرئيس الأمريكي نيكسون، وازدادوا إجراما في وول ستريت دون أن أدري كيف حدث ذلك”.
أما خورخي لويس بورخيس (1899 : 1985) الكاتب الأرجنتيني الذي يُعتبر من أبرز كتاب القرن العشرين بالإضافة أنه كان شاعراً وناقداً، يري أن “الفقراء كرماء، بينما الأغنياء ليسوا كذلك. كان أبي يقول دائماً إنه حين يرث أحدهم ثروة، فإنه يرث الظروف التي أدت إلي صنع ذلك الحظ، ذلك يعني أن الأغنياء يرثون الثروة ومعها صفات البخل والجشع، الذي ربما يكون مطلوبا”.
* أخبار الأدب.