مع فاطمة ناعوت. . صيحة إنذار



بهجت العبيدي البيبة*



قلنا في غير موضع إنه لا يمكن لأمة أن تنتقل من حال رثة إلى حال أفضل منها، ما لم يتمتع المجتمع بالحرية، وما لم يضمن لمفكريها ومبدعيها الحرية في التفكير والتعبير، وعلى المجتمع أن يتداول أفكار هؤلاء المثقفين والمبدعين بالبحث والتمحيص، ولن يتبقى منها إلا ما يصلح وما يصمد من هذا التداول والبحث.


وبكل تأكيد فإن مجتمعاتنا العربية لا تتمتع بهذه الحرية، وهذا ليس راجعاً للحكومات – على الأقل في الحالة التي نتناولها اليوم، فاطمة ناعوت – بقدر ما هو راجع لحاكمية دينية تضغط على المجتمع بكل قوة من خلال فهم ضيق وهزيل لقيم الدين المثلى، وهذا ما يعيدنا لما نطالب به دائماً بأنه ليس علينا أن نعيد اختراع ” الدراجة ” بل كل ما علينا أن ننظر بالبحث في تجارب الأمم الأخرى لنكمل المسيرة، ولا نعيد نفس الطريق التي قام بقطعها أشقاؤنا في الجنس الإنساني.


لعله من المناسب أن أعلن أن هناك اختلافاً بيني وبين ناعوت في الطرح الذي تقدمه في بعض القضايا، وهذا وارد بل صحي، كما كان لدي نظرة تخالف رؤية إسلام البحيري، ولكن كل ذلك في إطار اختلاف رؤى، وتصورات متعددة لمشروع فكري، علينا جميعاً مساندته، وهو تخليص العقل العربي من تلك القيود التي يفرضها أصحاب العقلية الرجعية والفهم الضيق.


وفي ذات الوقت لا يسعني إلا أن أقف مع ناعوت كما كان واجباً أن أتخذ نفس الموقف مع البحيري اللذين يتعرضان لحملة قادها المحافظون، ونجحوا في أن يحصلوا على أحكام قضائية بحبس ” ناعوت والبحيري ” لتعكس هذه الأحكام ما يمر به المجتمع المصري والعربي من حالة ضعف، لا تستطيع معها الرد على الفكرة بأخرى، بل تلجأ للترهيب من خلال المحاكم التي تعيد للذاكرة محاكم التفتيش التي انتشرت في أوربا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر والذي يستحسن هنا أن نضع تعريفها للقارئ الكريم : -محاكم التفتيش ((باللاتينية: Inquisitio Haereticae Pravitatis)، حرفياً: التحقيق في البدع الهرطوقية) ،ديوان أو محكمة كاثوليكية نشطت خاصة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، مهمتها اكتشاف مخالفي الكنيسة ومعاقبتهم. ان محاكم التفتيش هي “سلطة قضائية كنسية.


ومن المناسب هنا أن نعلن أننا لا نلوم ولا نعترض على القضاء المصري في أحكامه التي تتفق والقانون والتي تتعارض صراحة مع الدستور المصري الذي يكفل حرية التفكير والتعبير، ونطالب الآن بوضوح شديد بإلغاء تلك القوانين التي تخالف الدستور، وهذه مهمة البرلمان المصري الحالي والذي عليه أن ينظر في كل القوانين التي لا تتفق وعصر جديد ينشده الشعب المصري ويقوم بإلغائها أو تعديلها، فحالة فاطمة ناعوت تمثل صيحة إنذار لمجتمع ينشد الأفضل، ولدولة كتب لها أن تقود المنطقة خاصة من الناحية الثقافية. 

* روزاليوسف.

شاهد أيضاً

ليست مرثيّة لإميل حبيبي

(ثقافات) ليست مرثيّة لإميل حبيبي: الإنسان في جوهره مرزوق الحلبي عندما اتخذ الحزب الشيوعي قرارًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *