معتز محسن عزت
خاص ( ثقافات )
الصداقة كلمة مهمة في قاموس البشرية لا يعرف معناها إلا من طبق أوصالها في حياتنا اليومية لكي نشعر بأن للحياة قيمة ومعنى رغم المحن والصعاب، ومن ضمن الصداقات المهمة التي يضرب بها المثل تلك الصداقة التي تم تلاحمها عبر مداد الأدب من خلال تلاحم الشرق بالغرب عبر العولمة الحقة التي ننشدها الآن في أيامنا الملغزة.
إن اسم رابراندنث طاغور لهو غني عن التعريف حيث الموسوعية التي شملت هذا الفنان ما بين الشعر والرواية والمقالة والموسيقى والرسم والنحت والفلسفة والتنظير في آراء مختلفة علاوة على أنه صاحب مسمى المهاتما للزعيم غاندي وهي تعني “روحاً عظيمة”.
اشتهر طاغور عبر إبداعاته الشاملة في الهند ثم آسيا، وإذا برجل أوروبي يحمل في قريحته روحاً شاعرة قارضاً الشعر بأجمل معانيه في الثقافة الأوروبية هو الشاعر الأيرلندي الشهير (وليم بتلر ييتس) الذي قرأ كتاب طاغور بعنوان (جيتا نجالي) أو (قرابين الغناء) جامعاً الشعر بلغته المنظومة والمنثورة باللغة البنغالية وقام طاغور بترجمتها في العام 1911 ليمر عام على تلك الترجمة لتقع بين يدي ييتس في العام 1912 ليكتب نغماته المنثورة عن هذا الديوان قائلاً:
(من لغة السحاب والأرض ينبثق طاغور، ملهِماً أو ملهَماً. يشبه طين بلاده، ويشبه ندف السماء، وصوته جلي لكل روح، وكلماته تواضع المحبة في هذا الكون، هناك بشر للعالم أجمع.. وطاغور هو أحدهم).
تلك الكلمات كانت مفتاح الحياة لطاغور لكي يُعرف في أوروبا فإذا بالروح تجمع بين الشاعرين عبر الكتاب الحامل للقب خير صديق ليكون خير الأصدقاء نقطة التقاء بين الشاعرين برياحهما ما بين الشرق والغرب وتبدأ المناظرة الشعرية بينهما في تبادل الآراء والمعاني والكلمات واكتساب السمات المتشابهة بين البلدين (الهند وأيرلندا) في معاناتهما من الاستعمار البريطاني حيث التساؤلات المطروحة في شعرهما في مناجاة الطبيعة لتضميد جراح القلب المكلوم على الوطن الجريح.
كان لييتس الفضل في تعريف أوروبا بطاغور ولم يمر عام إلا والفرح يأتي لشاعر الشرق طاغور بقرار الأكاديمية السويدية بمنحه جائزة نوبل للآداب سنة 1913 كأول شرقي وهندي يكون حنباً إلى جنب مع فطاحل الأدب والفكر منذ بزوغ شمس الجائزة في العام 1901 مع (رينيه سولي بردوم – تيودور مومسن – شبيتللر – موريس مترلينك – سلمة لاجرلوف – روديارد كبلنج) جاعلاً من البنغالية لغة تفوز بالعراقة مع أقرانها من اللغات الأخرى كالفرنسية والإنجليزية والسويدية وغيرها من اللغات الأخرى ليكون طاغور ماركة مسجلة لمعنى البشرية الحقة كما قال ييتس.
(الجزاء من جنس العمل)، هذا المثل يتطابق مع ييتس الذي قدم الخير لغيره من الأقران حيث المحبة عبر المنافسة الحقة وتمر عشر سنوات على فوز طاغور بالجائزة، ويأتي الخير طارقاً على باب الصديق الوفي ييتس الحالة الاستثنائية في الشخصية الغربية وتقرر الأكاديمية السويدية بالجمع بينهما تحت ظلال جائزتها بفوز ييتس كأول أيرلندي بها في العام 1923 لتكون الريادة بارجة الالتقاء بين الصديقين مع بوارج الإنسانية وتبادل الكلمات والمعاني ومصير حلم الاستقلال الجامع بينهما في حب الأوطان تحت ظلال الفنون والآداب.