*حميد زناز
“سيمون دي بوفوار والنساء ” ذلك كان عنوان الكتاب المثير الذي أصدرته الباحثة والناشطة النسوية الفرنسية ماري جوزيف بوني أخيرا والذي قد يعيد النظر في المكانة المميزة التي احتلتها الفيلسوفة الشهيرة في الحركة النسوية الفرنسية الحديثة. فهل كانت صاحبة “الجنس الآخر”، ذلك الكتاب الذي اعتبر كإنجيل للحركة النسوية العالمية، معادية للنساء ولم يكن ما كتبت وقالت سوى تضليل للرأي العام؟هل كانت راية الحرية وخاصة حرية المرأة مجرد شعار لدى السيدة سيمون؟ هل كانت نسوية مزيفة؟
على إثر دراستها المعمقة والدقيقة لكل أعمال سيمون دي بوفوار، والتأمل في مقولاتها ومتابعة مراسلاتها وما كتبه عنها غيرها، بالإضافة إلى تحليل وتأويل بعض الأحلام التي روتها سيمون ذاتها وكذا العودة إلى طفولتها، قدمت صاحبة “الحب بين النساء” للقارئ سيمون دي بوفوار أخرى غير معهودة، بعيدة عن تلك الصورة الوردية التي عادة ما يقدمها الإعلام عن صديقة سارتر. وسيجد هذا القارئ صعوبة كبيرة في الاستمرار في اعتبارها من رواد ومنظري النسوية في القرن العشرين.
لقد فكك كتاب ماري جوزيف بوني الأسطورة بطريقة منهجية بعيدا عن التحامل وعن كلّ مجاملة أيضا على الرغم من صداقة ونضالات نسوية وسياسية عامة مشتركة جمعت بين الكاتبتين. تتحدث المؤلفة عن عملية إجهاض سرية محتملة قامت بها سيمون دي بوفوار في شبابها في ظروف صعبة وحاولت أن تخفيها بكل ما أوتيت من دهاء إذ تقول الكاتبة إن سيمون فعلت كل شيء لخلط الأوراق بل كذبت كثيرا لتجميل سيرتها الذاتية.
ولكن لم تعد سحاقيتها المموّهة خافية على أحد كما تبين شهاداتها العديدة في مراسلاتها الخاصة ولا برودتها القاسية تجاه عشيقاتها الشابات التي كانت تستغل أجسادهن مع غياب كل تجاوب تضامني مع هيامهن. وتذكر الكاتبة أيضا تصرف سيمون دي بوفوار غير اللائق مع صديقاتها اليهوديات واستعمال بعض الكلمات التحقيرية في حق نساء أخريات هذا إذا لم تتجاهلهن بشكل فاضح. تربت سيمون في كنف أب طالما ردد على مسامعها أنها كانت تملك “دماغ ذكر” حتى وصلت هي نفسها وبسرعة إلى قناعة مفادها أن الأنوثة في النصف الأول من القرن العشرين هي بمثابة العقبة الكأداء أمام كل محاولة للاقتراب من المهن الفكرية.
وتصفها المؤلفة بأنها امرأة من جليد يدفعها الثأر من تاريخ عائلة وجّهتها دائما للتصرف بهدف أن تكون مساوية للرجال، أن تصل هي إلى المساواة وليس الدفاع عن ترقية النساء على اختلاف خصوصيّاتهن.
كانت مهووسة بالوصول إلى مساواة مع الرجال، إلى اللحاق بجنس الذكور، التمتع بالذكورة المتفوّقة. وربما يصاب من كان يؤمن بأسطورة سيمون النسوية بخيبة أمل كبيرة حينما يكتشف رويدا رويدا عبر صفحات الكتاب الموثق جيدا أن الكاتبة الوجودية الشهيرة لم تكن تحب النساء ولكن هي ذاتها، هل أحبت نفسها بما يكفي؟ نلتقي عبر كتاب ماري جوزيف بوني مع امرأة شديدة التعقيد، حقودة في علاقاتها مع أمّهات الفتيات اللواتي كانت تستمتع بأجسادهن، وتتقاسمهن مع صديقها الفيلسوف جان بول سارتر وتستعملهن بغرض إحكام قبضتها عليه. “حينما التقيت بسيمون دي بوفوار سنة 1971، في إطار ‘حركة تحرير النساء’ كانت مثار إعجاب جميع نساء جيلنا، تقول الكاتبة، كانت مثال المرأة الحرة التي ترفض الزواج وإنجاب الأطفال مع معاشرتها للفيلسوف جان بول سارتر في مساواة تامة. ولكن مع صدور مراسلاتها اضطررنا أن نعيد النظر في الحكاية: بدأت تظهر على الملأ سيمون
أخرى، سيمون الحقيقية مميطة اللثام عن وجه امرأة لا تريد الاعتراف بحبها الشبقي لعشيقاتها، وهكذا بدا التناقض الفظيع بين حياتها المخفية وخطابها التحرري الداعي للانعتاق في كتاب (الجنس الآخر)”.
و تتساءل ماري جوزيف بوني “لماذا نستمر في اعتبارها مرجعية النسوية المعاصرة بينما هي غير واضحة بل تعاني من ازدواجية في علاقاتها مع النساء؟”، سؤال في غاية الأهمية وخاصة حينما تطرحه مؤرخة، مختصة في تاريخ النساء ومناصرة تاريخية للقضية النسوية، ساهمت بفعالية في “حركة تحرير النساء” وفي الجبهة المثلية للعمل الثوري في سبعينات القرن المنصرم.
______
*العرب