شهرة الشهري*
كُنت على رأسها قبل أن تحرر العقدة التي عند جيدها اللؤلؤي، لطالما كانت أطرافي ترتاح هناك وتغفو، رفعتني لأعلى قليلاً ثم نثرت خصلاتها، مر بي هواء خفيف من جراء خصلاتها التي تتراقص يمنة ويسرة، لم أدر حينها ما الحكاية، وأخيراً تركتني على البداية «النافذة» وأنا أتأملها وسرت بي رعشة الخوف من أن تكون استبدلتني بغيري، وكيف لي أن أفارق الريحان «والبعيثران» بداخل شعرها، وكيف لي أن أفارق شعرها أصلاً، تريثت قليلاً وسحبت نفساً طويلاً قبل أن أصدر الأحكام.
آه كم أشتاق لهذه الأيام حين كنا في الجبل سوياً مع البهم، والكلب الصغير يرافقنا، كم بكينا معاً على ضياع شاة، وكم ضحكنا على المدرس الذي جاء من مصر ليعلم الصبيان، حين كان يجتهد ليقلد لهجة أهل المنطقة. لا تعجبني حالتي الجديدة لا أحب أن أكون مرتباً بهذا الشكل مربوطاً إلى الخلف، ثم إن هذا يؤلمني وتبقى آثار هذا الطوي طويلاً حتى حين تغسلني بيديها لتعيدني مرة أخرى على رأسها، وليت هذا فقط. ما زاد حزني ووجعي أني لست ألامس شعرها الحريريَ فقد حال بيننا قماش أسود مقيت، كانت منطلقةً أكثر حين كنت مربوطاً إلى أسفل، كانت أجمل.
بعد أن تركتني على البداية ليلة كاملة قبل أن تعيدني على رأسها من جديد بشكل آخر مختلف عن سابقه، كنت أعرف أن هناك شيئا ما اختلف، في البدء كانت رائحة الحناء القوية في شعرها رغم أنها للتو غسلته، ثم المكان في اليوم التالي انتقلنا لمكان جديد، لم آلفه من قبل. كل هذه التحولات أخبرتني بأن الصبية لم تعد الصبية، وحزنت كثيراً كثيراً وتذكرت البيت القائل: «انكسر خاطر الفانوس كأنه رُش بالماء».
هذه قصتي باختصار أنا «المنديل الأصفر» الذي تغنت به نكهة الصباح فيروز، ولأجله ذاب العشاق كمداً على من ربطته للخلف لأجل آخر، كنت رمزاً، كنت ثقافة شعب بل شعوب كثيرة، كانت ألواني تخلق البهجة وتزين رؤوس الصبايا والنساء، أنا مثلكم أتساءل لماذا انحصر دوري في متاحف التراث؟
كيف استبدلتني النسوة اللاتي عشت معهن وعرفت أسرارهن وخباياهن، كيف تخلين عني بهذه السهولة ولم يقاتلن لأجلي، ومن يرغب عن الألوان إلا أعمى.
أشعر بالحزن لأن الأنثى التي كانت تأخذ من طرفي لتواري خجلها، ألقت بي ولم تعد تأبه بوجودي وانتصرت الظلمة، لكنه انتصار موعودٌ بالفشل فالأجيال القادمة تنذر بالألوان والفرح وستنمو فيّ قمرٌ وجورية كما تنبأ الشاعر الألمعي.
________
*عكاظ