الأستاذ مهيوب يتطلّع إلى جائزة نوبل


*محمود شقير


خاص ( ثقافات )
أتته الفكرة دفعة واحدة وهو يمارس رياضته اليومية، المتمثلة في المشي شبه السريع مدة أربعين دقيقة، بناء على نصيحة الطبيب. لم يفكر من قبل بالجائزة ولا خطر بباله أنه سيكون واحداً من المتطلّعين إليها أو الحالمين بها. قطع مشواره المعتاد، لأنه لم يحتمل البقاء بعيداً عن الهاتف، والفكرة تعتمل في رأسه بكل هذا التألق والسطوع.
عاد الأستاذ مهيوب إلى البيت وهو متلهّف إلى جمع أكبر قدر من المعلومات، عن الجائزة وشروطها. وجد زوجته منهمكة برتق عدد من جواربه العتيقة، شعر بالحرج قليلاً، فهي تنصحه دوماً بقص أظافر قدميه كلما نمت واستطالت، كي لا تفعل فعلها في جواربه، ينسى نصائحها أو على الأصح فإنه يتناساها تحت وطأة استهتار غير مفهوم بأظافر قدميه، وتكون النتيجة الحتمية هذا التخريب غير المقصود الذي يطال جواربه. في بعض الأحيان، وللردّ على كلام زوجته، يلجأ إلى ما يعتقد أنه تحليل منطقي للظاهرة، يحاول إقناعها بأنه راقب الأمر طويلاً، فأصبح مقتنعاً بأن الأصبع الكبير في قدمه اليمنى لا يستطيع العيش من دون العبث بجواربه، لكي يثبت للأصابع الصغيرة المصطفّة إلى جواره بأن له تميزاً من نوع ما، كأن يثقب كل جورب يلتصق به، والأمر نفسه يحدث مع الإصبع الكبير في قدمه اليسرى، يقول لزوجته: تلك سنّة الحياة يا مقبولة، فإن لم تهترئ الجوارب كيف يمكن لصاحب النوفوتيه أن يبيع جوارب جديدة؟ وكيف يمكن لدورة الاقتصاد أن تستمرّ في الدوران؟ لم تعد زوجته قادرة على مجاراة حججه الكثيرة، أخذت تلوذ بالصمت في أغلب الأحيان كلما جدّ جديد أو وقعت واقعة في مجرى حياتهما البسيطة. لذلك لم يخبر زوجته بالفكرة النيرة التي التمعت في رأسه على حين غرّة، اعتقد أنها سوف تستنتجها من سياق مكالماته الهاتفية التي يتهيأ لها الآن.
للأستاذ مهيوب طقوس ثابتة في تعامله مع الهاتف، فلا يمكن أن يهاتف شخصاً من دون أن يبدأ المهاتفة بذكر اسمه مقروناً بلقبه وكنيته، وهو معني بأن تستمع زوجته إلى مكالماته، على العكس تماماً من الأزواج ذوي المسلكيات الملتوية. الأستاذ مهيوب معني بأن يُدخل في روع زوجته أنه شخص مرموق، وأنه على صلة بأبرز رجال المجتمع، يهاتفهم كلما أقلقه أمر ما، ولا يهمّه إن كان الشخص على الطرف الآخر من خطّ الهاتف مستلقياً للراحة في ساعات ما بعد الغداء، أو إن كان منهمكاً في متابعة الأخبار التي يبثها التلفاز. والأستاذ مهيوب لا يهاتف الآخرين لكي يكتسب معرفة جديدة، يسأل السؤال ولا يصغي لتلقي إجابة عنه، وفي الكثير من الحالات فهو الذي يسأل ويجيب. وله أثناء ذلك، طرائق خاصة في التحكّم بطبقات صوته بحسب مقتضى الحال، فهو يبدأ صاخباً مثل قرع الطبول، ثم يميل إلى الرقة مثل نغمة خافتة لآلة الكمان. وللأستاذ بعض مفردات لا يفتأ يردّدها بين جملة وأخرى، مسبغاً على حديثه نوعاً من الجدارة والاعتبار.
جلس على المقعد المجاور للهاتف، خلع نعليه بحركة آلية مكرّرة، انبعثت رائحة من جوربيه، أرجع ذلك إلى العرق الذي نزّ من جسده أثناء المشي شبه السريع، ومع ذلك، فقد خجل من نفسه، لأن المتطلع إلى جائزة نوبل ينبغي ألا يرتدي الجوربين إياهما يومين متتابعين، ولأن زوجته نهته عن هذا السلوك غير مرة من غير أي يعير كلامها أي اهتمام. بحث في مفكّرته عن رقم هاتف صحيفة “الشروق”، أجرى اتصاله الأول بصوت شبيه بقرع الطبول:
_ آلو، أنا الأستاذ مهيوب حسن، أبو غاندي. مين؟ الأستاذ لطفي، رئيس التحرير!
_ نعم، أهلاً أستاذ.
_ بدي أسألك: بتعرف شيء عن شروط جائزة نوبل؟
ولا يعود الأستاذ معنياً بسماع الإجابة، المهم أن يقوم بتفريغ ما في رأسه من أسئلة وخواطر، وسيقول بصوت خارج من حلقه، كأنه نغمة رقيقة صادرة عن كمان:
_ آه طبعاً، أهم جائزة عالمية، ولها لجنة مقرّها في ستوكهولم، عاصمة دولة السويد. ويفوز بالجائزة كل من قدّم أشياء عظيمة لخدمة البشرية. أيش بتقول؟ آه طبعاً، يعني بتشجعني أتقدم لها؟ طيب، شكراً، مع السلامة.
يستمر الأستاذ بمهاتفة عدد غير قليل من معارفه البارزين، يكرّر الأسئلة نفسها والكلام نفسه ولا تستغرق المكالمة الواحدة سوى دقيقة أو دقيقتين، وزوجته تصغي إليه، وهي تواصل رتق جواربه، ولا تفكر بتوجيه أي سؤال إليه. ولدى إحساسه بضرورة التوقّف عن سيل المكالمات، التي تتكرر دوماً مع الأشخاص أنفسهم تقريباً، فإنه يختتم نشاطه الهاتفي بمهاتفة ابنه غاندي، وابنتيه فالنتينا وجاكلين، للتحدّث هذه المرة حول الموضوع نفسه، موضوع الجائزة.
حينما ولد للأستاذ ابنه البكر، غاندي، لم تخطر بباله آنذاك جائزة نوبل، ولم يمنح ابنه هذا الاسم لأنه طامح في الجائزة. فالأستاذ من أنصار اللاعنف منذ نشأته الأولى، وكان يجد في غاندي قدوة حسنة، لهذا السبب، سمى ابنه على اسم الزعيم الهندي الشهير. ولأن الأستاذ توّاق لمعرفة أسرار الكون، سمّى ابنته على اسم فالنتينا تيريشكوفا، رائدة الفضاء السوفياتية. وخوفاً من اتهامه بالتحيز وبالدخول طرفاً في الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، سارع إلى تسمية ابنته الثانية على اسم جاكلين كنيدي، زوجة الرئيس الأمريكي المغدور. بعد ذلك استراح الأستاذ، واتفق مع زوجته على تحديد نسلهما والاكتفاء بولد وبنتين، خلافاً لأعراف العشيرة التي وجّهت إليه ذمّاً وتقريعاً شديدين، بسبب قطعه لذريته على هذا النحو المشين.
_ وين عقلك يا مهيوب؟ تقطع ذريتك وانت بعدك في سنّ الشباب.
_ عقلي في راسي. وما بدي خلفة أكثر، لأن المسؤولية عن الأولاد ليست سهلة.
_ يا ابن الحلال ربنا بيجيبهم وبيجيب رزقهم معهم. إن وقعت في مشكلة بدك رجال وعزوة تقف معك.
_ أنا مش زلمة مشاكل، وما بدي عزوة.
العشيرة وصفت مهيوب بأنه قليل عقل. مهيوب، عفواً، الأستاذ مهيوب ربى ابنه وابنتيه أحسن تربية، (الأستاذ لا ينسى فضل زوجته في ذلك) ومكّن الولد والبنتين من الالتحاق بالجامعات. غاندي درس طب أسنان في إحدى جامعات بريطانيا العظمى، (الأستاذ معجب إلى أبعد الحدود ببريطانيا منذ أن عرف وهو تلميذ في المرحلة الإعدادية، أنها كانت مهد الثورة الصناعية، ولم يتأثر هذا الإعجاب بحقيقة أن بريطانيا مسؤولة عن نكبة الشعب الفلسطيني، لذلك، لا يذكر الأستاذ اسم بريطانيا إلا وهو مقرون بوصف العظمى، وهو فخور لأن ابنه درس في تلك البلاد) وتزوّج زميلة له من أيرلندة، وواصلا العيش هناك، في بريطانيا العظمى. فالنتينا درست في جامعة القدس، وتعرّفت على رجل من كمبوديا، خريج جامعة السوربون، يعمل خبيراً في التنمية لدى مكتب الأمم المتحدة في جينيف، جاء ذات مرة إلى القدس، وأقام ستة أشهر فيها لإنجاز مشروع إنمائي، تعرّفت عليه، أحبته وأحبها، تزوّجها وسافرت للإقامة معه في سويسرا. جاكلين، انقطعت عن الدراسة، بعد أن أحبت سائق الفورد الذي كان يوصلها بسيارته إلى الجامعة، تزوّجت منه وعاشت معه في الحي نفسه الذي يعيش فيه أبوها الأستاذ مهيوب.
_ اطلعي لي كواشين الاولاد يا مقبولة.
_ شو بدك فيها كواشين الاولاد؟
_ (صوت مثل قرع الطبول) إيه! كل هالحكي وبعدك مش عارفة يا بنت الأوادم؟ (صوت كمان) آه، طبعاً، أنا لازم أقدّم لك توضيحات، اسمعي يا ستي..
_ فاهمة، وحياتك إني فاهمة (تتجه نحو الخزانة وتخرج شهادات ميلاد الأولاد).
_ (يتأمل الشهادات) هذا واحد من الأدلة التي تشير إلى أنني محب للتعايش السلمي، آه، طبعاً.
_ خلص، فهمت.
انصرف بلهفة إلى وثائقه وأوراقه التي يحتفظ بها في أحد الجوارير. أخرجها ونثرها أمامه على أرضية الغرفة، وجلس يتفحّصها ويستخرج منها ما يعتقد أنه متلائم مع شروط الجائزة. ثمة ورقة مقتطعة من صحيفة “الشروق” وعليها نصّ مذكّرة تطالب القضاء البلجيكي بمحاكمة شارون باعتباره مجرم حرب، بسبب علاقته بمجازر صبرا وشاتيلا. تحت المذكرة أسماء الموقعين عليها وعددهم ثلاثمائة رجل وامرأة. دقق الأستاذ في الأسماء حتى عثر على اسمه: مهيوب حسن. الأستاذ غير عاتب على الصحيفة لأنها جرّدته من لقبه، وذلك بسبب وجود تنويه يشير إلى حفظ الألقاب، وقد تم بموجب ذلك التنويه تجريد الجميع من ألقابهم، مع أن الأستاذ كان يفضّل لو أن الصحيفة ثبّتت لقبه وألقاب الآخرين قبل أسمائهم، فذلك يضفي على المذكرة مهابة لا بد منها. (آه، طبعاً، وما فائدة الكلام الآن؟) ثمة ورقة أخرى مقتطعة من الصحيفة نفسها، وفيها صورة للأستاذ مهيوب مع آخرين، أثناء المشاركة في السلسلة البشرية حول سور القدس، وذلك احتجاجاً على الإجراءات الإسرائيلية التي ترمي إلى تهويد المدينة، يومها جاء أناس محبون للسلام من كل مكان: فلسطينيون، إسرائيليون، أوربيون، وأمريكان. ويا سبحان الله، كان من حسن حظ الأستاذ مهيوب، أن الرجل الذي قبض على يمناه إسرائيلي في مثل سنه (لا يُستبعد أنه يتطلع إلى جائزة نوبل هو الآخر) وأن البنت الشابة التي قبضت على يسراه بريطانية، من بريطانيا العظمى بالذات (آه، طبعاً، لو كانت البنت من كوستاريكا مثلاً لما أثارت الحماسة نفسها في نفس الأستاذ) حدّثها أثناء الوقوف في السلسلة البشرية حول سور المدينة، عن ابنه طبيب الأسنان المقيم هو وزوجته الأيرلندية في بريطانيا العظمى، حدّثته بدورها عن غلاء المعيشة هناك. 
توقّف الأستاذ عند رزمة كبيرة من أوراق الصحيفة إياها، لوَّحَ بيده التي تقبض على الرزمة، قاصداً إقناع زوجته بأن لديه مبررات قوية للتقدم لنيل الجائزة. قال مقلداً صوت الكمان:
_ آه طبعاً، جائزة نوبل للسلام.
اتجهت مقبولة إلى المطبخ لتعدَّ له ولها شاي المساء. انهمك الأستاذ في تفحّص رزمة الأوراق، التي تحتوي على سبعمائة أو أكثر قليلاً من الإعلانات المنشورة في الصحيفة على امتداد عشر سنوات، وفي ذيل كل إعلان قائمة بالأسماء، وبينها اسم الأستاذ مقروناً بلقبه وكنيته إلا في قليل من الحالات. كان الأستاذ يشترط على من يكتب نص الإعلان، التقيّد بذكر اسمه ولقبه وكنيته بغضّ النظر عن أي اعتبار، وحينما يسقط اللقب لسبب أو لآخر، يثور الأستاذ، وتتم تسوية الأمر بالاعتذارات المشفوعة بوعود قاطعة بعدم تكرار هذا الخطأ. أما الإعلانات فهي ليست إلا التعبير الملموس عن نشاط الأستاذ مهيوب في تسوية الخلافات العشائرية المحتدمة في الحي الذي يسكن فيه وفي بقية الأحياء. ينشب شجار لأتفه الأسباب بين عائلتين، يُشج رأس شخص ما بحجر أو فأس، ثم يفارق الحياة، يستلزم مثل هذا الأمر مجموعة من الإجراءات العشائرية لمنع تفاقم الخلاف ووقوع إصابات جديدة بين المتخاصمين، ينشط الأستاذ مهيوب وعدد آخر من وجهاء الحي للجم الخلاف، ولأخذ هدنة بين المتخاصمين، ونشر إعلان في الصحيفة يشير إلى ذلك، متضمّناً أسماء الوجهاء الساعين إلى الخير. دور الأستاذ مهيوب يقتصر على مرافقة أفراد الجاهة التي ينبغي أن يكون عددها كبيراً لكي توقع التأثير المطلوب في نفوس أهل الفقيد، لا يتفوّه الأستاذ مهيوب بأية كلمة، ولا يترتّب عليه القيام بأي فعل، ومع ذلك فإن هذا الدور له أهميته في التشكيلة العشائرية، المحتاجة إلى إطالة عمرها عبر استمرار الخصومات البدائية، وعبر الأشخاص الطيبين، المستعدّين للتضحية بجزء غير قليل من وقتهم للسعي المثابر، بين المتخاصمين، لحقن الدماء ولإحلال الصلح بينهم ولو إلى حين. (لا ينتبه الأستاذ إلى أنه في غمرة هذا النشاط الذي يحجز وقته ويصرفه عن شؤون أخرى لا بدّ منها، يتحوّل إلى كائن محدود الأفق سطحي التفكير، ولكن، هل يُعقل أن يتخلى عن نشاطه هذا، وهو يرى حالة الفوضى التي أوصلنا إليها الاحتلال؟)
الأستاذ مهيوب يتذكّر بنوع من الفخار وهو يحتسي الشاي، كم من الخصومات تدخل فيها مع صحبه من وجهاء الحي خلال السنوات العشر الماضية، أي منذ أحيل على التقاعد، بعد ثلاثين سنة من تدريس الأولاد. (اقترح على السلطة الفلسطينية أن تضمّه إلى وفدها الذي يتفاوض مع الإسرائيليين للاستفادة من خبراته في إبرام مواثيق الصلح، إلا أنه لم يتلق رداً على اقتراحه، ما جعله منقبض النفس نوعاً ما، وراح يفكر تحت تأثير هذا الموقف بالهجرة إلى بريطانيا العظمى، ثم عدل عن الفكرة، واستبعدها تماماً) قال لزوجته وهي ترمقه بهدوء مدروس:
_ آه طبعاً، جهود جبّارة قمت بها لخدمة الناس في هذا الحي المسخوط.
_ تشرب كمان شاي؟
_ آه طبعاً، صُبّي شاي يا مقبولة، صُبي.
أخرج الأستاذ مهيوب دفتراً مكوّناً من ست وتسعين ورقة، فيه أسماء خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وعشرين تلميذاً درسوا الحساب والهندسة على يديه. أبدى الأستاذ نباهة وبعد نظر منذ أيامه الأولى في مهنة التدريس، وحرص على تسجيل أسماء التلاميذ الذين درّسهم، أولاً بأول في هذا الدفتر السميك. الأستاذ مربي أجيال قدير، قدّم للبشرية عقولاً كبيرة نيرة. تكوّنت لديه بعد خدمته الطويلة في المدارس، قائمة مدهشة من الأسماء. (أبدى أسفه لأن زوجته لم تحتفظ بقائمة مشابهة بأسماء تلميذاتها اللواتي درسن على يديها وهي تعمل في التدريس طوال عشرين سنة. ولسدّ هذه الثغرة، سيذكر للجنة الجائزة، أن مقبولة درّست ما لا يقل عن ثلاثة آلاف بنت، بعضهن من ألمع نساء المجتمع الآن) اهتم الأستاذ بمتابعة مصائر تلاميذه واحداً واحداً، بالاستفسارات المتأنّية عنهم وبالاتصال المباشر بهم. أعداد غير قليلة من تلاميذه لم تواصل التعلّم في المدارس أو في الجامعات لهذا السبب أو ذاك. بعضهم قاوموا الاحتلال واستشهدوا، وبعضهم أصبحوا أطباء ومهندسين وصحافيين وكتّاباً وأساتذة جامعات وقضاة. ثلاثة أو أربعة من تلاميذه تورّطوا وأصبحوا عملاء لسلطات الاحتلال، وواحد من تلاميذه يعتبر من أبرز علماء الفيزياء في أمريكا، أكمل دراسته في إحدى جامعاتها واستمرّ يعمل هناك، تماماً مثلما فعل ابنه غاندي المقيم في بريطانيا العظمى. ثلاثة من تلاميذه أعضاء في المجلس التشريعي، آه، طبعاً، وواحد منهم أصبح وزيراً. بادر إلى الهاتف وهو يتذكّر تلميذه الوزير:
_ (قرع طبول)آلو، أنا الأستاذ مهيوب حسن، أبو غاندي. 
_ أهلا بأستاذي المحترم.
_ (قرع طبول) قل لي يا معالي الوزير: يظهر أن شارون مستمر في بناء الجدار. (صوت كمان) آه، طبعاً، جدار الفصل العنصري (قرع طبول) قل لي: عندك معلومات عن جائزة نوبل؟ عندك؟ طيب شكراً، مع السلامة.
أمضى الأستاذ مهيوب ثلاثة أسابيع وهو يعدّ الوثائق والشهادات تمهيداً لرفعها إلى لجنة الجائزة. ساورته بعض المخاوف من أنه قد لا يفوز بالجائزة لكثرة المتنافسين عليها، (الأستاذ لا يلقي بالاً إلى المغرضين الذين يقولون إن ثمة شبهات تحوم حول جائزة نوبل، لأنها تُمنح بين الحين والآخر لأشخاص غير جديرين بأية جوائز) لم يكترث لذلك، كاشف زوجته بمخاوفه، ولم ينتظر جوابها. قال:
_ آه طبعاً، ممكن أني لا أفوز، وعلي أن أتقبل النتيجة بروح رياضية. 
ثم أضاف:
_ حتى لو لم أنل الجائزة، يكفيني أن يعرف الناس أنني أحد المتقدّمين لجائزة نوبل. 
حمل أوراقه كلها في ملف واحد، واتجه إلى مبنى البريد لكي يرسل طلباً مرفقاً بالوثائق والشهادات إلى لجنة الجائزة في ستوكهولم، واجهته دورية عسكرية أمام مبنى البريد. قام الجنود بتفتيشه تفتيشاً دقيقاً، وحينما لم يجدوا معه سوى ملف جائزة نوبل، (الأستاذ أخبرهم بأمر الملف لعلهم يوقفون التفتيش) راحوا يعبثون به بخشونة واستهتار. كانت الريح شديدة ذلك النهار، أخذت أوراق الملف تتطاير بفعل الريح، والأستاذ مهيوب يتألم بصمت، والجنود لا يكترثون لفعلتهم النكراء (آه، طبعاً. هذا ملف لأكبر جائزة دولية، ومع ذلك يتصرّفون تجاهه من دون احترام) تطايرت أوراق الملف كلها تقريباً، وحينما أعاده الجنود إلى الأستاذ، وجده فارغاً.
عاد إلى البيت حزيناً، تأملته زوجته بتعاطف لا شك فيه. قال لها بصوت كأنه عويل الكمان:
_ لا تقلقي يا مقبولة، كل شيء متوقع في هذا الزمان. 
__________
*روائي وقاص فلسطيني

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *