فاطمة أحمد*
خاص ( ثقافات )
لا أتعجب من رؤية طلاب السنوات الأولى والدراسات العليا في جامعة حلب، وهم يشعرون بالفرحة الغامرة حينما يقبلون إلى حضور محاضرات د.حسين الصديق. فأن يكون المرء مرشداً، ومعلّماً، وحكيماً ليس بالأمر السهل فهو يحتاج إلى تفرّد وتميّز في الشخصيّة.
يقيم د.حسين الصديق علاقة استثنائية مع طلابه، تنطلق من فكرة مفادها معرفة الذات، ويساعدهم كي يكتشفوا الطاقات الكامنة في أنفسهم، بناء على مبدأ أن الإنسان أرقى الموجودات وأكملها.
يلتقي طلابه برحابة صدر، وابتسامة صادقة لا تفارق محياه، ويعلّمهم معاني الجمال، والمعرفة، والنبل، واللباقة، والابتعاد عن القبح، ويبث في أذهانهم الوعي ليميزوا بين المزيف والحقيقي، ويعرفوا كل ما يحيط بهم من أفكار ومقولات نظرية وإيديولوجية.
فهمت من د.حسين الصديق في سنواتي الجامعية معاني الكثير من المفاهيم: الأنساق الثقافية العالمة وغير العالمة، والجوهر والعرض، والعلاقة بين الإنسان/ الإله/ الكون، بأسلوب منطقي. وتعلمت منه البحث الهادئ عن الجمال بعيداً عن ضجيج العالم وما يحتويه من فوضى عارمة. تدهشني تلك الحكمة التي يمتلكها وكلما سألته عنها قال لي: إنها أتت بعد تجارب حياتية، وقراءات كثيرة، وتدبّر وتفكّر في مخلوقات الأرض، وحركة الكون وسيرورتها. وكلما وطئت قدمي عتبة “مكتبه الجامعي” تملكني شعور الراحة والطمأنينة، وأتأمل بتمعن كل تفصيلاته فأشعر وكأنني في حرم الجمال!!
لا أعرف كم عدد الأستاذة والمعلمين في بلادي الذين يمتلكون التميّز، والحكمة في عصرنا هذا، ولكن ما أعرفه جيداً أن المعلم لا تنحصر مهمته في إطار تلقين الطلاب معلومات حفظها عن ظهر قلب دون فهم أبعادها، وتقديم المادة العلمية كما هي دون إثارة أفكار إبداعية في أذهان طلبتهم.
لا تهتم المناهج التعليمية في عالمنا العربي عامة، بخصوصية الطلاب، واهتماماتهم، ورغباتهم، ولا تشمل خططها دراسة الأبعاد النفسية للطالب، لذا يترتب على المعلم مهمة مضاعفة تقوم على بناء جسر تواصل ووئام بين الطالب ومادته التعليمية.
نعيش جميعاً في عصر اختلاط القيم الجمالية والأخلاقية، وحرب سياسية عشوائية تشمل الكبير والصغير. لذا نحتاج إلى معلمين يمتلكون حكمة، وقدرة على صنع الثقة في نفوس طلابهم، وتعليمهم حب الحياة في مواجهة الموت. إذ إن تطور الأمم والحضارات تقاس بتطوّر التعليم ورقيها، فكلما ازدهر التعليم وتحسّن مستواه، تطوّر المجتمع كله.
في اليوم السنوي لعيد المعلم، أهنئ المعلمين جميعاً، وأقول لأستاذي د.حسين الصديق: أن أكون تلميذتك في الجامعة، وفي البحث العلمي، فهو فخر وشرف لي!
ملاحظة: د.حسين الصديق: أستاذ في نظرية الأدب وعلم الجمال في جامعة حلب
__________
*
باحثة وأكاديمية سورية