قصص قصيرة جدّا



*عثمان بالنائلة


خاص ( ثقافات )
مشاكسات
طلبت منه نصف ليمونة. نظر لبقايا البقدونس المبعثرة أرضا. و قال لها: “لا تضعين دائما الزبالة في مكانها.”. تأفّفت. و أجابته: “و من ينظّف البيت غيري. لماذا لا تدعني أقضي شؤوني بطريقتي.”. فقال لها: “طريقتك يا مدام هي ترك الأوساخ مبدئيّا و جمعها بعد ذلك و هذا لا يعجبني. فهو أمر لا يعقل. كوني منظّمة يا اِمرأة. فهذا سيكون أفضل لك و لي.”. جلبت الليمونة. و شطرتها نصفين بينما كانت تبدو منصتة له. ثمّ قالت: “لا يعتمد عليك في شيء يا رجل.”.
صحّة
يتدلّى لسانه و يجف ريقه كلّما صعد الربوة تلو الربوة حتّى يبلغ بيته. شاهد اليوم سائحا آسياويّا مسنّا يقوم بتمرين المشي بسعادة و رشاقة. بقي يلهث صاعدا وراءه و العرق يغمر جسده. وصل إلى منتصف الطريق. نفذ صبره. فأخرج من بين طيّات ثيابه علبة السجائر. و أخذ منها واحدة. و دسّها بين شفتيه. أشعلها بينما لم تفارق عيناه الشيخ العجيب.
مشاهدة
يقف دائما أمام سينما الأضواء الحمراء يتفحّص وجوه الفتيات و النساء. اِنضمّ إليه هذه المرّة صديقه ماهر فعبّرا عن ما يجوش بنفسيهما. حاولا أن يغازلا بعضهنّ حتّى ضاق بائع التذاكر بهما ذرعا. فشرعا يصفان له العيون الأخّاذة و الأجساد البضّة. فقال لهما: “ويحكما اِتّقيا الله.”. دخلت فتاتان فاتنتان تبغيان اِقتطاع تذكرتين. فضحك بائع التذاكر قائلا: “سبحان الله! كان الله في عوننا.”.
خدمة
دخل إلى البنك بثيابه الرثّة. نظروا إليه شزرا. لم يهتمّ بنظراتهم النابية. و بحث عن مقعد شاغر. جلس. و تخلّى الجالسون بجواره عن أمكنتهم. اِبتسم بعضهم لبعض. و تأفّفت سيّدة من رائحته. تنبّه أحد موظّفي البنك إلى وجوده. فهبّ إليه مرحّبا راغبا في مساعدته قائلا: “تفضّل سيادتك. يمكنك مرافقتي إلى المكتب لتشرب قهوتك بينما يقوم أحد زملائي بإيداع المبلغ.”.
بمقابل
خطا أوّل خطواته في السجن. اِشتمّ مزيجا غريبا من رائحة البول و السجائر و روائح أخرى عرف بعضها و جهل البعض الآخر. كان المكان مظلما موحشا. سمع قهقهات و همهمات و أصوات متحاورة متداخلة. رأى خيوطا مغبرّة من الضوء تدخل من بين القضبان. اِقترب منه أحد المساجين. و قال له: “خيرنا خارج السجن خيرنا داخله. و الناس درجات.”. فدسّ في يده ورقة نقديّة. اِبتسم مخاطبه. و أشار إلى المكان الّذي خصّص له.
طموح
تلاعبت يدها بخصلات شعرها بينما كانت مستغرقة في التفكير. أسرّت في نفسها قائلة: “يعجبني. لكنّني لا أحبّ أن أرتبط بواحد من صغار الموظّفين.”. حاولت أن تستفهم منه في لقائهما الأخير إن كان راغبا و قادرا على تغيير عمله. و قالت له: “أنا صابرة لأنّي أعلم أنّك صاحب شهادة عليا و أنّك تستحقّ خيرا من وظيفة كاتب تصرّف لا يتجاوز مستواه شهادة الباكلوريا.”. و اِستغربت أنّه لم يسألها يوما عن سبب عدم إتمامها دراستها الثانويّة.
الكسب
دعاه العمّ يونس إلى الجلوس بجانبه. و أحضر له كرسيّا كان قد أخفاه وراء العربة. سأله عن حال والديه و عن حاله. فأخبره أنّ كلّ شيء على ما يرام. قال له: “و هل وجدت وظيفة؟”. فطأطأ رأسه و أجابه قائلا: “ليس بعد. أدعو لي بالخير يا عمّ يونس. “. اِبتسم الرجل المسنّ. و صبّ له كأس الشاي. و قدّمه له. ثمّ قال: “عندي لك خير من الدعاء. فأنا أرغب أن أترك لك تجارتي. تديرها كما تشاء. و نتقاسم الأرباح.”. فاِبتسم. و أجابه: “لن أبدأ مسيرتي في الحياة بواسطة عربة خضار.”.
الجوع
عرض الأحذية المستعملة للبيع على الرصيف. تأمّل وجوه المارّة و كأنّه يريد أن يعرف إن كان أحدهم سيلتفت لبضاعته أو لعلّه كان يعتقد أنّ لديه قدرة خفيّة على جلب الزبائن. كان يمسحها بين الفينة و الأخرى بكمّ قميصه المتّسخ. نظر إلى طفل يأكل قطعة “بيتزا”. و أعطى بعضا منها للهرّة. اِنتظر البائع اِبتعاد الصغير ليلتقط اللقمة من فم القطّة.
لاوعي
فتح الباب. و خرج مرتديا المعطف على “البيجاما”. حاول أن يفتح عيناه الشبه مقفلتين. مشى أوّل الأمر على الرصيف. رأى رجلا يتبوّل في الشارع. اِنزعج. و مشى في وسط الطريق الخالي. سمع صوت سكران يغنّي أطربه. فاِلتفت يمنة و يسرة بحثا عنه بلا جدوى. إذ كان المكان معتما. أحسّ فجأة بالإنهاك. جلس على قارعة الطريق. فقد إحساسه بجسده. و وجد نفسه يتبوّل.
مزاج
تأبّط محفظته الجلديّة المقشّرة الجوانب. و بدأ جولته الصباحيّة بمضايقة جاره حسن الحلاّق. إذ كان يطلق عليه اِسم أبا المقصّ الجوعان. و كان يعايره بشعره المصبوغ. ترشّف قليلا من كوب شايه. و ألقى نظرة مستعجلة على زبائن مقهى الرجولة. فوجد عددهم خمسة كالمعتاد. فاِبتسم. و ألقى التحيّة على العمّ إسماعيل الموظّف بوزارة النقل العموميّ. أبصر الحافلة تتأهّب للاِنطلاق. فجرى حتّى تمكّن من اللحاق بها. و ركبها لاهثا. و لعن سرّا وسائل المواصلات و العاملين فيها على حدّ السواء.
____
*قاص تونسي

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *