أعطاب البداية.. قراءة في رواية “نوميديا”


*عبد الجليل لعميري


خاص ( ثقافات ) 
بغض النظر عن ترشح هذه الرواية للائحة القصيرة للبوكر فإنها تستحق القراءة والاهتمام ،لأنها باكورة كاتب شاب استطاع أن يسجل نفسه في لائحة الكبار، ولذلك ستكون هذه الملاحظات التالية منطلقة من احترام العمل وتأكيدا على قيمته الفنية ومحاورة متفاعلة مع اختيارات الكاتب ومساهمة في جدلية الكتابة والتلقي.
*عطب الجنس في الرواية :
يعتبر الجنس حالة وحاجة فيزولوجية ونفسية مرتبطة بالإنسان ،وله دور أساسي في شخصيته،وما حضوره في العمل الإبداعي (والرواية ضمنه) سوى تجسيد لحضوره في الحياة عموما،ولأنه نشاط متميز تكون له آثار ونتائج متعددة تجعله يتأرجح بين (الشرعية/الزواج)و (الإباحية /خارج المؤسسة)،ومن هنا أصبح موضوعا للأحكام الأخلاقية والدينية والاجتماعية ،وموضوعا للبحث الفلسفي والنفسي والتربوي.
فما مبررات حضوره في العمل الروائي؟
يحضر الجنس في الرواية من بابها الواسع ،فشخصياتها هي كائنات لها حاجات جنسية ونفسية ولا بد للتعرف عليها وتعريفها أن نطل عليها من نافذة جسدها ونشاطه الجنسي،.فهذا المبدأ متفق عليه في استدعاء الجنس في الإبداع خصوصا أنه يرتبط بتيمة إبداعية معروفة وهي :الحب، ولكن كيف يمكن استحضار الجنس في الرواية وتوظيفه لبناء الأحداث والدلالات ؟.
لا شك أن الحضور الدائم للجنس في الرواية يتفاوت من حيث قيمته الفنية بين رواية وأخرى وكاتب وآخر، ويمكن تلخيص مظاهر حضوره في شكلين عامين :
1/الحضور الوظيفي ،حيث يكون الجنس دالا وكاشفا عن أبعاد الشخصيات ومجسدا للتحولات النفسية وسيرورة الأحداث، إلى درجة لا يمكن حذفه جزئيا أو كليا من النص فيصبح لا غنى عنه لفهم الرواية.
2/الحضور التزييني ، حيث يصبح تصوير المشاهد الجنسية مجرد استعراض بورنوغرافي هدفه قصير المدى : الإثارة ومخاطبة غرائز بعض أنواع القراء لتهييج مشاعرهم ،ولكنه فاقد لكل دلالة عميقة ، بل يمكن حذف مشاهد كاملة بدون تأثير على مضمون النص.
والأكيد أننا في حاجة لتوظيف فني للجنس داخل الرواية لبناء الدلالات ولسنا في حاجة لتوظيف بورنوغرافي للجنس فيها ، لأن الفيلم البورنوغرافي يتفوق عليها بأميال ضوئية ويجعلها مجرد نسخة سطحية ومختصرة ليس إلا.
ومن هنا يتولد الرهان الفني على توظيف الجنس داخل الرواية ، كما هو الحال مع باقي المواضيع والقضايا الأخرى باقتصاد معقلن ورمزية دالة وعمق إنساني سواء لكشف ايجابياته أو سلبياته.
فما صورة الجنس في نوميديا ؟
الوعل يظهر في الرواية كزير نساء(عنتر شايل سيفو) يمارس الغزو الجنسي للنساء(التلميذة/حياة/ابنة متبنيه/نضال/جوليا/خولة/،.)،وتغرق الرواية في مشاهد مطولة للجنس،الظاهر يقول بان أوداد فحل من فحول الشرق،أما الخفي فيكشف لنا عن شخصية مضطربة وضعيفة ومريضة ومهزوزة نفسيا،وهنا المفارقة :
كيف لمراد أن يمارس الجنس بقوة وفحولة وهو المريض جسديا (ينزف طول الوقت من أنفه) والمتعب نفسيا (ينزف عاطفيا بسبب جهله بأمه وأبيه واعتباره لقيطا في عيون أهل اغرم)؟. كيف له أن يتناول الدواء ويحقن جسمه بالحقن ويشرب الخمرة دفعة واحدة؟. كيف لجسد منخور بالإدمان على التدخين والخمرة ومنهك بالنزيفين المادي والروحي أن يكون فحلا جنسيا؟.
هناك “كيمياء” لا منطقية في الجمع بين هذه المعطيات لدرجة يمكن أن نتخيل معها أن الوعل ليس هو هو دائما ،بل هو أكثر من شخص، أو على الأقل عندما يمارس الجنس يتحول – وبدون مبرر موضوعي- إلى شخص جديد (بدون أمراض ولا ضعف بدني أو نفسي).
إن بناء شخصية الوعل لم يكن موفقا من هذه الناحية،فإن نجحت الرواية في تقديم شخصية مراد الوعل أوداد عبر ملفه الطبي وعبر عين خولة وعبر شهادته الذاتية وهو يرسم ملامحه/ملامح الوعل لجوليا ،.فإنها لم تؤمن ذلك النجاح حين رصدت علاقاته بالنساء (وعبر الجنس خصوصا).يضاف إلى هذا، أن الجرعة الجنسية داخل الرواية تجاوزت الحدود المعقولة وجعلت من مراد كائنا لا نرى منه بعده الثقافي والإنساني إلا مدرجا بروائح الجنس والسجائر والخمرة، وفي ذلك طمر لأبعاد مهمة في هذه الشخصية المأساوية.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *