الفنان التشكيلي الألماني بيوس فوكس: الجمال قوة دافعة تحفزني




حوار: صابرينا مولر/ *ترجمة: د. سعيد سلمان الخواجة


خاص ( ثقافات )

المقدمة: 
ولد الفنان التشكيلي بيوس فوكس في برلين سنة 1983، وحصل على شهادة لتدريس الفنون الجميلة. أقام عدة معارض فنّية وشاركت لوحاته في معارض لندن ونيويورك وميونيخ، وبرلين وباريس. 

إن الرسم المجرد يتحدث بلغته الخاصة، ولذلك، فهو يتطلب المزيد من المشاهد والجمهور (هذا ما كتبه ترافيس جيبيسن). كما أن الفن المجرد يمثل معظم أعمال فنان برلين بيوس فوكس، والذي يمتلك حاليا كشكا للفنون في فولتا/ نيو يورك. وتتميز أعماله بطبقات ألوان سلسة وأشكال جيومترية. وفي المقابلة التي أجرتها معه صابرين مولر، يتحدث فوكس عن لوحاته، واحترامه الشديد للأشكال الفنية الأخرى، وعن تشكيلات زومبي. 
//
س: ما الذي جعلك تكتشف الرسم؟ 
ج: عندما كنت على مقاعد الدراسة، كرست نفسي لتعلم الموسيقى. وفي وقت لاحق، حضرت دروسا في مدرسة فنية حيث شعرت بحرية التعبير عن نفسي فبدأت بمحاولة وتجربة أشياء جديدة. كان والديّ من المانيا الغربية وفي مرحلة ما، اصطحبتني والدتي إلى مجموعة من الفنانين في برلين الغربية وقدم بأعمال الرسم هناك. وكان لهذه المجموعة من الفنانين تأثير كبير عليّ لاحقا. كما أن جميع هذه العلاقات واللقاءات جعلتني أكثر قربا من الرسم وإلى الفن بشكل عام. وكانت أول كتب فنيةّ استعرتها من المكتبة حيث كنت في العاشرة من عمري، وكانت لأعمال مونيت وفان كوخ. لقد أعجبتني الألوان التي استخدمها هؤلاء الفنانين. وبشكل عام، فقد بدأت في التعامل مع الرسم بجدّية عندما بلغت سن السابعة عشرة. 
س: تدل أعمالك على نزعة مجرّدة واضحة. فبينما كانت أوائل أعمال تبين عناصر رقمية، إلا أن أعمالك الجديدة تتصف بالمفردات الجيومترية البحتة في أشكال وطبقات الألوان. 
ج: خلال العامين الماضيين، قمت بعمل لوحتين مجردتين مخادعتين وبدأت التفكير بمزيد من الأشياء المجردة وبشكل أكثر من ذي قبل. وفي الماضي، كانت أعمالي المجردة نتيجة للفشل في التشكيلات الرقمية. وما زلت أعمل جاهدا لكي أحقق النجاح في الفن التشكيلي، ومع ذلك، فلديّ لوحتين في الاستوديو الخاص بي منذ مدة وذلك لأنها – وببساطة- لم تقنعني. وأحيانا، أحب استخدام مزيد من اللغة المحسوسة، وأعمل بشكل أكثر على اللوحات التشيلكية. ومن الصعوبة بمكان نقل ما يتجاوز المرئي. فهذا يستغرق وقتا طويلة. وهنالك الكثير من اللوحات الميتة، والرمادية، والتشكيلية. وللنجاح في رسم مثل هذه الأعمال يجب مشاهدة أعمال هانز هولبين الفنية.
س: تظهر أعمالك السابقة وبوضوح مدى تأثرك بالمعمار الذي يحيط بك. إلى أي حد تعتبر الأشياء المحيطة بك تمثل آخر أعمالك؟ 
ج: إنني أتعامل مع الأشياء المحيطة، ومثال ذلك الاستوديو خاصّتي، كمرجع. فخلال السنة الماضية، أنجز الكثير من الأعمال من خلال التصوير. وقمت بإعادة صوري وميزتها عن صور أشياء أخرى. وبالنسبة لي، فإن التصوير يمكن من الوصول إلى أشياء مرئية وبطرق مختلفة. ومن الناحية التاريخية، فقد حل التصوير محل الرسم في تصوير وتجسيد العمل الفني. 
س: يبدو أن أعمالك تنجز من خلال الكثير من طبقات الألوان التي تستخدمها بطريقة ايجابية. هل يمكن أن تصف لنا هذه العملية ككل، بدءا من (الموتيفات) وانتهاء باللوحة المنجزة؟ هل تبدأ بفكرة محسوسة، أم أن العمل يتطور على اللوحة أو الورق؟
ج: هذا يعتمد. هنالك أعمال حيث لا تعرف ما الذي ستفعله. وبالمقابل، فهناك أعمال أخرى، حيث الرغبة والمعرفة تسيران جنبا لجنب. إن عملية الفشل تلعب دورا أساسيا في ذلك أيضا. 
س: هل يمكن القول بأن مختلف طبقات اللون وتداخلاته تحدث نتيجة للفشل المتكرر أثناء تنفيذ العمل؟ 
ج: لا يمكن التعميم – إن كل عمل يختلف عن الآخر. فمنذ لحظة بدئي للعمل على نماذج أكبر، اضطر إلى التركيز بشكل أكثر على العمل وعلى التقنيات الخاصة بي. وأواصل التساؤل عن كيف أن كبار الفنانين القدامى قد أبدعوا لوحاتهم الفنية. إن أعمالهم الفنية منضبطة وما زالت حيّة. ويمكن مقارنتها بالأداء الجيد. وعلاوة على ذلك، فإن طريقة عمل هذه الرسومات تمثل فنّا حقيقا، وهذا ينعكس أثناء العمل. وبخصوص العمل على نماذج أكبر، فقد وجدت نفسي مضطرا لبذل مزيد من الجهد على إنشاء أعمالي. ويبقى السؤال الهام هو: كيف تكتسب الألوان صفة الحياة؟ ما هي العلاقة بين الألوان؟.
س: إن ما هو غير الطبيعي، أنك تستخدم الزيت للرسم على الورق. إن المادة التي يصنع منها الورق تشكل تحديّا كبيرا. لماذا تجد العمل باستخدام الزيت على الورق ممتع؟ 
ج: إن ما يجعلني أكثر ميلا لاستخدام الورق يرتبط بشكل العمل الذي أريد إنجازه، وما مدى استخدام هذه المادة بشكل مباشر. ولكل من الورق “والكانفاس” (اللوحة الزيتية القماشية) مزايا ومساوىء. وفي الوقت الحالي، فإنني أميل إلى الانتقال بعيدا عن استخدام الزيت على الورق. ولهذا الأمر علاقة بمسألة العرض. ففي البداية، كنت أربط اللوحات الزيتية المعدة من الورق على الجدران. إن تأثيرها يخلق تأثيرا معينا بينما يمكن إدراك السطح. وحاليا، فإنني أميل إلى استخدام (الكانفاس) والخشب، وذلك لأسباب عملية، إذ أن الورق مادة قد تتعرض للتلف بشكل سريع، ولأن الخشب والكانفاس (اللوحة الزيتية القماشية) تعطيني مزيدا من الخيارات لاعداد سطح اللوحة الفنية. كما أن الخشب يمتاز بسطح صلب، ويمتاز الورق بالرّقة. 
س: تشير أعمالك إلى بعد جمالي واضح. ما هو دور الجمال في أعمالك؟ 
ج: يلعب الجمال دورا هاما بالنسبة لي. ففي أوقات الأزمات السياسية، يكون من الطبيعي أن أطرح تساؤلات حول مدى ارتباط الجمال بالسياسة. ومع ذلك، يبقى الجمال قوة دافعة تحفزني. وقد وصف كانت هذه العلاقة الخاصة مع العالم، ويعرف جميع العناصر التي أعتبرها جزءا من التجربة الجمالية. 

س: في وقت لاحق، ارتبط الرسم المحسوس والمزركس/ الديكوري بشكليات (زومبي). ما ردك على الانتقادات حول الفن المحسوس؟ 
ج: من الواضح أن لهذا الانتقاد مبرراته. ويواصل الفنانون الحسيّون التساؤل: هل هذا كل ما يتعلق بالجمال، أم أن هنالك أشياء أخرى؟ ولهذا يجب ان ننتقد النقاد بسبب الفشل في صياغة البدائل. أين يقع خط الغوص بين الفن الجمالي وغير الجمالي؟ ما هو الأمر المناقض لذلك؟ 
إذا حاولنا رسم نموذج مناقض للجمال، ولكنه فارغ من الفن وبمحتوى فني غني، تصبح الأمور أكثر صعوبة. لقد جرت نفس المناقشات حول الفن الأدنى. إن تاريخ الفنون مفعم بالأعمال الفنية الجمالية وهذا ليس بجديد أو غير مبرر. وعلى أية حال، فإن ذلك غير مرتبط كليا بالممارس الفنية ونتيجة تقييمها. فبينما أن الحرب العالمية الثانية كانت مدمرة لاوروبا، إلا أن كلا من ماتيس و موراندي واصلو رسم الصور الصغيرة، وتعرضوا للنقد بسبب ذلك. ولسبب وجيه، يبقى السؤال حول ما إذا كانت هذه التصنيفات بنّاءة أم العكس. وهناك نوع من الفنان الذي يحاول الهرب من العالم، كما أن هنالك فنانون آخرون يواصلون العمل على إحداث التغيير. وبالنسبة لي، فإن العنصر الروحي للفن هو الأكثر أهمية. ولكن من الضروري الفصل بينهما. ليس بسبب ما أعتبره خطأ أو صوابا، بل بسبب تركيبة شخصيتي. ولكي تنجز عملا متميزا، ولتعبر عن نفسك من خلال المادة، فعليك استغلال جميع قدراتك ومهاراتك .
وإضافة إلى ذلك، فالأمر الجيد هو أن النقاد لا يتقبلون الفن على افتراض أنه جمالي أو يربط باتجاهات معينة. إن ما يزعجني هو أن النقد ينزع إلى تقسيم الشكل والمحتوى إلى معسكرين متناقضين. 
س: هل تعدّها مشكلة عندما يتوافق الفن بشكل جيد في غرفة معيشتك؟
ج: من خلال ملاحظة الآليات المعقد لسوق الفنون، والمبيعات، والتقدير، ودرجات الفنانين، فإنك تبدأ بالتساؤل حول المقصود من وراء ذلك. ربما يحقق البعض السعادة من مشاهدة الفن، فيقومون بشراء لوحات فنيّة، وبأفضل الأحوال يطورون علاقة وطيدة مع العمل الذي يمتلكونه. وفي أحيان أخرى، ينتهي المطاف بأن تتشارك في شيء كنت تود نقله من خلال عملك الفني. لا بأس في ذلك، وهو جزء من عملية الابداع الفني. ولكن هذا قد يكون سيناريو مثاليا. فعلى أرض الواقع، هناك الكثير من العناصر التي تمثل مشكلة. 
س: لو اخترت عملا أثر على تطورك، فماذا تختار؟ 
ج: أعتقد سأختار ” حلم قسطنطين” للفنان (بييرو بيللا فرانسيسكا). إن ما يثيرني في هذه اللوحة هو الوضوح من احد الجوانب، والمناخ والشعر على الجانب الآخر. إنه يحتوي على رحلة جريئة للملائكة، وتعلقه الحرفي بالرسم، والهدوء الحالم أثناء النوم، ومشاهدته، وعنصر الضوء، كل هذه تسمح للحلم بأن يتّسع… 
________________ 
*عضو رابطة الكتاب الاردنيين/ كاتب، قاص، مترجم، ومحاضر غير متفرغ. 

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *