*ميساء البشيتي
خاص ( ثقافات )
لا تستوقفني أرجوك فأنا في عجالة من أمري .. لديَّ موعد حان وقته .. لدي موعد مستعجل مع الفراغ !
أستلقي على مقاعد العمر ، أصحو من أحلام كانت لي ، أستقبل الصباح ، أعدُّ إليه ركوة القهوة بعد أن أغليها على نيران قلبي ثم أدلقها في جوفه وأنا على عجالة من أمري .
أجلس في حديقة الوقت .. أحادثه لبعض الوقت ، أهمس لوروده ، ألاطفها بعجالة ثم أستحضر صورتك وأفرك لها أذنيها حتى تحمرَّ من شدة الألم .. ألملم في حجري حروفك التي تمكنتُ من الظفر بها .. أرتب قوافيها من الألف إلى الياء ثم أترك عليها بصمة مجهولة .. وأمضي في عجالة من أمري .. علني ألحق موعدي مع الفراغ .
كيف أضحت كل تلك المسافات فراغاً .. الأرض التي كانت تجمعنا .. السماء التي كانت تمطرنا لآلئاً من العشق .. الشمس التي كانت تخيفك .. البحر الذي تعشق .. ساعة الوقت المثبتة على جدران اللقاءات .. كيف أضحت وأضحى كل شيء معها فراغاً ؟!
صورتك على الحائط حزينة .. تنظر إليَّ بعيون العتاب .. صورتك التي ما شبعتُ يوماً من التحديق في تفاصيلها وحيدة لأني ما عدت أغفل عن أناملي متغلغلة فيها .
نبرة صوتك الدافىء التي كانت تصلني عبر الهاتف القديم .. أضحت مضطربة .. مرتجفة .. ممزقة الأوصال .. تتساءل بجنون كيف لم أعد أعيرها أذن الوقت لتبكي بين ذراعيها ..
وهذا الأيلول الآفل .. يجهش بعويل الخريف .. يمرُّ مكسور الجناح .. لا تلثم قلبه بوردة صيفية الملامح .. ولا تلملم نشيده المجروح ..
كيف تحول كل شيء إلى مدن شاسعة من الفراغ ؟
كل هذا لا يهم .. ما يهم اليوم أنني أقطع كل هذه المسافات وحدي .. دون أن تنتظرني .. دون أن تعلم أنني طِوال الوقت كنت هناك .. على بوابات الانتظار .. أتخطى حواجزاً ضبابية .. وأخرى من رمال .. أكفر عن حواجزٍ رصفتها تحت قدميك يوم كانت الحياة ملك لي وبين يدي .. كم تعثرتَ فيها .. كم وقعتَ .. وكم نجوتَ .
كل هذا أقطعه اليوم وحدي ليس لأداعب صورتك .. أو لألملم بقايا صوتك .. أو لأجمع بعضاً من بقايا عبيرك .. أو حتى لأحضن لفافات تبغك المتناثرة على جدائل الصبا ..
كل هذه المسافات أقطعها على عجالة من أمري لأعبر شوارع الفراغ .. لأنتهي إلى مدينة الفراغ .. لأنضم إلى جزيئيات الفراغ فأنغمس فيها بما يكفي لأشكل بصمة مجهولة في عالم الفراغ .
أركض بهذا الزمن .. لأحجز لي مقعداً من الفراغ .. في حدائق الفراغ الكبرى التي أنوي الوصول إليها ذهاباً بلا إياب .. أقطع الزمن لأذوب في رغوة الفراغ .. فأنا على موعد مع الفراغ .