مجلة “القافلة” تكشف سرّ الجينز الأزرق



خاص ( ثقافات )

تواصل مجلة “القافلة” في عددها الجديد الذي صدر مؤخراً إرساء هويتها كمجلة ثقافية منوعة لا تسعى إلى الاستمرارية بالمعنى الزمني – كمجلة عربية عريقة – فحسب، وإنما تروم التميّز والتفرّد والاختلاف، سواء لجهة المحتوى الغني والمتكامل أو الشكل الأنيق، الذي يعكس مستوى فنياً رفيعاً واحترافيةً عالية، من حيث التصميم العصري والإخراج.

يضم العدد الجديد من “القافلة” وجبة ثقافية وعلمية دسمة، دون أن تثقل القلب والفكر، وذلك ضمن أبواب وأقسام المجلة التي تغطي الأدب والفنون والعلوم والقضايا الحياتية تحت زوايا ذات عناوين لافتة مثل: “بداية كلام” و”قول في مقال” و”ماذا لو” و”عين وعدسة” و”فنان ومكان” و”أقول شعراً” و”بيت الرواية” و”فرشاة وإزميل” وغيرها من عناوين تشي بمحتوى خصب، متعدد الاهتمامات.

من أبواب العدد الجديرة بالتوقف عندها “المحطة الأولى”؛ التي تقدم تغطية نوعية لجلسة النقاش التي نظمتها “القافلة” على هامش فعاليات معرض الكتاب الذي استضافته مدينة جدة في السعودية مؤخراً، حيث شارك في الجلسة التي ناقشت التحديات التي تواجهها صناعة الكتاب عددٌ من المختصين في صناعة النشر في الوطن العربي. ويأتي “تقرير القافلة” ليدعم جلسة النقاش من خلال تناول “صناعة الكتاب في العالم” بالأرقام، مقدماً خلاصة إنفوغرافية وافية لإصدارات الكتب، الورقية والرقمية، عربياً وعالمياً.

وفي باب “أدب وفنون” نتوقف عند “الأدب الشعبي عند الأكراد”، وهي دراسة ضافية للكاتب مهوَش أحمد يكشف فيها جانباً من الجهد اللافت الذي بذله الشاعر والباحث الكردي صالح حميدو في جمع التراث والأدب الكردي الشفاهي، بما في ذلك الأغاني الكردية الحاضرة في تفاصيل الحياة اليومية للشعب الكردي التي تعبر عن أمنياته وآماله.

وفي زاوية “أقول شعراً”، نقرأ قصيدة “لا أقول لك الآن إني حزين” للشاعر السوري تمام التلاوي، وهي القصيدة التي كتبها خلال فترة ابتعاده عن زوجته وابنته بعد خروجه من سورية خلال السنة الثالثة من الحرب السورية.

وفي “بيت الرواية”، يقدم عبدالعزيز الزهراني قراءة في رواية “حفلة التفاهة” للروائي التشيكي ميلان كونديرا، علماً بأن الرواية التي تُرجمت إلى العربية وصدرت مؤخراً عن المركز الثقافي العربي، هي آخر أعمال الروائي العالمي البارز الذي تجاوز الخامسة والثمانين من العمر.

ويُعدّ “حياتنا اليوم” من أبواب المجلة الأكثر تميزاً وغنى، وهو معني بتناول ظواهر حياتية واجتماعية ذات بعد ثقافي عصري، من خلال مقاربات نيِّرة تُحيل الفكرة العابرة أو السهلة ظاهرياً أو غير ذات الشأن – كما قد يبدو – إلى ملمح مضيء عبر تسليط الضوء على قضايا ومفاهيم وعادات وأنماط حياتية تشكل جزءاً لا يتجزأ من الإرث المجتمعي العصري. في هذا الخصوص، يُحسب للقافلة، وعلى مدى عشرات الأعداد، أنها قاربت أفكاراً وموضوعات بطريقة مختلفة ومغايرة للمألوف، مثل: “السكرتيرة” و”الفاترينة” و”الدبلجة” و”الأثاث البيئي” و”التسوق عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي” و”البعد الاجتماعي للهدايا” و”آداب المائدة” وغيرها من مفردات الثقافة اليومية، كل ذلك عبر تشريح حيوي فريد من نوعه. في العدد الجديد، تتناول “القافلة” موضوعات حياتية عدة، من بينها “الإيموجي والتواصل بواسطة الرموز” و”الهندسة الاجتماعية.. فن اختراق العقول” و”الثقة في الدراسات الطبية”.

وفي باب “علوم وطاقة” نتوقّف مع باقة من الموضوعات العلمية التي تُطرح ضمن أسلوب شيّق ومطواع، يجعل المادة العلمية ثقافة ممتعة أبعد ما تكون عن الصرامة والجفاف المعهودين في مثل هذا النوع من الموضوعات. في العدد الجديد نقرأ عن “البلاستيك القابل للتحول” من حيث جدواه البيئية، و”التلوث الحراري للماء” كأحد أنواع التلوث البيئي الذي يلقى اهتماماً متزايداً، ومفهوم “الشعاع الجرّار” الذي يدخل في باب الخيال العلمي، و”الطاقة الشمسية” والخيارات الواقعية المتاحة لاستثمارها.
وتختم “القافلة” عددها الغني عبر بابها الأبرز والأكثر تميزاً والمعروف بـ”الملف”، الذي بات تقليديا “قافلياً” بامتياز، من خلال طرح قضية أو مفهوم يغطي أحد أبعاد التجربة الإنسانية، وسبرها تاريخياً وثقافياً وفنياً واجتماعياً من مختلف الأوجه الدالة. ويُحسب للقافلة في هذا الخصوص تناولها ملفات عدة، تبدو في ظاهرها خيارات غريبة أو غير مطروقة، لتُضاف هذه الخيارات إلى مبدأ الريادة الذي أرسته المجلة في السنوات الأخيرة. من بين الملفات التي أسهمت في صوغ هوية “القافلة” وشكلت بصمة في مسيرتها: الصفر، البطاطا، الحمار، الكذب، الظل، الإلهام، السؤال وعلامته، القلم، الكمان، الشاحنة، الضحك، وغيرها.

في العدد الأخير، يتناول ملف القافلة “الجينز الأزرق” ضمن دراسة تاريخية وثقافية واجتماعية مسهبة. ويترجم غلاف المجلة الأنيق روح الملف، من خلال لوحة تبدو أقرب إلى قطعة من قماش الجينز، كما لو أنه يتم معاينتها تحت المكبّر أو عدسة المجهر. شارك في إعداد الملف الزميلان إبراهيم العريس وشوقي الدويهي، حيث يقتفيان سر هذا اللباس الأثير عند ملايين البشر، الذي اقترن في البدايات بعمال المناجم الكادحين قبل أن يتحول إلى “صرعة” في عالم الموضة العالمية.

تصدر “القافلة” كل شهرين، عن شركة “أرامكو السعودية”، وهي توزع مجاناً للمشتركين. ومنذ صدورها في العام 1953، قطعت المجلة أشواطاً نوعية، مكتسبة في الأثناء شريحة متزايدة من القراء. ومع تدشين موقعها الإلكتروني قبل سنوات، أوجدت “القافلة” منصة تفاعلية، موسِّعة قاعدة قرائها على امتداد مساحة الوطن العربي.

ومع إصرار “القافلة” على البحث عن المختلف، عدداً تلو الآخر، وتكريس إرثها الريادي كمجلة ثقافية صامدة، وسط انكفاء تجارب أخرى على نحو مؤسف، لعل المطلوب من القائمين عليها العودة بها إلى صيغتها الشهرية، الذي كانت عليه قبل العام 2003، وتوسيع دائرة انتشارها لتكون على أرفف المكتبات العربية.
لتصفح الموقع الإلكتروني للقافلة:
http://qafilah.com/ar/

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *