(ثقافات)
آمال مختار تدفع ضريبة الجمال ” في أنقذتني الكتابة “
ـــ كلّ من عرف الكاتبة الروائية والصحفية النابهة آمال مختار أقرّ بأنّها امرأة جميلة . وما العجب في أن تكون روائية أو صحفية امرأة جميلة ؟ فهي ليست أوّل امرأة ذات جمال لافت ، ولن تكون آخر النساء حسنا . العجيب في الحقيقة أنّ الجمال في هذه المرأة كان سبب شقائها في حياتها . فالمعروف أنّ الجمال سلطة ، وأنّ للجمال سلطانا على القلوب وحتى على العقول ، وأنّ كثيرا ما يقرن بعض الفلاسفة الجمال إلى قيمة الخير وفكرة الحقيقة ، لكنّ الجمال في هذه المرأة كان قرين السوء وصنوف القيم المرذولة .
ـــ لم تكن آمال مختار واعية بهذا الجمال الأخّاذ الذي يتواتر ذكره على ألسنة النساء في الحيّ أو في حمّام القرية حتّى وقفت هي بنفسها أمام المرآة لتتأكّد من التمثال المرمري الذي يقوم فيها ، إذّاك عرفت السبب الحقيقي في حرص العائلة على تخصيص غرفة لها وحدها في البيت دون إخوتها الذكور الأربعة ، وأدركت من ساعتها معنى أن يتلهّف الوالد سي المختار العيّاري على اللحاق بمدرسة ابنته قبل وقت الخروج ليرافقها وقاية لها من “ذئاب” الطريق وفهمت من وقتها العلّة التي كانت تحفز أمّها على تزويجها مبكّرا فتتعلل البنت بالرغبة في مواصلة الدراسة .
ـــ جميع أفراد العائلة كانوا بمثابة الحصن الذي يحمي هذا الكنز من الجمال ويحفظه من عيون الذكور وسفساف مساعيهم .أفلم ترهي بنفسها وتسمع من زميلات لها غريرات أنّ معلّما بالمدرسة تحرّش بأكثر من واحدة ؟ أفلم تقف بنفسها على حالات من الاغتصاب عاشتها بعض التلميذات أو الأستاذات في المعهد وكتمن السرّ خشية الفضيحة الاجتماعية المدوّية ؟
آمال مختار عاشت الضيق والخوف والرعب في مبيت المعهد الثانوي ، بل لعلّها عاشت تجارب مرّة لم تفصح عنها بالقدر الكافي ما جعلها تتوق إلى التحرر من المعهد ومن البيت ومن أسر الأمّ والعائلة والإخوة والأراذل من المعلّمين .كانت العاصمة تونس هي الفضاء الذي سيمكنها من ممارسة حرّيتها بعيدا عن قريتها السرس ومتعلّقاتها الموبوءة .ولكن هل ظفرت بهذه الحرّية التي تحقق بها ذاتها ؟ يبدو أنّ آمال مختار وقعت في حبائل هدر الكرامة وجرح الكبرياء أكثر ممّا كانت تتوقّعه .كانت دائما تشعر بأنّها طريدة للكثير من الذئاب بمثقفيهم وشعرائهم وصحفيييهم ، بل وحتى من عامة الناس في الشارع يستوقفونها إعجابا بوجهها التلفزي أو رغبة في التملّي من جمال هذه الصحفية الاستثنائية .
شقيت آمال مختار بجمالها لأنّها لم تصل إلى حمل الآخرين على احترام هذا الجمال ،وعلى التواصل مع هذه المرأة لغير جمالها ، ولعلّها لذلك لجأت إلى الكتابة تبوح فيها بخيباتها من هذا المجتمع الذي يختزل المرأة في جمالها . هذا هو السبب في نظري الذي جعل آمال مختار تكتب سيرتها الذاتية (أنقذتني الكتابة) وتعتبر الكتابة منقذتها من مأساتها كامرأة أوّلا وكامرأة جميلة ثانيا .وللقارئ من بعد أن يعتبر هذه السيرة ضربا من الوفاء لوالدها الذي افتتحت هذا العمل بمرضه واختتمته بوفاته وله أيضا أن يبحث في هذه السيرة عن الصداقة وصنوف العلاقات الإخوانية ولكنّ العلّة الأولى لكتابة هذه السيرة في نظري هو البحث في الطفولة الجريحة التي لم يلتئم جرحها على مدى عقود من الزمن وفي الجمال الذي ظنّته قرينا للخير فاكتشفت أنّه مجلبة لكلّ الشرور في هذا المجتمع الذكوري . لقد تغيّر الرهان لدى آمال مختار من التحرر من سجون العائلة والقرية والذئاب تلاحقها إلى تحقيق الذات بواسطة الكتابة .لم تعد الحرية مطلبا وجوديّا في الحياة بل صارت الحرية فعلا يُنجز في فضاء الورق ، فبالكتابة تحقّق ذاتها وبها تقوّم ماضيها وبها تدلي بشهادتها على المظلمة التاريخية التي تعيشها المرأة في المجتمع الذكوري وما زالت ، وبالكتابة تنقذ نفسها من مرذول ما يدور على ألسنة الناس في شأنها ، فليس ” الحرف المسطور كالصوت المنثور” بعبارة الجاحظ.
مرتبط
إقرأ أيضاً
أيام في مدن الجمال*نصير شمهبطاقة سفر واحدة نقلتني إلى عالم آخر، مختلف وخاص، عالم ليس له مثيل، اليابان:…
في الكتابة وأهدافها*يوسف ضمرةلماذا لا يتوقف الكاتب عن الكتابة؟علينا أن نسأل هذا السؤال، فيما لو ظننا لوهلة…
الكتابة في الحقول الوعرة*خليل قنديلإذا كان لكل مبدع حقله المجاور لروحه فإن بعض المبدعين، وبحكم حساسيتهم الوجودية العالية…