ترجمة: تحسين الخطيب
أعلنت “رابطة القلم” الأميركية، مساء الأول من مارس الجاري، عن فوز “القصائد الكاملة” للشاعرة اليابانية تشيكا ساغاوا، بجائزة الشعر المترجم لهذا العام 2016، متفوقة على الترجمات الأربع الأخرى: “مدرسة العزلة” للشاعر البيروفي لويس هيرنانديس؛ و“مخفوق ريلكه” للشاعرة البرازيلية أنجيليكا فريتاس؛ و“احترقتُ في العيد” للشاعر الروسي آرسيني تاركوفكسي؛ و“القصائد الأخيرة” للشاعر الصيني وانغ آن شه.
وصف محكّم الجائزة، الشاعر والمترجم وأستاذ الأسبانية والإنكليزية المساعد في جامعة نيويورك أورايوان نويل، قصائد ساغاوا بأنها “مساهمة جوهرية لفهمنا الشعر الياباني المكتوب في القرن العشرين، وللشعرية الحداثية العالمية من دون شكّ.. إنّ صوت ساغاوا الجريء صوت ضجر ولكنه معاصر على نحو مخيف، سرياليّ في وثباته المجازية ولكنه دقيق في صراعه مع الحقيقيّ”. كما وُصفت الترجمة التي أنجزتها الشاعرة والمترجمة اليابانيّة ساواكو ناكاياسو “بالترجمة العظيمة التي تقبض على الحركيّة اللفظية لشعر ساغاوا وصوره المجازية المذهلة دون التضحية بالوضوح والاقتصاد الكلاميّ”.
قصائد ساغاوا في هذه المجموعة هي قصائد قصيرة على شاكلة الهايكو أو التانكا من حيث الجوهر الشعري؛ ولكنها -من حيث التكنيك الكتابيّ والخيار الجماليّ- أقرب إلى مفهوم الشعر الحر، كما شاع في الشعريات الغربيّة، منها إلى أي شكل شعريّ آخر. إنّ خيارها الحداثي هذا، في التخلي عن الأوزان المغلقة وتبني الكتابة في شكل مفتوح تنبع شعريّته الفارقة من إيقاع الكلام الفطري، جعلها في طليعة شعراء الحداثة في اليابان أوائل القرن العشرين.
بيد أن هذه الحداثة الشعرية سرعان ما طواها النسيان بفعل الردّة الجمالية التي طرأت على الثقافة اليابانيّة في ثلاثينات القرن والعشرين وفي أربعيناته. عمدت الحكومة القومية، كما تقول آدريان رافيل في مراجعتها المنشورة في النيويوركر (18 أغسطس 2015)، إلى تمكين الذين يكتبون ضمن الأشكال التقليدية المألوفة على حساب أولئك الذين تظهر في أعمالهم تأثيرات غربيّة. أنشأت الحكومة جهازًا رقابيًّا، كشرطة سريّة، يراقب الأفكار ويقوم باعتقال المثقفين الذين توسم أعمالهم بأنها غير وطنيّة.
ثم وبعد الحرب العالمية الثانية غابت الحداثة الشعرية اليابانية عن المشهد تمامًا، وفقًا لآدريان رافيل. فعلى الرغم من مواصلة بعض الشعراء قراءة ساغاوا ورفاقها الطليعيّين، إلّا أنّ قلة منهم قد استلهموا طرائقهم في الكتابة. أصبح الكاتب الياباني الأصيل هو ذلك الذي يكتب ضمن الأشكال التقليدية. وظل الأمر كذلك حتى قام جون سكوت في العام 1999، بنشر سيرة الشاعر والفنان التشكيلي كيتاسونو كاتو (1902-1978)، فجلب انتباه اليابانيين والغربيين على حدّ سواء إلى أدب حداثة ظلّ منسيا جيلًا بعد جيل.
ولدت ساغاوا، والتي يعني اسمها “الضفة الشمالية”، بهوكايدو في اليابان سنة 1911. اسمها الحقيقي هو آيكو كاواساكي. درست الإنكليزية في بداية حياتها آملة أن تصبح معلمة لها.
ولكنها سرعان ما سافرت إلى طوكيو، وهي في السابعة عشرة من عمرها، لتلتحق بأخيها الذي كان قد سبقها وأصبح ذائع الصيت في الدوائر الأدبية هناك. أصبحت فاعلة في الحياة الثقافية الطليعية ومنهمكة في تحرير مجلة “الشعر والشعريات” التي كانت تعنى بنشر الشعر الجديد. تأثرت بالشعر السوريالي، ونشرت قصيدتها الأولى “الحصان الأزرق” في العام 1930.
كما ساعدت في ترجمة “عوليس” جميس جويس، في أول ترجمة يابانية لها، وبعض أعمال فرجينيا وولف وآخرين. ماتت في العام 1936، بسرطان المعدة، وهي في الخامسة والعشرين.
وتأتي أهمية الجوائز الأدبية التي تمنحها رابطة القلم الأميركية -ليس في مجال الشعر المترجم فحسب، بل أيضا في القص والشعر وأدب الخيال العلميّ وفن المقالة والكتابة الرياضية وأدب الأطفال والدراما- من كون الرابطة، ومنذ نشأتها قبل نحو تسعين عامًا، تنشط في العمل المؤسساتيّ القادر على تعزيز القوّة العالمية للكتابة، وتمكين الفرد، بصرف النظر عن هويته العرقية والجنسية، من حرية التعبير، والدفاع عن حقوق الكتّاب ضد جميع الأخطار التي قد تحلق بهم نتيجة أعمالهم المنشورة.
دُبُر
يأكل الليل اللّونَ،
وباقاتُ الزّهرِ تفقدُ زُخرفَها الباطلَ.
ومثلَ سمكةٍ دُرّيةٍ يسقطُ في الأوراقِ النّهارُ
ويكافحُ، كالحمَأِ الصّاغرِ،
الأحلامَ التي لا شكلَ لها والأشجارَ
التي نمتْ خارجَ هذا اليأسِ الذابلِ الذي يسخرُ.
والفضاءُ الذي تَهرَّمَ
يداعبُ الأعشابَ هناكَ بقدميهِ.
والأصابعُ الملطّخةُ بقطرانِ السجائرِ
تمسّدُ العتمةَ المتلوّية.
ثمّ يتحرّكُ الناسُ.
ظهيرة
كبتلاتِ الزّهرِ ينهملُ المطرُ.
تهبطُ الحشراتُ ظلَّ الشجرةِ وقد ضربها ثِقَلٌ ثقيل.
محتشدةً عندَ ساريةِ الجدارِ، تتعقّبُ نسيمًا كليلًا-
الأصواتُ قتلتها الشمسُ، الأمواجُ.
يضعُ هيكلي العظميُّ زهورًا بيضاءَ فوقَهُ.
والسمكةُ تصعـدُ المنحـدرَ وقـد عطّلتهـا الأفكـارُ.
فَمٌ: يأكلُ اللّون
تُبدّلُ الفصولُ قفّازاتها
السّاعةُ الثّالثةُ
أثرُ الشّمسِ
أثرُ بتلاتِ زهرٍ تقبرُ الرصيفَ
ستارةٌ بيضاءُ وسوداءُ
عيونٌ غطّتها الغيومُ
ومساءٌ يغيبُ على بعضِ يومٍ لا يَعِدُ.
نشيد معتم
على البساطِ المتفتّحِ كلّهِ
بهدوءٍ وعلى مَهَلٍ
عربةٌ يجرّها حمارانِ.
وعلى الشارعِ حيث تحترقُ بتلاتُ الزهرةِ المختالةِ
ريشٌ مِن حريرٍ خضّبهُ غبارُ الطّلعِ.
وحيثُ أصابعُ قدميها تلمسُ
قوسُ قزحٍ أبيضُ يُرسَمُ.
ملاك المحيط
عاليًا يرنُّ المهدُ.
ويصبأُ أُملودُ،
كأنّهُ يشلحُ الرّيشَ.
أنتظرُ عودةَ النّائمينَ.
والموسيقى تسمُ الساعةَ البرّاقةَ.
أحاولُ الاحتجاجَ، رافعةً صوتي-
تجيءُ الأمواجُ فتمحوهُ منَ الخلفِ.
لقد كنتُ مهجورةً في المحيطِ.
سكّين صدئة
شفقٌ سديميٌّ أزرقُ يرتقي النافذةَ.
مصباحٌ يتدلّى كعنقِ امرأةٍ.
هواءٌ مُسْوَدٌ يتغلغلُ في الغرفةِ-ودثارٌ ينتشرُ.
الكتبُ، والحبرُ، والسكّينُ الصدئةٌ تلوحُ كأنها سوفَ تسرقُ الحياةَ بالتّدريجِ منّي.
وآنَ نخرَ كلُّ شيءٍ،
كانَ الليلُ للتوِّ في يدي.
محيط الذاكرة
بشعرٍ أشعث، وصدرٍ منتفخ، تهيمُ امرأةٌ مجنونةٌ على وجهها.
حشدٌ من كلماتٍ بيضاءَ يتكسّرُ على المحيطِ الغسقيِّ.
أكورديون مهشمٌّ،
وحصانٌ أبيضُ وحصانٌ أسودُ يندفعانِ مهتاجينِ فوقَهُ، ويزبدانِ.
______
*العرب
شاهد أيضاً
ليتني بعض ما يتمنى المدى
(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …